النائب سعيد إدبعلي يشدد على ضرورة تحقيق نجاعة المؤسسات السجنية وأسننتها، وتمكين السجناء من حقوقهم المكفولة دستوريا
أثناء مداخلته باسم فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب، خلال المناقشة العامة لمشروع القانون رقم 23. 10 يتعلق بتنظيم وتدبير المؤسسات السجنية.
الجلسة التشريعية العمومية المنعقدة بالمجلس يوم الثلاثاء 24 أكتوبر 2023، للدراسة والتصويت على القوانين الجاهزة.
فيما يلي النص الكامل للمداخلة:
بسم الله الرحمان الرحيم،
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين،
السيد رئيس المحترم؛
السيد الوزير المحترم؛
السيدات والسادة النواب المحترمون؛
يشرفني أن أتدخل، باسم فريق التقدم والاشتراكية، في المناقشة العامة لمشروع القانون رقم 23. 10 المتعلق بتنظيم وتدبير المؤسسات السجنية.
بدايةً، نؤكد على أهمية وملحاحية مراجعة الإطار القانوني المتعلق بتنظيم وتدبير المؤسسات السجنية، والذي كان ولا يزال إحدى الانشغالات الأساسية لفريق التقدم والاشتراكية، من أجل تجاوز الإشكاليات العميقة التي تُـــــعيق التدبير الجيد لهذه المؤسسات، وتمكين الأشخاص السجناء من حقوقهم الإنسانية التي يضمنها لهم الدستور والاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها المملكة المغربية.
فالأشخاصُ السجناء يظلون جزءا من هذا الوطن، لهم حقوق يجب تمتيعهم بها. فتنفيذ العقوبة، بحرمانهم من الحرية، لا يُــــــلغي حقوقهم التي سعت الكثير من التشريعات الداخلية والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان إلى ترسيخها وإحاطتها بالضمانات اللازمة.
في هذا الصدد، لا بد من التذكير بالخطاب الملكي السامي، بمناسبة افتتاح السنة القضائية، يوم 29 يناير 2003، والذي جاء فيه: ” وإن ما نُولِيه من رعاية شاملة للبعد الاجتماعي في مجال العدالة لا يُستكملُ إلاَّ بما نُوفره من الكرامة الإنسانية للمواطنين السجناء التي لا تُجَرِّدُهُم منها الأحكامُ القضائية السالبة للحرية”.
السيد الوزير المحترم؛
إن مرور ما يناهز ربع قرن على دخول القانون 23.98 حيز التطبيق يتطلب القيام بمراجعة شاملة وكاملة له، بما يَكْفُلُ الحفاظَ على المكتسبات، وترسيخ قيم ومبادئ حقوق الإنسان في المؤسسات السجنية، وإرساء تدبيرها على مبادى النجاعة والحكامة، وتمكينها من الوسائل المالية والبشرية اللازمة للنهوض بوظائفها وأدوارها، بما يضمن التدبير الجيد لمسار السجين مند وُلُوجِهِ إلى المؤسسة السجنية، وطيلة فترة قضاء العقوبة السجنية، إلى يوم مغادرته وإعادة إدماجه، بشكلٍ فعلي، في المجتمع.
السيد الوزير؛
من هذا المنطلق فقد تبنَّينا، في فريق التقدم والاشتراكية، مقاربةً حقوقية إدماجية في التعاطي مع هذا المشروع قانون. وقد انصبت تعديلاتنا على:
أولا: تعزيز حقوق المعتقلين، وإلزام السلطات العمومية المعنية والمؤسسات السجنية على توفير الإمكانيات المالية والبشرية لتلبية هذه الحقوق، لضمان متطلبات العيش الكريم للسجناء وتأهيلهم وإعادة إدماجهم السلس في المجتمع؛
ثانيا: الحد من أشكال المراقبة، التي قد تنطوي على ممارساتٍ تعسفية، والتي يُمكن أن يتعرض لها المعتقلون، وحماية معطياتهم الشخصية وخصوصياتهم في المراسلات والاتصالات، وحماية حريتهم الفكرية وحقهم في الكتب والصحف والمجلات؛
ثالثا: تعزيز إمكانيات التواصل بين المعتقلين ومحاميهم وضمان سرية التخابر بينها؛
رابعا: تقوية المقتضيات المتعلقة بالقواعد الخاصة لحماية بعض الفئات المجتمعية، ومراعاة احتياجاتها الخاصة، كالنساء، والأحداث، وذوي الاحتياجات الخاصة، ضماناً لكرامتها وخصوصياتها أثناء فترة الاعتقال؛
خامسا: تعزيز حقوق السجناء الأجانب وتمكينهم من التواصل مع الهيئات الدبلوماسية؛
وغير ذلك من التعديلات التي توخينا منها تجويد النص. ونشكر الحكومة على تفاعلها الإيجابي مع بعضها، ونتأسف على عدم قَبولها للبعض الآخر.
السيد الوزير؛
أكيد أننا نتطلَّعُ نحو أن يُساهم هذا المشروع في معالجة الإشكالات المرتبطة بتفعيل أدوار المؤسسات السجنية، خاصة في ظل “التطور النوعي والكمي للجريمة” بما يضمن موازنة بين طبيعة الجريمة والضرر الذي تُحدثه، وبين وظيفة العقوبة السالبة للحرية.
فمعالجةُ الإشكالات العميقة التي تعاني منها المؤسساتُ السجنية، وتحقيقُ نجاعتها وحكامتها،والارتقاءُ بالخدمات المقدمة للساكنة السجنية، وأنسنةُ السجون، وتمكينُ السجناء من حقوقهم المكفولة دستوريا، وإدماجُهم في محيطهم الاجتماعي، كلها غاياتٌ تتطلب مقاربةً شاملة ومتكاملة، بأبعاد ومداخل متعددة، لمعالجة الإشكالات الحقيقية التي تعجز النصوص القانونية لوحدها عن إيجاد حلول لها، والمرتبطة ب:
– الاكتظاظ داخل السجون، الذي يشكِّل معضلة حقيقية. فالساكنة السجنية تجاوزت حسب المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، في غشت 2023، مائة ألف سجين وسجينة، متجاوِزةً وبفارق كبير، الطاقة الاستيعابية للمؤسسات السجنية التي لا تتعدى 68600 سجين وسجينة؛
– ارتفاع نسبة الاعتقال الاحتياطي التي تصل إلى 43 %. وهذه الوضعية تطرح أكثر من إشكال قانوني وحقوقي؛
– ما يفوق 40 في المائة من السجناء محكومون بمدة تقل عن سنتين. ونتمنى أن يُشكِّلَ إدخالُ العقوبات البديلة مساهمةً فعالة في الحد من ظاهرة الاكتظاظ؛
– ضرورة مراجعة شاملة للسياسة الجنائية؛
– بذل مجهود أكبر على مستوى ولوج السجناء لحقهم في الصحة على مختلف المستويات، وإعطاء الأهمية اللازمة للصحة النفسية.
وفي الأخير نؤكد، في فريق التقدم والاشتراكية، على أنَّ واقع المؤسسات السجنية يُسائِل بعمق مختلف المستويات التشريعية والمؤسساتية والمجتمعية، لأن ما تعيشه المؤسسات السجنية يهم مخرجات السياسات العمومية في بلادنا، في شموليتها.
فارتفاع الساكنة السجنية هو عنوان بارز لمحدودية أثر هذه السياسات، والحاجة على إصلاحٍ عميق لمؤسسات التنشئة الاجتماعية والبرامج والخطط التنموية، لأجل صناعة رجال ونساء الغد، المتشبعين أكثر بقيم المواطنة، والمساهمين بشكلٍ أكبر في مسار التنمية.
وشكرًا.
تصوير: رضوان موسى