كلمة الرفيق محمد نبيل بنعبد الله في افتتاح لقاء المكتبيْن السياسيين للاتحاد الاشتراكي وحزب التقدم والاشتراكية

الجمعة 15 دجنبر 2023

الأخوات الفضليات، الإخوة الأفاضل في المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية؛
الرفيقات العزيزات والرفاق الأعزاء في المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية؛
الاخوات والاخوة في وسائل الاعلام الوطنية؛

أوَدُّ أن أعرب، بدايةً، عن سعادتي الشخصية، وتأثُّري البالغ، بأن يكون هذا اللقاء بيننا، وبأن نلتقي بعد جُهد ومساعٍ مشتركة طويلة، وبعد صبر. ولربما أنَّ كل ذلك فيه ضمانة بالنسبة للمستقبل، لأجل أن نضمن فعلاً نجاح هذه المبادرة، ونُؤَمِّنَ لها الشروط الموضوعية والذاتية، لكي تتطور وتنضج وتكبر، وتُشرك فعالياتٍ وطاقات وقِوى أخرى من وسط المجتمع، بما يساهم في تطوير بلادنا على جميع المستويات.

لقد كان من المفروض، ونحن نحضِّرُ هذا اللقاء، أن نستحضر ونستند إلى بعض الوثائق التاريخية. ولحسن الصُّدف، كنت أقوم بصحبة الرفيق عبد الرحيم بنصر في الأيام الأخيرة بعملٍ توثيقي حول أرشيف الحزب.

هذا التاريخ المشترك استحضره أيضاً الأخ ادريس لشكر في زيارته الكريمة مؤخرا الى مقر حزبنا، وتحدث بخصوصه إلى وسائل الإعلام. وحين زارنا الأخ إدريس، ولأنَّ مَــــــقَـــــرَّيْ حزبيْنا متجاوران، فقد قلت (مازحاً) للأخ مهدي مزواري، إنه “في إطار تيسير عمل اللجنة المشتركة بين الحزبين، عليكم أن تفكروا في ممرٍّ مباشر للمرور مباشرة من هذا المقر إلى ذاك”.
أعود لأقول لكم، أيها الحضور الكريم، إنني أريد أن أريكم بعض الوثائق التاريخية، التي تعود إلى بداية الستينيات، عند نشأة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وأيام الحزب الشيوعي المغربي آنذاك (إظهار أمام الحضور لوثائق تاريخية مشتركة للحزبين).
ويتعلق الأمر، كما تلاحظون، برسائل موجَّهة إلى الكتابة العامة للاتحاد الوطني للقوات الشعبية بالدار البيضاء: واحدة بتاريخ 1964، والأخرى بتاريخ 1965، وكلها وثائق بطباعة آلة “الداكتيلو” السائد في ذاك الوقت. وكلها وثائق، كما تلاحظون، لا تحمل لا شعارات ولا رموز للحزبين، بالنظر إلى ظروف السرية آنذاك.

إنها وثائق، وغيرها كثيرةٌ جداًّ، تؤكد على مسعى وحدة الصف بين الحزبين تاريخياًّ، وعلى السعي المشترك إلى تشكيل مقاربةٍ مشتركة للدفاع عن قضايا الوطن، وللدفاع عن قضايا الديموقراطية، وللدفاع عن قضايا العدالة الاجتماعية والحريات، وغيرها

من الشعارات والمبادئ والقضايا التي كان تحملها القوى التقدمية أساسًا.
فالاتحاد الوطني للقوات الشعبية آنذاك، وبعد ذلك الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، والحزب الشيوعي، وبعد ذلك حزب التقدم والاشتراكية، كان لهما الفضل في حملها هذه المبادئ إلى يومنا هذا.

لذلك، أريد أن أقول لكم بأنَّ هذه السعادة الشخصية هي سعادة جماعية في الواقع. لأنني أرى، من خلال الوجوه الحاضرة، ومن خلال كل الخطوات التي سبقت، أرى عُمْقَ هذا الأمل المشترك الموجود في صفوف الحزبين، بما دفعنا إلى أن نصل الى هذه المرحلة، بالنظر لعدة اعتبارات تاريخية ومنطلقات تاريخية مشتركة، لكن أيضا بالنظر إلى اعتباراتٍ مرتبطةٍ بواقع اليوم.
ربما أنَّ واقع اليوم يُحَتِّمُ علينا فعلاً أن نقوم بهذه الخطوة، وهي خطوة متزنة وعميقة.

وأتوجه بذلك إلى وسائل الإعلام، طالما أنه منذ اللحظات الأولى، وحتى قبل انعقاد هذا اللقاء، بدأ الحديث والتساؤل: هذا التحالف؟ هذه الوحدة؟ هذه وحدة الصف؟ أم ماذا؟

إن هذه الخطوة، كما ناقشناها مع الأخ ادريس لشكر، للتنسيق بين الحزبين في كل المجالات، خطوة مفتوحة على الحاضر والمستقبل، خطوة مفتوحة على كل القوى التي تُـــريد أن تشترك معنا، إما موضوعاتيا أو مجاليًّا أو في أيِّ فضاءٍ معين يخص المجتمع المغربي، كل حسب اهتماماته وميولاته وطاقاته، على أساس فعلاً أن يكون للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ولحزب التقدم والاشتراكية دورٌ أساسيٌّ في تحريك كل هذه الواجهات، عسى أن تصل هذه الخطوةُ إلى مستوى أنضج، بما يُمكِّننا من أن نبلور آنذاك خطواتٍ أخرى رصينة ومفكَّر فيها، وبما يُمكِّن فعلاً من أن يكون لنا تأثيرٌ أكبر ووقْعٌ أكبر على مستوى القرار الوطني في شتى المجالات.

كيف يمكن أن يتم ذلك؟ لقد بدأ النقاش بين إخواننا ورفاقنا في اللجنة المشتركة المحدثة بين الحزبيْن.
وأعتقد ان هذه اللجنة، من دون شك، وبقرار منا جميعًا، ستستمر في عملها، حتى تكون أداةً للتفكير والفِعل والاقتراح بالنسبة لكل الخطوات المستقبلية.

طبعًا، ونحن نقوم بذلك، تناقشنا في أوضاعنا الوطنية، لكن أيضا في الأوضاع الدولية.
ولا بد، ونحن نعقد هذا اللقاء أن نُوجِّهَ التفاتةً مشتركة عاطفية، قلبية وإنسانية من الأعماق، إلى إخواننا في فلسطين بغزة، من أجل التعبير مجدَّداً عن إدانتنا القوية لجرائم الحرب المرتكبة من قبل الاحتلال الصهيوني، ومن أجل المناداة إلى وقف فوري لإطلاق النار، ومن أجل التعبير أيضا عن دعم الشعب الفلسطيني في كفاحه من أجل حقوقه الوطنية المشروعة.
وهذا فضاء أساسي من الفضاءات الذي سنعمل على الاشتغال حوله.

ونحن نلتقي، هناك تحديات مرتبطة بقضية وحدتنا الترابية، حيث في ذلك حقق المغربُ كثيراً من المكتسبات، لكن الملف لازال مطروحًا على مستوياتٍ متعددة، ومن ثمَّة فالأمر يحتاج إلى بلورة شعارٍ أساسي، كثيرًا ما أكدنا عليه في حزبيْنا، وهو توطيدُ الجبهة الداخلية على كافة المستويات، ديمقراطيا، وسياسيا، واقتصاديا، واجتماعيا. وسنعمل، طبعًا، من خلال مبادراتنا المختلفة، على السعي إلى بلورة ذلك.

وفي المستويات الأخرى، فننطلق من كون أنَّ التحديات المطروحة على بلادنا تجد اليوم صعوبة حقيقية في أن تجد من يمكن أن يبلورها على أرض الواقع، وأن يجد لها حلولاً.

وبشكل موضوعي، أكدنا ونؤكد أمامكم على ضعف هذه الحكومة الحالية في قدرتها على أن تتحمل أعباء هذه المرحلة، وأن تكون في المستوى السياسي المطلوب. وهي الحكومة الغائبة سياسيا، الصامتة تواصليا، وغير القادرة اجتماعيا على أن تتحدث مع الشعب بمختلف فئاته، من أجل طمأنته، كما رأينا ذلك بالنسبة لمعضلة التعليم مؤخرًا.
ومن حُسن الطالع، كما هو الشأن بالنسبة لقضايا كثيرة، هناك تلاقٍ وتقاربٌ في المواقف التي عبرنا عنها. وهي مواقف مسؤولة تُعطي الدليل على أن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية حزبٌ مكافح، لكنه حزبٌ مسؤول. وعندما يتعلق الأمر بالدفاع عن الوطن وعن قضاياه، فإننا تعلَّمنا كيف نكون مُطالِبين مكافحين، لكن مسؤولين في نفس الوقت. وهو الأمرُ الذي ينطبق على حزب التقدم والاشتراكية.

وفي هذه الأزمة، ساندنا المطالبَ المشروعة لنساء ورجال التعليم. وفي الوقت ذاته، ومع تطور الأمور، اعتبرنا أيضاً أنَّ هناك مصلحةً عليا بالنسبة للأطفال وتلاميذ وتلميذات شعبِنا، من أجل استئناف الدراسة.

وهذا ملف من الملفات الذي يبيِّنُ بجلاء كيف أن هذه الحكومة ضعيفة سياسيا في قدرتها على مواجهة مثل هذه الأزمات.
وأمام ضعف كبيرٍ لهذه الحكومة، بدايةً على مستوى حمل القضايا السياسية الإصلاحية الديمقراطية الأساسية، التي على بلادنا أن تُـــواجهها اليوم، خاصة في أفق تنظيم انتخابات 2026، إذ يتضح أننا في حاجة إلى صوت مسؤول، وطني غيور، ديمقراطي تقدمي، قادر على أن يقول بأنه لا يمكن للمغرب أن يستمر فيما يحياه اليوم من انحرافاتٍ، ومن عطب ديمقراطي، ومن تسلُّلٍ إلى الفضاء السياسي لممارساتٍ خطيرة انتفاعية وانتهازية تملأ اليوم عدداً من المؤسسات المنتخبة.
ولا يمكن أبدًا أن نتفرج، كأحزاب تقدمية، على تكرار نفس هذا المسلسل في أفق 2026، لأن في ذلك مُخاطرة بمؤسسات بلادنا، وبقدرة هذه المؤسسات على أن تكون مُمَثِّلة فعلًا لمطامح شعبنا، وأن تُحدِثَ المصالحة الضرورية بين الشعب وبين الممارسة الديموقراطية والممارسة السياسية والممارسة الانتخابية.

وعلينا مسؤولية مشتركة، من أجل أن نرفع عالياًّ هذا الصوت، وأن نقول بأننا في حاجة إلى نَفَسٍ سياسيٍّ جديد.
كما أنَّ بلادنا في حاجة إلى مُعالجة قضايا اقتصادية أساسية موجودة في وثيقة، تُعتبر وثيقةً مشتركة اليوم، وساهمنا فيها على غرار أحزاب أخرى، وهي وثيقة النموذج التنموي الجديد، والتي تلاحظون معي بأنها غُيِّبَت الآن من النقاش العمومي، وبأنها لم تَعُدْ من المرجعيات الأساس لهذه الحكومة، في وقتٍ جعلت منها، في تصريحها الحكومي أمام البرلمان، مَــــرجعاً أساسياًّ من بين المرجعيْن اللذَيْن تدَّعي أنها تريد بلورتهما على صعيد عملها، أي النموذج التنموي الجديد، وهو الآن موضوعٌ على الهامش. وأيضاً ما يسمونه، وفي ذلك سرقة فكرية موصوفة ” الدولة الاجتماعية “، وهو شعار لا علاقة لهذه الحكومة به ولا بأُسُسِهِ.

إنَّ مفهوم الدولة الاجتماعية هو ما دافعنا عليه دائمًا، في أحزابنا التقدمية، وتلك مسألة مرتبطة بنا أساسًا وبقدرنا على التأثير.
جميل أن يتم الاستناد إلى ذلك المفهوم من طرف الحكومة الحالية، لأن ذلك، في نهاية المطاف، يعني بأن ما قمنا به، ونادينا به لمدة عقود، يحتل اليوم الصدارة، على الأقل على مستوى التصريحات المتعلقة بالسياسات العمومية.
بمعنى أنه ليس هناك اصطفافاً فعلياًّ مع مرجعية هذه الأحزاب التي تُـــــشكِّــــلُ أساسَ هذه الحكومة، بل هناك تغطيةٌ لما تقوم به بشعارٍ هو في العمق شعارنا نحن.
وعلى تنسيقنا، طبعًا، أن يهتم بالشأن الاجتماعي، بالنظر إلى ما يعرفه من مآسي كثيرة ومتعددة لن أَخوض في الحديث مُطوَّلاً بشأنها.

فقط أريد أن أؤكد على أن هناك أوراشاً أساسية كبيرة، اليوم، في هذه الساحة، وهي أوراش لا يمكننا إلاَّ أن نُساندها، سواء تعلق الأمر بالتغطية الصحية والحماية الاجتماعية، أو بالدعم المباشر، أو دعم السكن، أو غير ذلك.

كل ذلك شأنٌ اجتماعي أساسي ننخرط فيه، لكن أريد أن أوجه نداءً، وأن أُلفت الانتباه إلى شيء أساسي: حذارِ من أن نُحدث انتظاراتٍ وآمالاً عريضة، من خلال هذه البرامج، لكن عند البلورة الفعلية يجب تفادي تغييب مئات الآلاف من الأسر عبر الاعتماد على بعض المقاربات التقنية، أو التقنوية، أو الضيقة، التي تحتوي على كل ما يمكن استعمالُهُ في إبعادِ بعض الأسر من الاستفادة. وفي ذلك مخاطر حقيقية بالنسبة لهذه الإنتظارات بالنسبة لأوساط عديدة من شعبنا.

ونلاحظ ذلك من خلال ما يحدث خلال البلورة الفعلية، سواء تعلق الأمر بالتسجيلات في التغطية الاجتماعية بمختلف أصنافها، أو بما يحدث اليوم بالنسبة للدعم المباشر، أو حتى بملف دعم السكن الذي من دون شك سيُفرز تفعيلُهُ بعض الغرائب.
ولكل ذلك نثير الانتباه في كل هذه القضايا، وفي قضايا قيمية أساسية لا يمكن ألَّا أذكرها.

فعدد كبير من مناضلاتنا ومناضلينا، في الحزبين، يهتمون بموضوع أساسي هو مسألة المساواة، ونحن نناقش إصلاح مدونة الأسرة، كما في قضايا أخرى ستأتي، كالقانون الجنائي وغير ذلك.

إنَّ قضية المساواة مرتبطة في العمق بهويتنا. وعلينا أن نشتغل، بشكل مشترك، لأجل الحصول على مكتسباتٍ أساسية وتقدم ملحوظ، بما يُغيِّر نحو الأفضل الملامحَ الحالية للمجتمع.

في هذا الاتجاه، أريد، الأخ ادريس لشكر والأخوات والإخوة في الاتحاد، أن أؤكد لكم على إرادتنا الصادقة، القوية، العميقة والمرتبطة باقتناع راسخٍ يعود إلى عقود من الزمن، في أن نعمل بشكلٍ مشترك، وأن نَضمن شروط النجاح لهذه المبادرة المتعلقة بمراجعة مدونة الأسرة.

في حديث هاتفي بيننا بالأمس، قلتُ للأخ إدريس لشكر، ومن دون شك أنكم لاحظتم ذلك: لقد خلقنا آمالاً بهذه المبادرة (التنسيق)، وأوساط عديدة صارت تتكلم عن هذه المبادرة، وهناك فراغ، وفئات مختلفة تنتظر الكثير، ربما أكثر مِمَّا يمكن أن نقدِّم، لكن علينا أن نكون في الموعد.
كيف؟ وبأي طريقة؟

لن نتسرع، سنُنَسِّق، وسنجد الصيغ المشتركة الكفيلة بأن نتقدم تدريجيًّا على كافة المستويات.
وتحية لممثلينا وممثلاتنا في مجلس النواب، على وجه الخصوص، على عملهم المشترك، خاصة في المرحلة الأخيرة حيث كان هناك تقدم. وسيستمر هذا العمل، بالانفتاح على باقي الأطراف البرلمانية، كما سننفتح على باقي الأطراف في مستويات مختلفة، كلٌّ حسب ما يُمكن أن يقوم به معنا. ذلك ما اتفقنا عليه مع الأخ ادريس.

وأتمنى من مختلف هيئاتنا الموازية، ومنظمات حزبيْنا، وقطاعاتهما وفروعهما، العمل على أن تزدهر هذه المبادرة، وأن تكون هناك مبادرات كثيرة مختلفة في مختلف الأوساط. وعلينا أن نشجع ذلك، من أجل تقوية هذه المقاربة، وأتمنى أن ننجح في ذلك.

وبالطبع، نعلن عن انفتاحنا على باقي أطراف اليسار وباقي الأطراف التقدمية التي تريد أن تشتغل معنا في هذا الأفق، الأفق المسؤول الجريء، ولكن المتزن في نفس الوقت، الأفق الذي يأخذ بعين الاعتبار الأوضاع التي نحياها، والتي تنظر الى المستقبل.

كما سننفتح على كل الأطراف المدنية والجمعوية والنقابية وغير ذلك، بما نُسَمِّيهِ في التصريح السياسي، الذي ستستمعون إلى مضامينه، ب”الحركة الاجتماعية” في شتَّــــى معانيها.

وفي كل ذلك، سنسعى الى أن يكون لنا حضور مشترك، وألاَّ نُـــخيِّـــــبَ الآمال الكثيرة التي أحدثناها في المجتمع.
أتمنى صادقًا أن ننجح في ذلك، وأُريد أن أؤكد لكم على عزم حزب التقدم والاشتراكية، ومكتبه السياسي، وكل قيادييه وكل مناضلاته ومناضليه، في أن نتقدم سويًّا على مسار الإصلاح والديمقراطية والحرية والمساواة والتقدم والعدالة الاجتماعية.
شكرا لكم.