باسم فريق التقدم والاشتراكية، خلال الجلسة التشريعية العامة المنعقدة بمجلس النواب يوم الثلاثاء 18 أكتوبر 2022 للدراسة والتصويت على القوانين الجاهزة.
فيما يلي النص الكامل للمداخلة:
السيد الرئيس المحترم؛
السيد الوزير المحترم؛
السيدات والسادة النواب المحترمون؛
يشرفني أن أتناول الكلمة، باسم فريق التقدم والاشتراكية، في مناقشة مشروع قانون إطار رقم 22.03 بمثابة ميثاق الاستثمار.
إنه عينُ العقلِ أن نبدأ عملَنَا التشريعي لهذه السنة، بالمصادقة على هذا النص الهام المرتبط بموضوع الاستثمار. وهو الموضوع الذي حظِـــيَ بحيزٍ وافرٍ، وبتوجيهاتٍ حكيمةٍ ومُتــــبـــصِّرةٍ، ضمن الخطاب المَلَكي السامي، بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثانية من الولاية التشريعية الحادية عشرة.
وعليه، فإنه من الضروري أن نجعل، من هذا القانون إطار، مدخلاً أساسيًّا للنهوض بالاستثمار المنتج، حتى يكون رافعة لإنعاش الاقتصاد الوطني، والانخراط في القطاعات الواعدة، وعنصراً من عناصر جاذبية الاستثمارات الخاصة، الوطنية والأجنبية.
ومن أجل أن ننجح في ذلك، فإنه من اللازم على الحكومة أن تجعل من هذا النص التشريعي مُنطلقاً ومُرتَكَزاً للانكباب، على رفع العراقيل التي يُواجهها الاستثمارُ والمستثمرون في أرض الواقع.
وهنا، لا بد من استحضارِ التوجيهات المَلَكية السامية والواضحة، والسَّـــيْـــرِ على طريقها،بخصوص الارتقاء بأدوار ومكانة المراكز الجهوية للاستثمار، والرفع من جودة خدماتها؛وبخصوص مسؤوليات القطاع البنكي والمالي الوطني في تمويل المشاريع؛ وكذا ضرورة التفعيل الكامل لميثاق اللاتمركز الإداري وتبسيط ورقمنة المساطر؛ وأيضاً تسهيل الولوج إلى العقار.
ومما لا شك فيه، أنَّ تحسين مناخ الأعمال، لا سيما من خلال حرص الحكومة على الإعمال التام لدولة القانون في الفضاء الاقتصادي، وتعزيز قواعد المنافسة الشريفة، ومحاربة كافة أشكال الريع والفساد والمضاربات والممارسات الاقتصادية غير المشروعة، بالإضافة إلى تفعيل آليات التحكيم والوساطة، سيكون له الأثر الكبير على الجاذبية الاستثمارية لبلادنا. إنه ورشٌ لم يعد قابلاً للتأجيل ولا للتباطؤ.
إننا، في فريق التقدم والاشتراكية، نتطلع إلى أن تكون الحكومةُ، والقطاع الخاص والقطاع البنكي، في الموعدِ، من أجل البلورة الفعالة للتعاقد الوطني للاستثمار، الذي دعا إليه جلالةُ الملك حفظه الله، بغاية تعبئة 550 مليار درهماً من الاستثمارات، وإحداث نصف مليون منصب شغل، في الفترة بين 2022 و2026.
السيد الرئيس المحترم؛
السيد الوزير المحترم؛
السيدات والسادة النواب المحترمون؛
إننا اليوم أمام محطة تشريعية من درجة عالية من الأهمية. ونحن في فريق التقدم والاشتراكية حينما نُلِحُّ على التوزيع العادل للخيرات، فإنه لا يغيبُ عن فِكرِنا أبداً أنه في البداية يتعين خلقُ هذه الثروات. ومِن ذلك فإن موضوع الاستثمار الخاص يكتسي صبغتَهُ المصيرية بالنسبة لبلادنا.
هكذا، فعندما طُرح علينا هذا المشروع قانون إطار، أعربنا عن مساندتنا له. وفي نفس الوقت، وانطلاقاً من مقاربتنا البنَّاءة، لم نَـــــدَّخِـــــر جُهداً في تقديم تعديلاتٍ تتناغم تماماً مع توجُّهات
ومبادئِ وغاياتِ وفلسفة مشروع ميثاق الاستثمار هذا. وهي تعديلاتٌ تندرج في إطار واجبِ سعينا الجماعي نحو مزيدٍ من جودة النصوص التشريعية وقابليتها لأنْ يكون لها وقعٌ في أرض الواقع. ولكن للأسف، نسجل أن الحكومة رفضت، دون مبررات مقنعة، معظم التعديلات التي تقدمنا بها، وجُــلَّ تلك تقدمت بها باقي مكوناتُ المجلس.
ومع ذلك، فالمشروع الحالي الذي بين أيدينا لا يمكن لفريق التقدم والاشتراكية سوى أن ينخرط فيه ويصادق عليه، انطلاقاً من مقاربته المبنية على ممارسة معارضةٍ وطنية وبناءة ومسؤولة. وسننتظر النصوص التي ستتفرع عنه، والتي سَتُحدِّدُ التفاصيل الدقيقة، خاصة بالنسبة لشروط الاستفادة من أشكال الدعم المنصوص عليها. إنه دعمٌ نتطلع أن تحرص الحكومةُ على ألاَّ يتحول، عند التطبيق، إلى بُـــؤر جديدةٍ للريع.
ومن المؤكد أنه لا يُمكن الاختلافُ حول ضرورة دعم المقاولة الوطنية؛ وإحداث مناصب شغل قارة؛ وتقليص الفوارق المجالية؛ والاهتمام أكثر بالقطاعات الاستراتيجية ذات الأولوية؛وتحسين مناخ الأعمال؛ وحفز الاستثمارات الأجنبية؛ وتقوية الصادرات؛ وتعزيز تواجد المقاولات الوطنية دوليا؛ وتشجيع ودعم الإنتاج الوطني لتعويض الواردات.
وبغضِّ النظر عن كون الحكومة كانت ملزمةً سياسيا بأن تُجرِيَ تقييماً لحصيلة ميثاق الاستثمار السابق. وبغض النظر أيضاً عن استثناء الاستثمارات في قطاعاتٍ بعينها من الاستفادة من الدعم الأساسي، وبغض النظر عن ذلك كله، فإنه من الجيد أن يكون أمامنا اليوم مشروعٌ جديد يتضمن التنصيص على التكامل والالتقائية في عمل المتدخلين العموميين. لكن سيظل السؤالُ العريض مطروحاً على الحكومة، وهو: كيف ستعمل على تحقيق ذلك في واقع الممارسة؟ وما هي التزامات القطاعات الحكومية الأخرى المعنية في مجال تعبئة العقار وتهيئته، على سبيل المثال لا الحصر؟
إنَّ هاجس التجويد وضمان شروط نجاح هذا النص التشريعي هو الذي دفعنا، إلى اقتراح تعديلاتٍ تَــصُبُّ في اتجاه ضرورة الإحالة على نصوصٍ تشريعية، وليس فقط نصوص تنظيمية،فيما يخص معايير وشروط وكيفيات الدعم.
نفس خلفية المصلحة العامة هي التي تجعلنا مقتنعين بضرورة إضافة “منحة الإيكولوجيا” للمشاريع المبنية على أساس معيار النجاعة الطاقية؛ وكذا بضرورة إحداث آلية وأدواتٍ لتتبع ومراقبة أوجه إنفاق الدعم الممنوح؛ وبضرورة تحسين آليات التحكيم والوساطة.
وبنفس الموضوعية والمسؤولية، نعتبر أنها مطروحَةٌ على الحكومة، أيضاً وبِحِدَّة، أسئلةٌ حارقة وعاجلة، ليس بخصوص النص التشريعي في حد ذاته، بل بخصوص الإصلاحات المواكِبة التي يتعين مُباشرتُها، والتي لن يستقيم الاستثمارُ إلاَّ في ظل تفعيلها.
وهنا، لا بد من إثارة انتباه الحكومة إلى أنَّ الإصلاح الإداري لم يعد يتحمل التأخير؛ ولأنَّ المراكز واللجان الجهوية للاستثمار لا بد من النهوض بوسائل ومقاربات عملها، حتى تصير أكثر نجاعةً وفاعلية. كما يتعين التخلي عن الإفراط في مركزية القرار الاستثماري.
السيد الرئيس؛
السيد الوزير؛
السيدات والسادة النواب؛
حينما سيخرج هذا المشروع قانون إطار إلى حيز والتنفيذ، فإنَّ ذلك من صلب أدوار المؤسسة التشريعية التي تقوم بواجبها، بهذا الصدد، معارضةً وأغلبيةً. لكن سيكون هذا النص مجرد البداية فقط لإعطاء نَفَسٍ أقوى للاستثمار الخاص. وبَــعدَهَا مباشرةً ستكون الحكومةُ أمام تحدياتٍ حقيقية، من أجل أن يُحدث هذا الميثاق أثَــــرَهُ الاقتصادي والاجتماعي والمالي والتنموي.
ولعل أهم هذه الرهانات: إيجادُ الحلول الناجعة للمشاكل العقارية التي تُعيق المستثمرين؛والدفعُ في اتجاه التسريع بالإصلاحات المتصلة بالجهوية، واللاتمركز الإداري،والإصلاح الضريبي، والشراكة بين القطاع العمومي والخاص، وإصلاح المؤسسات والمقاولات العمومية.
وفي الأخير، مع إعرابنا عن الانخراط القوي والمسؤول والبنَّاء في التوجهات الأساسية لهذا المشروع قانون إطار، فإننا نتطلع، في فريق التقدم والاشتراكية، نحو أن تُوفِّـــر له الحكومةُ كافة شروط النجاح.
ومن بين أهم هذه الشروط، في اعتقادنا: تقويةُ الاستثمار العمومي في البنيات التحتية، وفي تأهيل العنصر البشري، وفي الحد من التفاوتات المجالية، وتهيئة المجالات الترابية والمناطق الصناعية، طالما أن المشاريع الاستثمارية الخاصة لا يمكن جذبها إلاَّ إذا توفرت الأرضيةُ الملائمة لذلك.
إنَّ الأمر يتطلبُ، في الأول والأخير، الاستثمار في الإنسان الذي يجب أن يكون في قلب العملية التنموية، بما يعود بالنفع والازدهار على جميع مناطق بلادنا وعلى كافة المواطنات والمواطنين، تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله.
والسلام عليكم.