النائب رشيد حموني رئيس فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب، يقدم قراءة سياسية تقييمية بخصوص حصيلة السنة الانتدابية، التشريعية والحكومية، 2024- 2025
ذ. رشيد حموني، رئيس فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب
الرباط، في يوليوز 2025
ورقة سياسية تقييمية بخصوص
حصيلة السنة الانتدابية، التشريعية والحكومية، 2024- 2025
انخراط الفريق في القضايا الوطنية الأساسية وفي التوجُّهات الملكية السامية
- القضية الوطنية الأولى: إجماع وطني، والتزام الفريق بالقيام بأدواره في إطار الديبلوماسية البرلمانية، لا سيما إزاء الهيئات السياسية ذات نفس المرجعية.
- ورش الحماية الاجتماعية الشاملة؛ السيادة الغذائية والطاقية والاقتصادية؛ الأمن المائي؛ إصلاح التعليم؛ إصلاح الصحة…. هي قضايا تحظى بعنايةٍ وتوجيهات ملكية سامية، ينخرط فيها الفريقُ بكل قوة. واختلافه مع الحكومة يَعود إلى طُرُق التفعيل والتنزيل. والفريق يدافع عن عدم تحريف التوجُّهات عن غاياتها الحقيقية والأصلية.
ممارسة الفريق للمعارضة بشكلٍ بناء وإيجابي
- بَرهن الفريقُ النيابي للتقدم والاشتراكية، بالملموس، على أنه يُمارسُ معارضَةً اقتراحية وبنَّاءة وإيجابية؛ حيثُ:
- واصلَ تقديم مقترحات قوانين، نوعية وبأفكار واضحة وهادفة، تهمُّ قضايا أساسية (مراقبة الأسعار وضبط سلاسل الإنتاج والتوريد؛ حماية الطفولة من مخاطر الرقمنة؛ تقوية الشراكة بين المجتمع المدني والجماعات الترابية؛ الارتقاء بالتمثيلية النسائية في المؤسسات المنتخبة؛ عدالة توزيع الإشهار العمومي؛ الحد من آفة التدخين؛ تحسين مدونة السير…)؛
- صادق الفريقُ بالإيجاب على عدد من مشاريع القوانين التي قَدَّرَ سياسياًّ أنها إيجابية. وتعلق الأمرُ، فضلاً عن مشاريع القوانين المصادق بموجبها على اتفاقيات دولية، بمشاريع تهمُّ الصحة؛ المحاكم المالية؛ التنظيم القضائي والنظام الأساسي للقُضاة؛ حماية التراث؛ جبايات الجماعات الترابية؛ التوظيف الجماعي للقيم المنقولة.
- كما صادق الفريقُ بالإيجاب مؤخراً على مشروع قانون يتعلق بإحداث مؤسسة المغرب 2030، كآلية مؤسساتية، معمول بما يماثلها في التجارب المقارنة، من شأنها ضمان فعالية والتقائية وتنسيق التدخلات العمومية تحضيراً لتنظيم بلادنا لكأس العالم 2030.
- رغم أنه غير ملزم سياسيا بالتركيز على الإيجابيات كما هو الشأن بالنسبة للأغلبية، إلاَّ أن الفريقَ النيابي للتقدم والاشتراكية دَأَبَ، بالموازاة مع انتقاداته القوية والمسؤولة، على تسجيل إيجابيات العمل الحكومي، من قبيل: ارتفاع المداخيل الجبائية؛ انتعاش القطاع السياحي وعائدات السفر؛ التقدُّم في أنشطة صناعية كالسيارات وقِطع غيار الطائرات؛ تدبير ندرة الماء بارتباط مع مشاريع البنية التحتية المائية بعد أن توفرت لها الموارد المالية الكافية؛ مواصلة وإطلاق أوراش كبرى في البِنيات التحتية؛ المجهود المالي الكبير لأجرأة الزيادة في أجور الموظفين رغم أنها زيادات لا تغطي فوارق التضخم.
مواقف الفريق من أبرز النصوص التشريعية
- قانون مالية 2025 صوَّتنا عليها بالرفض، لأنه رغم إيجابياته القليلة، ورغم توجهاته المعلنة، فهو لا يستجيب للانتظارات، ولم تَقبل الحكومة، بشكلٍ ممنهج، عشرات تعديلات الفريق؛
- القانون التنظيمي المتعلق بالإضراب، صَوَّتْنا ضده، لأنه رغم بعض إيجابياته، فهو ظل على العموم نصاًّ تكبيلياًّ لحقٍّ دستوري وكوْني؛
- قانون إعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة، صوتنا ضده، واعتبرناه تراجعاً غير ديموقراطي وغير دستوري عن فلسفة التنظيم الذاتي والمستقل للحق الإعلامي الوطني؛
- قانون المسطرة الجنائية، صوتنا برفضه، رغم بعض إيجابياته، لأن الحكومة لم تتفاعل كفايةً مع 170 تعديلاً للفريق، ولا يزال النص فيه ثغرات، لا سيما على مستوى دور المجتمع المدني في تحريك دعاوى تتعلق بالمال العام، وعلى مستوى تحصين قرينة البراءة، وضمان كل شروط المحاكمة العادلة؛ وتوفير التوازن بين أطراف الدعوى القضائية؛
- مشروع قانون المسطرة المدنية، صوتنا ضده، بسبب تقييد الولوج إلى الحق في التقاضي، واختلالات التبليغ والتنفيذ، وهيمنة هواجس التقاضي بسوء نية الموجِب للتغريم.
إصلاحات وقرارات ونصوص منتظرة من الحكومة
- إصلاح أنظمة التقاعد: ملف اجتماعي أساسي، حيث أنه حسب القانون الإطار، وحسب تصريحات الحكومة، هذا الإصلاح يجب أن يخرج في 2025، لكن لا تصور، ولا توافُق، ولا رؤية، لحد الآن؛
- مدونة الأسرة؛ جلالة الملك دعا الحكومة إلى صياغة مشروع قانون مدونة الأسرة في آجال معقولة، بناءً على مُخرجات اللجنة المكلفة بتحضير الملف، وبعد التحكيمات الملكية السامية، لكن لا مشروع لحد الآن، ولا تَواصُل حكومي حول مقترحات التعديلات؛
- القانون الجنائي: ملف جد محوري، ومجتمعي، وهو أساس إصلاح منظومة العدالة، لكن لا جديد فيه، لحد الآن؛
- إصلاح المؤسسات والمقاولات العمومية: تخسر الميزانية العامة عشرات الملايير من الدراهم سنويا في علاقتها بميزانيات مكونات المحفظة العمومية، ولدينا قانون إطار منذ سنوات يؤطر هذا الإصلاح الذي لا يزال متعثراً وبطيء التفعيل.
التشريع بين الحكومة والبرلمان
- أسئلة حارقة مطروحة على التوازن والتكامل في ممارسة اختصاص التشريع؛
- هناك تحسُّن في تعامل مجلس النواب مع مقترحات القوانين، من حيثُ برمجتها وإخضاعها للمسطرة التشريعية؛
- لكن الحكومة تحتكر المبادرات التشريعية، حيثُ أنَّ ممثلي الأمة يحترمون مشاريع القوانين الحكومية، ويساهمون في مناقشتها والتصويت عليها.
- في حين، ليس هناك احترامٌ متبادل من الحكومة التي لا تَحضُرُ لمناقشة مقترحات القوانين، وأغلبيتُها في مجلس النواب ترفض بشكلٍ ممنهج مقترحات قوانين المعارضة، حتى وإنْ اتفقت مع مضمونها!! كما أن الأغلبية تسحبُ عدد مهم من مقترحاتها التشريعية.
تعامُل الحكومة مع الاختصاص الرقابي لممثلي الأمة
- سعى فريقنا النيابي، إلى جانب مكونات معارِضَة أخرى بمجلس النواب، نحو تشكيل لجنة لتقصي الحقائق، حول “قضية رأي عام” هي ما يُعرف إعلاميا ب”الفراقشية”. لكن الحكومة، من خلال أغلبيتها، عرقلت المبادرة ورفضت الانخراط فيها، وتلتفُّ حولها ب”مهمة استطلاعية” لا يمكن أن تصل إلى “الخواص” لمعرفة الحقيقة وللتحقق من الاختلالات. ولذلك اتخذ الفريقُ موقف عدم الانخراط في هذه المهمة الاستطلاعية والتشبث، في المقابل، بضرورة تشكيل لجنة لتقصي الحقائق؛
- رغم التحسُّن المسجل، لا زال عددٌ كبير من أسئلة البرلمانيين الموجهة للحكومة دون جواب، في خرقٍ للدستور؛
- عدد كبير من أجوبة الحكومة على أسئلة البرلمانيين تأتي متأخرة جدًّا زمنياًّ، وبمضامين عامة وفضفاضة، مع استثناءات إيجابية قليلة لبعض القطاعات؛
- حضور محدود من الحكومة إلى جلسات المساءلة الأسبوعية والشهرية، بما يشكل خرقاً للدستور، واستهتاراً بالأدوار التمثيلية للبرلمانيين وبالقضايا التي يطرحونها؛
- وهي نفس القضايا التي لا يتم التجاوب الحكومي معها إلا بعد الاحتجاج المباشر في المجتمع (حالة آيت بوكماز، وسابقاً أزمة كلية الطب، أزمة التعليم، نموذجاً)
- الحكومة لا تستجيبُ، بالوتيرة اللازمة، لطلبات عقد اجتماعات اللجان في شكلها الرقابي. أو تَحضُرُ بعد برمجة مواضيع متعددة ومتراكمة، بما يُفقِدُ المواضيع راهنية مناقشتها، وبما يُحوّل اجتماعات اللجان إلى ما يشبه جلسات الأسئلة.
تقييم مُوجز للمنجز الحكومي
- مرجعيات التقييم: بالنسبة للفريق، هي وثيقة البرنامج الحكومي بالتزاماته؛ والواقع المعاش؛ ثم تقارير المؤسسات الوطنية الرسمية.
- بعد أربع سنوات من الانتداب الحكومي الحالي، يسجل الفريق عجز الحكومة عن الوفاء بمعظم التزاماتها:
- على مستوى غلاء الأسعار: بفعل الغلاء المتواصل في أسعار معظم المواد الاستهلاكية والخدمات، تراجعت القدرة الشرائية لحواليْ 80% من الأسر المغربية، وأقل من 2% من الأسر لها القُدرة على الادخار. ورغم التحسُّن الطفيف في معدل التضخم إلاَّ أن الأسعار لم تعد إلى سابق عهدها؛
- إجراءات الدعم الحكومي: معظمها لم يكن له أثر، أو أن أثره محدود جدا ويذهب إلى فئة معينة، عوض عموم المواطنين، من قبيل: دعم أرباب النقل بنحو 8,6 مليار درهماً؛ والدعم المتواصل لحد الآن لمستوردي المواشي، ب 13 مليار درهماً فقط إلى حدود أكتوبر 2024؛
- على مستوى الحكامة الجيدة: تراجعت بلادُنا في مؤشرات إدراك الفساد ومكافحته، خلال السنوات الأخيرة، بسبب استمرار عدد من مظاهر الريع والاحتكار والمضاربات والتفاهمات غير المشروعة وتضارُب المصالح. ولم تُرجِع الحكومة مشاريع القوانين التي سحبتها من البرلمان في بداية ولايتها (الإثراء غير المشروع؛ المناجم؛ احتلال الِملك العمومي المؤقت)، وهي نصوص لها علاقة بمكافحة الريع والفساد (الفساد يكلِّف بلادَنا حواليْ 50 مليار درهماً في السنة)؛
- على مستوى التعليم: تجربة مدارس الريادة فيها مخاطر تكريس الفوارق في التعليم؛ وليس هناك أهم إصلاح، وهو إصلاح المناهج والبرامج، والنهوض الحقيقي بالمدرسة العمومية؛
- التغطية الصحية: فشل ورش التعميم، حيث 8.5 مواطن خارج التغطية الصحية؛ وما يناهز 80% من مرجوعات صناديق التغطية الصحية تعود إلى القطاع الصحي الخصوصي، على حساب المستشفى العمومي الذي يتعين أن يكون هو عماد المنظومة الصحية؛ ونحو 60% من نفقات العلاج يؤديها المواطن؛ واستمرار الغلاء الكبير للأدوية، مع الاعتماد أكثر على استيرادها.
- الدعم الاجتماعي المباشر: الاعتماد على عتبات إقصائية؛ توقيف الدعم على آلاف الأسر؛ حذف برامج اجتماعية سابقة؛ عدم الوفاء بمدخول الكرامة للمسنين؛ وعدم إعطاء الحكومة أي تصور حول طريقة إدماج ملايين المستفيدين من الدعم المباشر في عجلة النشاط الاقتصادي والاجتماعي.
- الفقر والهشاشة والتفاوتات المجالية: رغم التحسُّن النسبي لمعدلات التضخم، لا يزال الغلاءُ فاحشاً؛ و2.5 مليون مواطِن في وضعية فقر، و3 مليون في وضعية هشاشة، مع انزلاق 3.2 مليون مواطن نحو الفقر أو الهشاشة؛ وثلاثة أرباع الفقراء متواجدون في العالم القروي؛ و60% من الثروة الوطنية تتركَّز في 3 جهات؛
- المسألة الاقتصادية والتشغيل: رغم التحسُّن النسبي لمعدل النمو في 2025، والتراجع الطفيف في نسبة البطالة، أساساً بفعل الأمطار وتحسُّ الأسعار في الأسواق العالمية، ورغم ميثاق الاستثمار الجديد، فإن الحكومة بعيدة عن تحقيق التزامها بتوفير مليون منصب شغل، وتقترب نسبة البطالة لدى الشباب من 40%، ولا يزال الاستثمار العمومي والخصوصي غير متكافئ التوزيع مجاليا، كما أن معدل النمو في الثلاث سنوات الأخيرة لا يتجاوز 2.6%.
- المسألة الديموقراطية والثقة: بسبب الضُّعف السياسي للحكومة، وعدم تفاعلها الاستباقي مع المشاكل الاجتماعية، وعدم اعتمادها على التجاوب اللازم مع القنوات المؤسساتية والوسائط المجتمعية، هناك مزيدٌ من تعمُّق ظاهرة عزوف الشباب؛ واحتدام مؤشرات الاحتقان؛ والفراغ السياسي الذي من مظاهره ضُعف النقاش العمومي.
العمل المشترك لمكونات المعارضة
- على الرغم من أن مكونات المعارضة تتباين مرجعياتها أو خطوطها السياسية، وأنها ليست ملزمة بالتنسيق كما هو حال الأغلبية المطوَّقَة ببرنامج حكومي وبميثاق للأغلبية؛ فإن مكونات المعارضة، في معظم الأحيان، تُـــنسِّــــقُ تصويتاتها بمجلس النواب؛
- للأسف، فشلت “المعارضات” في مبادرة تقديم ملتمس للرقابة، على الأقل لفتح نقاش عمومي ومؤسساتي، وذلك رغم تنازلات فريقنا النيابي ومجهوداته المضنية من أجل تقريب وجهات النظر. والجميع يعلم المكوِّن الذي أقبر المبادرة بشكلٍ رسمي في وقتٍ كانت تسيرُ فيه الأمور نحو الاتفاق على الإجراءات والحيثيات.