
عقد مجلس المستشارين يوم الثلاثاء 17 يونيو 20014 جلسته الشهريه المخصصه لمساءله رئيس الحكومه حول السياسات العموميه وكان احد محوريه ” تدبير الحكومة لمجال الماء والطاقه”، وتدخل خلال هذه الجلسه الاستاذ عبد اللطيف اعمو عضو فريق التحالف الاشتراكي ( حزب التقدم والاشتراكيه ) مداخله باسم الفريق في مناقشه هذا المحورتضمنت ملخصا لمداخله لم يتمكن من تقديمها اعتبارا للوقت المحدود المخصص له، ونظرا لاهميه المداخله في صيغتها الكامله بخصوص هذا الموضوع الحيوي ننشرها كامله كما اعدت:
إن الموارد المائية من أهم دعائم التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتعتبر عنصرا أساسيا لتحقيق الاستقرار والسلم الاجتماعي.
وقد كرس الدستور المغربي لسنة 2011 في مادته 31 الحق في بيئة سليمة والحق في الوصول إلى الماء وتحقيق التنمية المستدامة، مؤكدا الحرص على حماية الموارد وضمان استمرارية ثرواتنا الطبيعية، وواضعا الماء في قلب رهان الاستدامة في إطار حكامة فعلية مبنية على المشاركة والإنصاف والمساواة والإطار القانوني الملائم .
كما أحدث قانون الماء (10-95) تغييرا جذريا في هذا القطاع، سواء على مستوى السياسة المجالية للدولة أو بالنسبة للاعتراف بالقيمة الاجتماعية والاقتصادية والبيئية للماء.
وأقر قانون 10-95 بأن الماء “ملك عمومي لا يمكن خوصصته”، وأصر على ضرورة ضمان حماية الجودة والتدبير المندمج لهذا المورد الحيوي. وتم اختيار الأحواض المائية كمرجعية ترابية للتدبير عبر وكالات لا مركزية، كما سن قانون الماء مبدأ التضامن بين المستفيدين وبين القطاعات والجهات واعتمد المقاربة التشاركية في تدبير الموارد المائية.
كما أوصت منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية OCDE في برنامجها المرتبط بالحكامة المائية بترشيد مجال تمويل الخدمات وضبط مساهمة القطاع الخاص. لكن تنفيذ برامج الحكامة المائية صعب بسبب تجزئ المسؤوليات وضعف تخصص الفاعلين المحليين في هذا المجال.
و يطرح تدبير الموارد المائية والتحكم فيها تحديات كبرى وهامة:
على مستوى الحكامة
أقر قانون الماء مبدأ التصميم المديري المندمج للموارد المائية مع اعتماد مبدأ تقنين ومراقبة ثمن الماء والتدبير المعقلن للماء في المجال الفلاحي واقتصاده وإسناد مسؤولية اختيار كيفية التسيير للجماعات المحلية، مع تمكين كافة المتدخلين من المشاركة في اتخاذ القرار من خلال وكالات الأحواض المائية. لكن عقلنة وترشيد الموارد في حاجة إلى تنفيذ برامج للحكامة المائية.
الانتقال من تصرفات التبذير إلى سياسة التدبير العقلاني للموارد
عبر اعتماد اقتصاد الندرة
- عقلنة وترشيد الموارد:
أ-استنزاف الفرشة المائية:
لقد أضحى الخصاص في الموارد المائية مقلقا، ويضعنا أمام مسؤولية إعادة النظر في نظم الحكامة وفي طرق الاستثمار وتدبير الخصاص.
ودون الانخراط في خطاب التهويل، لا بد من الإقرار بأن لدينا مشكلا حقيقيا: أن الحصة السنوية للفرد من الماء في المغرب تعرف انخفاضا مقلقا.
ففي سنة 1961 كان لكل مغربي الحق في 2500 متر مكعب من الماء،
واليوم: يحق لكل مغربي في 700 متر مكعب، (والحد الأدنى المقبول هو 500 متر مكعب في أفق سنة 2020)
وفي أفق 2050 سيكون لكل مغربي الحق في 350 متر مكعب فقط.
ولتجاوز هذا الخصاص المعلن، يتعين علينا تنمية الطلب على الماء اعتمادا على الاقتصاد في استعمال الموارد بتوفير 2.5 مليار في حدود 2030
مما يستدعي اعتماد حكامة في طرق التدبير المندمج للموارد المائية في المغرب باعتبارها رافعة للتنمية المستدامة.
كما أن مشكل استنزاف الفرشة المائية قائم بحدة. ويعتبر تردي وضعية الفرشة المائية إحدى الاشكاليات المرتبطة بالحكامة في استغلال الموارد المائية .
فالفرشة المائية هي رصيدنا الجوفي الاستراتيجي والحيوي المؤمن ل 90 % من المياه الصالحة للشرب، والمساهم في تنمية المساحات المسقية بنسبة 40 %.
ويقدر الحجم القابل للتجديد بنسبة 3.4 مليار متر مكعب، فيما الحجم المستغل من المياه الجوفية يصل إلى 4.3 مليار متر مكعب. أي أننا اليوم نتطاول بدون إذن ودون أي وجه حق على ما قدره مليار متر مكعب، والتي هي من حق الأجيال القادمة. ونتطاول في ذات الوقت على مبدأي التضامن بين الأجيال والاستدامة، والتي يؤكد عليها الفصل 31 من الدستور.
لقد فقدت فرشة سايس 64 متر في ظرف 25 سنة، فيما تقلصت فرشة سوس بنسبة 34 متر في ظرف 35 سنة. ونرى أنه من الواجب إرسال نظام حكامة لتدبير مستدام للفرشة المائية. فأين نحن اليوم من عقدة الفرشة ؟
ب-إعادة استعمال المياه العادمة :
إن سدودنا هي نعمة يجب الافتخار بها. ومن نجاحات السياسة المائية المغربية ربح 135 سدا كبيرا بطاقة استيعابية قد تصل إلى ما يفوق 20 مليار متر مكعب من الماء. وسياسة السدود مكنت من تجاوز 1.5 مليون هكتار من المساحات المسقية، ومكنت من تزويد المدن بالماء الصالح للشرب بنسبة تقارب 100 % وبتزويد البوادي بنسبة تفوق 90 % .
والسدود توفر كميات هائلة من المياه … لكن يجب استعمال وتوظيف هذا المورد الحيوي الاستراتيجي بحكمة ورزانة وتعقل.
فالحاجة اليوم مختلفة عن وظيفة الخزن التي من أجلها شيدت السدود أصلا. وعلى السدود أن تصبح مصدرا من بين مصادر التزود بالماء، وعلينا التركيز اليوم على مصادر أخرى واعدة… كإعادة استعمال المياه العادمة وتحلية مياه البحر… إلخ
فنحن اليوم متأخرون في مجال إعادة استعمال المياه العادمة وتقنيات تحلية مياه البحر واعدة رغم كلفتها الباهضة حاليا (من 10 إلى 15 درهما للمتر المكعب مقابل حوالي 2.5 دراهم للمتر المكعب بالطرق التقليدية، مع العلم أن بعض الدول الرائدة استطاعت خفض الكلفة إلى ما يقارب 6 دراهم للمتر المكعب ! ).
إن لدينا 500 مليون متر مكعب من المياه العادمة، لكن لا يعاد استعمال إلا ما يناهز 34% فقط منها. وقطاع المعالجة يعاني من فراغ مؤسساتي ومن ضعف الحكامة (فمبدأ “الملوث المؤدي” غير مفعل، ومبدأ “شرطة الماء” غير مفعل كذلك…)
ونحن نراهن اليوم على تعبئة 300 مليون متر مكعب في أفق 2030 باعتماد المعالجة الثلاثية، مع العمل على تحيين قانون الماء. لكن إشكاليات الحكامة قائمة، وبحدة.
- الحكامة المؤسساتية:
إن صعوبة تنفيذ برامج الحكامة المائية تتمثل في تجزئ المسؤوليات وضعف تخصص الفاعلين المحليين في هذا المجال:
فكثرة المتدخلين وتداخل الاختصاصات من مميزات قطاع الماء، حيث تتداخل اختصاصات 10 قطاعات معنية بالسياسة المائية. (الوزارة المنتدبة المكلفة بالماء، وزارة الفلاحة، وزارة التجهيز، المياه والغابات،…) مما يقتضي الالتقائية في التخطيط والاندماج في الاستغلال. ونحتاج إلى جهاز للضبط والرقابة والحكامة على شكل لجنة بين وزارية تتم مأسسة صلاحياتها الرقابية وفي مجال الوساطة.
- تحقيق التكافئ المائي بين الجهات : عبر الانتباه أساسا إلى ما تعرفه المناطق الجبلية والأرياف من تدهور:
إن ما ننعم به من مياه وما نختزنه من موارد في أزيد من 135 سدا كبيرا هو هبة من جبال الأطلس والريف… وهذا نتجاهله في غالب الأحيان.
فالمناطق الجبلية تمثل ربع المساحة الاجمالية وتأوي ثلث سكان المغرب، وتحتوي على أزيد من ثلاثة ملايين من الهكتارات القابلة للرعي والزراعة، وتغطيها غابات تمتد على 3.6 مليون هكتار . وهي المصدر الأساس للثروة المائية، حيث تنطلق منها 45 مجرى مائيا وبها 26 بحيرة.
ومناطقنا الجبلية تعيش أوضاعا قاسية، تتمثل في تدهور الموارد الطبيعية وتعرضها للتلوث والإتلاف جراء الاستغلال المفرط للمقالع وتلويث الموارد المائية السطحية والفرشة المائية على حد سواء. كما أن المناطق الجبلية والقروية تعيش هجرة إيكولوجية تساهم في تأجيج الهجرة نحو المدن.
إن التفريط في المناطق الجبلية وتركها عرضة للتهميش هو تفريط في أصل الحياة. وهذا ما سعى فريقنا إلى التنبيه له منذ سنة 2009 بدعوته إلى “إحداث مجلس وطني للمناطق الجبلية”
كما يتأكد يوما عن يوم بأن الزحف السنوي المهول للتصحر على الواحات وعلى المنظومات الإيكولوجية الهشة وعلى المناطق التي كانت إلى أمد قريب تعتبر مناطق رطبة، أصبح ملموسا، ومؤثرا على تدبير الموارد المائية في ظل تقلبات مناخية قصوى. مما يستدعي الاهتمام بتوقعات الطلب على الماء في علاقته بوتيرة النمو الديمغرافي وبوتيرة التمدن والرفاهية ومضاعفة جهد التصنيع والاتجاه نحو تطوير قطاع السياحة، بجانب النمو الذي تعرفه الأرياف وحاجتها إلى التزود بالماء الشروب.