الصديقي: الحكومة وضعت النموذج التنموي الجديد في الثلاجة وجمدت اللاتركيز الإداري

حوار مع جريدة الصباح

قال عبد السلام الصديقي، الأستاذ والخبير الاقتصادي، إن احتجاجات ومسيرات سكان المناطق النائية لم تكن لتستمر لو أن الحكومات المختلفة قامت بواجبها من خلال تنفيذ وعودها الانتخابية وبرامجها الخاصة.
وأكد الصديقي، في حوار مع “الصباح”، أن الإشكال يكمن في أن برنامج محو الفوارق المجالية لم يحقق كل أهدافه في التفاعل مع انتظارات المواطنين، في وجود صناديق خاصة، وأن اللاتركيز الإداري لم يطبق بالشكل الذي يخدم مصالح بسطاء المغرب. وأضاف أن تغيير القوانين والتحويلات الجبائية، لم ينفع بعض الجماعات القروية والجبلية لضعف مواردها، وأن سوء تدبير بعض المجالس حال دون تطويرها، وأنه حان الوقت لتعميم التنمية على جميع مناطق المغرب وتوزيع عادل للثروات. وفي ما يلي نص الحوار:

أجرى الحوار: أحمد الأرقام

< المسيرة التي نظمها سكان جماعة أيت بوكماز، أخيرا، تجاه عمالة أزيلال تثير قلقنا بجدية وتطرح تساؤلات على ضمير الحكومات المختلفة التي تعاقبت على الحكم خلال السنوات الأخيرة. ويجب في البداية الإشادة بالشجاعة الوطنية لهؤلاء السكان الذين ساروا لساعات طويلة تحت حرارة خانقة، والإشادة بعزمهم على تقديم مطالبهم المشروعة إلى السلطة التي تمثل الدولة، بعد أن قاموا بجميع الإجراءات محليا، دون أن يحققوا نتائج ملموسة.
قام هؤلاء المتظاهرون من جميع الأعمار بتدوين درس في الوطنية في سجل الأمة. درس يجب تعليمه للشباب والأجيال المقبلة.

< الإجابة بسيطة، في نظري، إنه إقليم يقع في الجبال، ويعتبر من أفقر المناطق في المملكة، كما يشكل مختبرا لمكافحة الفقر والتهميش.
وللتذكير، لقد وقع اختيار هذا الإقليم لتجريب نظام “راميد”، قبل تعميمه على جميع أنحاء البلاد.
أعود إلى المسيرة، والإشادة بطابعها السلمي، إذ جرت دون تسجيل حوادث تذكر، لأن المشاركين مواطنون منضبطون لا يحتاجون إلى تأطير.
مواطنون ناضجون يعرفون تماما ما يطلبونه، شروطا دنيا لحياة كريمة، احتياجات أساسية وأولية، لحياة إنسانية في القرن الواحد والعشرين.
ولم نكن لنصل إلى هذا، لو أن الحكومات المتعاقبة قامت بواجبها خلال تنفيذ وعودها الانتخابية وبرامجها الخاصة.
الحكومة الحالية تتحمل أكثر من سابقاتها مسؤولية هذا الفشل لسبب بسيط أنها وضعت في برنامجها الحد من الفقر والفوارق الجهوية.

< بالطبع. لقد أنشأنا لهذا الغرض صناديق عديدة بمبالغ كبيرة وأطلقنا سياسات عدة لصالح المناطق الريفية والجبلية.
لنتحدث فقط عن صندوق التنمية القروية والمناطق الجبلية. هذا الصندوق الذي أسس في 1994 لم يبدأ فعليا إلا في 2017 بعد تزويده بـ 50 مليار درهم. هذا الصندوق يدبره وزير الفلاحة، دون العودة إلى الأحداث والجدالات التي رافقت إنشاءه وإدارة هذا الصندوق. ومن الضروري أن نلاحظ أن النتائج المحققة على الأرض ليست مقنعة، ولم يحدث أي تقييم حسب علمنا، وهذا أمر غير طبيعي.
البرلمان، الذي من بين صلاحياته تقييم السياسات العامة، لم يقم بعمله. ومع ذلك، حتى لو أراد القيام بذلك، هل يمتلك الكفاءات والمعرفة اللازمة في هذا المجال؟ هذه مسألة أخرى.
كما أنه من الضروري التأكيد على الدور السلبي الذي لعبه كل من مخطط المغرب الأخضر ومخطط الجيل الأخضر على الفلاحين الصغار والمتوسطين.
هذا المخطط، كما قيل مرارا وتكرارا، أعطى الأولوية للزراعة الكبرى التي تهم بضع مئات من كبار المزارعين على حساب الفلاحة التضامنية.
بشكل عام، استفاد القطاع التصديري الذي استنزف مواردنا المائية من 80 في المائة من الاستثمار العام. من ناحية أخرى، فإن الفلاحة التضامنية التي تهم الأغلبية العظمى من سكان الأرياف وتزود السوق المحلية بالسلع الغذائية لم تستقطب سوى 20 في المائة من استثمار الدولة. هذا غير عادل إطلاقا !

< في الواقع، اعتمد المغرب سياسة اللامركزية واللاتركير الإداري. وهكذا تستفيد 12 جهة من تحويل جزء من ضريبة الشركات والضريبة على الدخل. هذه الحصة انتقلت تدريجيا من 1 في المائة إلى 5. وتساهم هذه الجهات في تمويل صندوق التنمية القروية المذكور بنسبة 40 في المائة. وبالمثل، تستفيد الجماعات من تحويل 30 في المائة من الضريبة على القيمة المضافة، التي سترتفع في 2025 إلى 32 في المائة.
ومع ذلك، بالنسبة إلى الجماعات القروية فإنها لا تمتلك تقريبا أي موارد خاصة باستثناء حصتها من ضريبة القيمة المضافة، والتي يخصص جزء كبير منها للتسيير. في النهاية، فإن هذه الوحدات الترابية، خاصة تلك الواقعة في المناطق الجبلية، مازالت محسوبة على الدولة. بالطبع، تجب الإشارة، أيضا، إلى سوء تدبير هذه الجماعات من قبل بعض المنتخبين بلا ضمير. لحسن الحظ، هم ليسوا أغلبية.

< أعتقد أنه لا ينبغي التعميم. إن أي تحليل موضوعي يفترض أن نتعامل مع كل حالة على حدة. في كل مجموعة، هناك الطيبون والأشرار. نجد أشخاصا صادقين وأشخاصا غير صادقين. بالتأكيد، هناك علاقات المحسوبية، لكن بموضوعية، هذه ليست القاعدة.
يجب التنويه ببعض رؤساء الجماعات، بغض النظر عن توجهاتهم السياسية، الذين يقاتلون ويقدمون أفضل ما لديهم ليكونوا في مستوى انتظارات المواطنين.
في الوقت نفسه، تجب إدانة بشدة ممارسات بعض المنتخبين الذين يسيئون استخدام مناصبهم ويستغلون (المال العام) بدلا من خدمة المواطن.

< بالضبط، يعرف المغرب تفاوتات ترابية خطيرة بارزة للعيان. لدينا خريطة وطنية للفقر وتوزيع الثروات بين الجهات والجماعات وبين الفئات الاجتماعية. الحلول موجودة، لكن نحتاج فقط إلى الإرادة السياسية للمرور إلى العمل. ومع الحكومة الحالية، لا يمكننا أن ننتظر المعجزات. إنها مشغولة جدا بمصالحها الخاصة، ومصالح الطبقات المحظوظة. يجب الاعتراف بأن جلالة الملك قد دق ناقوس الخطر، معتبرا أن نموذج التنمية الحالي قد بلغ حدوده.
اليوم، لدينا نموذج جديد للتنمية يحدد اتجاه 2035 ويضع سلسلة من الأهداف التي يجب تحقيقها مع الوسائل اللازمة لتعبئتها. للأسف، الحكومة وضعت هذا النموذج التنموي في حالة سبات. يجب الإعداد للتغيير على جميع الأصعدة بدءا من تعزيز المسلسل الديمقراطي لضمان تمثيل أفضل، وتمكين القوى الحية، والأشخاص الشرفاء من الوصول إلى مراكز المسؤولية على المستوى المحلي والإقليمي والوطني.
لقد حان الوقت لسد الطريق أمام قوى المال القذر، وتطهير الساحة السياسية لمصالحة المواطن مع السياسة. ولا تنمية دون أن تستفيد جميع فئات المجتمع من ثمار النمو.
للقيام بذلك، يجب وضع السياسات العامة على الطاولة وإجراء تنظيف حقيقي. اللامركزية واللاتركيز ليسا مجرد كلمات فارغة. يجب أن تترجما إلى أفعال ملموسة.
في قلب هذا التحول، هناك السياسة الضريبية التي يجب أن تلعب دورها في إعادة التوزيع.
العالم القروي، خاصة المناطق الجبلية، يستحق المزيد من الاهتمام ويتطلب الكثير من الموارد. وهو ما يفرض استغلال الإمكانيات التي يمتلكها. ويتعلق الأمر بشكل أكثر تحديدا بتطوير السياحة المستدامة، وتعزيز المنتجات المحلية، وتطوير الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، خاصة الحرف اليدوية. السكان الريفيون لا يحتاجون إلى المساعدات، بل إلى ظروف ملائمة لإبراز مهاراتهم وقدراتهم الإبداعية.

في سطور:
– من مواليد 1951 بتازة.
– حاصل على الإجازة في العلوم الاقتصادية بكلية الرباط في 1975.
– حاصل على دكتوراه السلك الثالث من جامعة غرونوبل بفرنسا في 1979.
– حاصل على دكتوراه الدولة في الاقتصاد في 1988.
– عضو المكتب السياسي للتقدم والاشتراكية.
– وزير أسبق للتشغيل والشؤون الاجتماعية.

 

Loader Loading...
EAD Logo Taking too long?
Reload Reload document
| Open Open in new tab

Download