رشيد حموني : التعديل الحكومي بدون أثر و الحكومة أضاعت 13 مليار لاستيراد الأبقار والأغنام واللحوم.

حوار مع جريدة الصباح

هاجم رشيد حموني، القيادي في التقدم والاشتراكية، الحكومة، واعتبرها فاشلة لأنها لا تنصت لمطالب المواطنين، ولا تتفاعل مع انتظاراتهم. وأكد حموني، في حوار مع ” الصباح” أن التعديل الحكومي لم تظهر آثاره كما توقع المواطنون، لغياب الجرأة في اتخاذ القرار السياسي لحل المشاكل القائمة. ودعا حموني، إلى فتح تحقيق في موضوع حصول تجار الأزمات والمضاربين على دعم من المال العام، دون أن يظهر أثر ذلك على الأسعار في الأسواق المغربية.وفي ما يلي نص الحوار.

هل لمستم حدوث تغير في مجال تسريع المشاريع التنموية؟

> الواقع لا يرتفع، وهاهي النتيجة الطبيعية والمتوقعة لفشل الحكومة، بصيغتها الحالية والسابقة. هو الاحتقان الاجتماعي الذي من مؤشراته القوية دعوة النقابات الأساسية إلى إضراب وطني عام، بسبب فشل الحوار الاجتماعي الذي طالما تغنت به الحكومة، وبسبب إخفاقها في ترجمة وعودها الاجتماعية إلى حقيقة عملية، وتجاهلها لتنبيهات واقتراحات كل الأصوات الصادقة في المجتمع، حتى وصل بها التغول إلى تهديد كل من له صوت مخالف.
ثم لا بد أن أذكر بأننا في التقدم والاشتراكية، في فريقنا النيابي، بمناسبة مناقشة الحصيلة نصف المرحلية للحكومة، دعوناها إلى تغيير سياساتها ومقارباتها، عوض الاكتفاء ب”مساحيق ترقيعية”. كما لا بد من التذكير بأنه إثر التعديل الحكومي صرح رئيس الحكومة بأن الهدف منه هو تسريع تنفيذ البرنامج الحكومي.

هل تغيرت الأمور بعد التعديل الحكومي؟

> اليوم، بعد مرور ما يكفي من الوقت لإجراء تقييم ولو أولي، يمكن الجزم بأن أصوات وتخوفات الرأي العام كانت في محلها، إذ لم يظهر أي أثر إيجابي للتعديل الحكومي الذي جرى، إن من حيث مضمون السياسات القطاعية المعنية، أو من حيث الشكل والمنهجية والمقاربة، والوتيرة، بل بالعكس يمكن أن نقول بأن اقتراح بعض الوجوه الجديدة التي لا علاقة لها بقطاعات أساسية معينة هو اختيار يمكن أن يكون له تأثير سلبي على مسار وسرعة إنجاز بعض الإصلاحات، كما هو الحال بالنسبة للتعليم والصحة.
وهنا لا بد من الأخذ بعين الاعتبار ما يروج أن المنطق الغالب الذي تحكم في التعديل الحكومي مرتبط بخدمة أجندة حزبية لاستحقاقات 2026، وهذا الأمر، إن ثبت فعلا، فسيكون مقلقا بل وخطيرا، طالما أن من مستلزمات الديمقراطية السليمة التنافس الشريف والمتكافئ، وطالما أن أي حكومة يتعين أن تخدم المصلحة العامة إلى آخر نفس من عمرها، عوض التركيز على نتائج انتخابات تفصلنا عنها أزيد من سنة ونصف سنة.

وصفت الأغلبية وزراءها بأنهم شكلوا حكومة الكفاءات ما هو رأيك؟

> طبعا، لا يمكن إلا أن أشهد بالكفاءة السياسية والتواصلية لوزراء معدودين على رؤوس الأصابع، بغض النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا مع سياساتهم القطاعية. على الأقل في هذه الحالات نجد مع من نتحاور، ومن نعارض، ومن ننبه، ومن نقترح عليه، ومن له حس الإنصات لنبض المجتمع وللمعارضة داخل البرلمان وخارجه.
لكن، للأسف، هذه الاستثناءات تؤكد القاعدة، حيث أن عددا من أعضاء الحكومة، كما يتابع ذلك الرأي العام، يجدون صعوبة كبيرة في التعبير وفي القراءة وفي حساب أبعاد قراراتهم.
نعم، قد يجيب البعض بأن العبرة بالعمل، أي كفاءة الإنجاز، وليس العبرة بالكلام، لكن يبدو لي أن عددا من أعضاء الحكومة يفتقدون إلى الحس السياسي، وإلى كفاءة التدبير والتواصل معا، بدليل عدم القدرة على التفاعل الآني مع تعقيبات في البرلمان تتعلق بمواضيع تندرج ضمن تسيير قطاعاتهم بشكل مباشر.

عانى المغرب من الجفاف وأثر ذلك على الإنتاج الزراعي والحيواني ودعمت الحكومة مستوردي المدخلات الفلاحية والحيوانات واللحوم، هل تحققت الأهداف المرجوة من تقديم الدعم المالي؟

> من المؤشرات الدالة على سوء حكامة الدعم العمومي المرتبط بالقطاع الفلاحي هو ما فجره عدد من أعضاء إحدى الجمعيات من اختلالات كبيرة وفاضحة مشتبه في وقوعها، وهي اختلالات حسب ما لدينا من معطيات موضوع شكاية لدى هيأة دستورية رقابية على المال العام. وقد تحمل فريقنا النيابي مسؤوليته الرقابية البرلمانية، ووجهنا سؤالا إلى وزير الفلاحة، وننتظر جوابه ليفسر لنا وللمغاربة كيف تقوم تلك الجمعية بالتصرف في شراكة ضخمة ماليا وتدبيريا مع هذا القطاع الحكومي، وعلى الأخص في ما يتعلق بالمال العام الذي سنستعمل كل ما لدينا من وسائل قانونية للمساهمة في حفظه من أي تلاعبات، ولن نخضع بهذا الصدد إلى أي تهديدات تزيد الموضوع شبهة.
صار الجفاف في بلادنا بنيويا، كما أكد على ذلك جلالة الملك الذي يولي أهمية قصوى لهذه المسألة الحيوية. هذا الوضع كان يقتضي من الحكومة، بالإضافة إلى المجهودات المبذولة لتعزيز العرض من خلال المنشآت المائية المختلفة، تغييرا أيضا في السياسة الفلاحية لترشيد الطلب، سيما عبر التخلي عن الزراعات المستنزفة للموارد المائية والموجهة غالبا للتصدير.
طبعا وضعية الجفاف أثرت على الغطاء النباتي والمنتوج الزراعي وقطيع الماشية. لكن في اعتقادي هناك من يستغل هذا الوضع للاتجار في الأزمة، لأن أسعار اللحوم والدواجن والخضر والفواكه والزيت والزيتون والقطاني والبيض وغيرها، وصلت مستويات قياسية تفوق بكثير القدرة الشرائية للأسر المغربية. الأمر لا يتعلق إذن بالجفاف أو بالسوق الدولية فقط، بل كذلك بالمضاربات والاحتكار. والدليل هو أنه حتى عندما تتحسن أسعار بعض المواد في الأسواق العالمية فإن ذلك لا ينعكس على الأسعار في الأسواق الوطنية.

نيران الأسعار

لكن الحكومة اتخذت مجموعة من الإجراءات التحفيزية…

> اتخذت الحكومة بعض الإجراءات التحفيزية للاستيراد، مثل الإعفاءات من الرسوم الجمركية ومن الضريبة على القيمة المضافة عند الاستيراد، ومن قبيل تقديم دعم مالي مباشر بقيمة 500 درهم عن استيراد رؤوس الأغنام في عيد الأضحى. وقد بلغ ما خسرته خزينة الدولة مقابل هذه الامتيازات أزيد من 13 مليار درهم، وهو رقم ضخم جدا استفاد منه بعض المستوردين القلائل.
لكن كل ذلك لم يكن له أي أثر إيجابي على المواطن الذي يظل وحيدا يكتوي بنيران الأسعار، إذ تضاعفت كلفة “القفة” حوالي ثلاث مرات، وعدد كبير من الأسر تدهور مستوى معيشتها، ومعظم الأسر فقدت مدخراتها أو تلجأ إلى القروض، سيما في ظل الارتفاع غير المسبوق للبطالة بسبب ضعف الاستثمار.
هذا، دون أن ننسى أن مخطط المغرب الأخضر، أو الجيل الأخضر حاليا، هذا هو الوقت الذي كان يجب أن يظهر فيه مفعوله، أي وقت الجفاف والأزمة. فما الجدوى من مخطط فلاحي إذا كان أثره ينحصر فقط في حال السنوات الممطرة؟

مراقبة التحفيزات العمومية

كم إجمالي الأموال التي صرفت؟ وهل التمستم فتح تحقيق بالنظر لعدم تخفيض الأسعار؟

> دعم استيراد الأبقار والأغنام وحده كلف إلى حدود أكتوبر 2024 حوالي 13 مليار درهم، كما قلت لك، وهذا حسب معطيات وثائق قانون مالية 2025 الذي أقر تحفيزات، وإعفاءات أخرى لاستيراد اللحوم، ولا زلنا ننتظر انخفاض الأسعار دون جدوى.
واجب الحكومة أولا هو الاهتمام بإنعاش القطيع الوطني لتحقيق السيادة الغذائية من اللحوم. وواجبها الثاني هو تحقيق الأمن الغذائي من هذه المادة من خلال تأمين الاستيراد بالكميات والأسعار الملائمة. وواجبها الثالث هو مراقبة التحفيزات العمومية الممنوحة من أموال دافعي الضرائب لتجنب التلاعب بها أو استغلالها أو جعلها في خدمة حفنة من المستوردين الجشعين دون أي وقع إيجابي على المواطن.
من جهتنا، سنواصل إثارة هذا الموضوع في البرلمان وخارجه، لإثارة الانتباه، وسعيا نحو الحكامة الجيدة، وترشيد النفقات العمومية، ونحو التخفيف من وطأة الغلاء على المواطن. ووسائلنا الرقابية والتشريعية في ذلك معروفة، ونحن نستعملها وفق ما يتيحه لنا الدستور والنظام الداخلي لمجلس النواب، انطلاقا من موقعنا معارضة وطنية بناءة ومسؤولة، والبقية على الحكومة، والرأي العام هو الشاهد والحكم. دون أن نغفل دور الإعلام الوطني الحر والمسؤول في إثارة قضايا محورية.
في هذا الصدد، طرحنا عشرات الأسئلة الرقابية، وأصدر حزبنا عشرات البيانات والتقارير، وقدم فريقنا مقترحي قانون لهما علاقة بالموضوع، لكن الحكومة ترفض إلى حد الآن حتى مجرد مناقشتهما، ويتعلق الأول بإحداث الوكالة الوطنية لتوزيع المنتجات الغذائية، والثاني يرتبط بتغيير وتتميم القانون المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة لإقرار إلزام الحكومة بتسقيف أسعار المواد والخدمات المستفيدة من دعم مالي من قبل الدولة.

أحزاب الأغلبية تتسابق

ما هو رأيك في الصراع الذي احتدم، أخيرا، بين مكونات الأغلبية؟ ومن سيقود حكومة 2026؟

> من حيث مبدأ التنافس السياسي والحزبي، أجد أنه من الطبيعي أن يطمح أي حزب إلى تصدر المشهد الانتخابي، وهذه القاعدة تنطبق طبعا على أحزاب، الأحرار، و”البام” والاستقلال التي تشكل الأغلبية الحالية، كما تنطبق القاعدة نفسها على الأحزاب الموجودة اليوم في المعارضة.
وما هو غير طبيعي نهائيا هو أن يكون التسابق الانتخابي لأحزاب الأغلبية على حساب خدمة الصالح العام، وعلى حساب أجندة العمل الحكومي المؤسساتي، خاصة ونحن بعيدون زمنيا عن استحقاقات 2026.
والأخطر من هذا وذاك هو أن يتم توظيف مواقع وزارية وبرامج حكومية عمومية في هذا التنافس، الذي يجب أن يظل حزبيا وأن يتم بوسائل ذاتية وشريفة ونزيهة.
وعلى كل حال، فالتسابق الملحوظ حاليا بين أحزاب الأغلبية الحالية يكشف هشاشة الادعاء بانسجام الأغلبية. وستظهر لنا على الملأ الأسابيع والشهور المقبلة حجم الشروخ والصراعات المحتدمة، والتي لا يمكن لبلاغات وتصريحات المجاملة أن تخفيها.

عيب أن يغيب الوزراء عن البرلمان

تنتقدون مرارا تغيب وزراء عن جلسات البرلمان ما الحل لجعلهم يحضرون، هل بتلاوة أسمائهم وفرض غرامات عليهم؟

> نحن نتحدث عن بلد عريق اسمه المغرب، وعن تجربة ديمقراطية متفردة في محيطها الإقليمي، وعن مغرب يتطلع ويطمح إلى أن يكون في رتبة الريادة العالمية على أكثر من مستوى. وبالتالي من العيب والعار أن نجد وزراء يتملصون، من غير مبرر مقنع، من المثول أمام البرلمان للخضوع إلى المراقبة أو لمناقشة مبادرات تشريعية لممثلي الأمة المغربية.
فاحترام الحكومة للبرلمان، هو احترام لإرادة الشعب، وهو مستلزم دستوري ومتطلب ديمقراطي ومؤسساتي. ومن غير المقبول أن نظل نناقش هذا الأمر البديهي، في ظل دستور المملكة المغربية، الذي أقر مبدأ التعاون والتكامل بين المؤسستين التشريعية والتنفيذية، كما أقر مبدأ ربط المسؤولية بالمساءلة.
هذه الحكومة، و من خلال غياب عدد من وزرائها عن البرلمان، ومن خلال حضور بعضهم المزاجي توقيتا وموضوعا، فإنها تخرق نص الدستور ومنطوقه وروحه. ونحن معارضة طالما نبهنا إلى هذه المعضلة المسيئة إلى تجربتنا الديمقراطية.
أما بالنسبة لمسألة إمكانية فرض غرامات أو تلاوة أسماء الوزراء المتغيبين، فإن مجرد الاضطرار إلى طرح هذه السيناريوهات، من قبلنا أو من قبل أي كان، بمثابة إقرار لمدى إساءة لمسارنا الديمقراطي والمؤسساتي، إساءة تزيد من توسيع الهوة بين المغاربة وبين الشأن العام والفضاء السياسي والمؤسساتي. ولذلك نقول، عن حق ودون أدنى مبالغة، إن هذه الحكومة هي أضعف حكومة في تاريخ المغرب المستقل.

استعمال المال الفاسد يهدد الديمقراطية

مما لا شك فيه أن بلادنا قطعت أشواطا مهمة جدا في توفير البيئة القانونية والسياسية للانتخابات، وراكمت مكتسبات مهمة على مستوى تنظيم الانتخابات من الناحية اللوجستيكية والتدبيرية.
إلى جانب ذلك، برزت بشكل كبير، كما هو الشأن بالنسبة لاستحقاقات 2021، أعطاب ومعضلات خطيرة جدا تهدد مسارنا الديمقراطي برمته، من حيث الاستعمال الواسع للأموال، والاعتماد على مفسدين، ما أدى إلى تدني مستوى أداء المؤسسات المنتخبة على العموم، بما شكل للأسف مبررا لمناهضي تعميق الديمقراطية، لأجل ترويج خطاب غير معقول، مفاده أنه لا جدوى من الأحزاب ومن السياسة ومن الهيآت المنتخبة، وأن البديل هو التدبير التقنوقراطي المحض. إن هذا الخطاب كما لو أن طبيبا عوض أن يعالج مريضا فإنه يطلق النار عليه.
هذا الواقع الانتخابي الموبوء، الذي أدى إلى تفاقم العزوف عن المشاركة السياسية والانتخابية المباشرة، يستلزم الإصلاح والتخليق. ومن مداخل ذلك منع المتابعين والمشتبه في فسادهم من الترشح للانتخابات، وامتناع كل الأحزاب، عبر ميثاق ملزم، عن ترشيح هؤلاء. وهذا يتطلب شجاعة سياسية جماعية. كما يتطلب الوضع الضرب بيد من حديد على كل المترشحين، الذين يستعملون المال بشكل غير مشروع في شراء الذمم وفي تلويث صورة البلاد بهذه الممارسات، التي لا تليق بمغربنا العزيز وبمكانته العالمية.

لا بد من تجويد القوانين الانتخابية

المنظومة القانونية مهما كانت جيدة، في اعتقادي، ليست وحدها الحل، لأن الإشكال الأعظم يكمن في الممارسة. لكن مع ذلك، من شأن تجويد الإطار القانوني والتنظيمي أن يقلص من اتساع نطاق الرداءة والفساد في مؤسساتنا المنتخبة، وأن يوفر شروط تشجع أنظف وأنزه وأكفأ طاقات مجتمعنا على التصويت وعلى الترشح. وهذه مسؤولية الدولة والأحزاب والمواطن. وهي مهمة صعبة لكنها ليست مستحيلة، وتتطلب كثيرا من الجرأة والصرامة والإصرار.
حزبنا يشتغل قبل كل انتخابات على بلورة وتقديم مقترحات لتجويد المنظومة القانونية للانتخابات. وقد بدأنا التفكير في هذا الأمر، وسنتخذ قريبا مبادرات تشاركية واستشارية بهذا الصدد. وشخصيا أعتقد أنه من اللازم إعادة فتح النقاش حول أنجع الطرق لضمان نظافة الانتخابات ولتوفير الظروف المؤدية لإفراز هيآت منتخبة، قوية وكفؤة ونزيهة.

 

أجرى الحوار: أحمد الأرقام