رفض محمد نبيل بنعبد الله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، ربط بقاء حزبه في الحكومة لمدة عشرين سنة بالبقاء في المقاعد الوزارية، مرجعا ذلك إلى رغبة تنظيمه السياسي في “التأثير عِوَض الارتكان، وإصدار البلاغات دون تأثير على الواقع الملموس”.
وقال بنعبد الله، في هذا الجزء الأول من حواره مع هسبريس، إن “هذا لا يعني استعدادنا لمواصلة المساهمة في الحكومة بأي ثمن كان؛ لأنه إذا اتضح أنه ليس هناك أمل يمكن أن نتحمّل مسؤوليتنا ونتخذ القرارات التي نراها مناسبة”، مضيفا: “لكن طالما هناك بصيص لنقدم المسار الإصلاحي، لإعطاء نَفَسٍ ديمقراطي للحياة السياسية في بلدنا فإننا سنظل في الواجهة”.
وبخصوص الإعفاء الملكي وإن كان مؤشرا على تقاعد سياسي، أكد الأمين العام لحزب “الكتاب” بالقول: “هذا حزب له استقلالية في القرار السياسي له وهو ما جعلنا ندفع الثمن”، معتبرا أن نجاعة الطبقة السياسية ومصداقيتها وثقة المواطنين فيها مرتبطة باحتفاظها باستقلال قرار من خلال اختيار التحالفات؛ وهذه الأسس التي تنبني عليها الديمقراطية.
بنعبد الله لم يستبعد العودة إلى الترشح لقيادة الحزب لولاية ثالثة خلال المؤتمر الوطني لحزبه في ماي المقبل، بالقول: “مْنْ هْنا للْمؤتمر يْحَّنْ الله، لأن هذا غير مرتبط بقرار شخصي وذاتي، بل ينبثق من إرادة جماعية”، مضيفا أن “واحْدْ الراس يقول باراكا، من جهة أخرى أستمع للأصوات الموجودة في الحزب والأوضاع العامة في المغرب”.
إليكم الجزء الأول من الحوار:
على بُعد أسابيع من المؤتمر الوطني لحزب التقدم والاشتراكية، هل تنوون الترشح لولاية ثالثة؟
الموقع الذي يهمني الآن هو أنني أمين عام حزب التقدم والاشتراكية، ومن الواجب أن أذهب به إلى جانب قيادة الحزب بنجاح، في هذا المسار التحضيري الذي يسير بوتيرة متسارعة، وحتى لا أكون مراوغا في الجواب، هذا هو هاجسي اليوم؛ لكن مْنْ هْنا للْمؤتمر يْحَّنْ الله، لأن هذا غير مرتبط بقرار شخصي وذاتي.
كما أن مسألة من هذه الأهمية تنبثق من إرادة جماعية؛ لأننا تعلمنا في الحزب عدم إعطاء الأسبقية لرغبات المناضلين الشخصية عندما يتعلق الأمر بمستقبل الحزب، بقدر أن الحزب عليه الالتفاف حول الأشخاص الذين يمكن أن يكونوا قاطرة له، وأداة للتوليف والجمع بين الجميع.
وحتى أكون صريحا معكم أنا أتسأل كذلك عن هذا الأمر، فـ”واحْدْ الراس يقول باراكا”؛ لأنه وقعت العديد من الأمور وقدمت ما استطعت للحزب. من جهة أخرى، أستمع للأصوات الموجودة في الحزب والأوضاع السياسية العامة في المغرب، وأقول من هنا لتما يحن الله، خصوصا أن الترشيح يبقى مفتوحا إلى حدود 24 ساعة قبل افتتاح المؤتمر.
لكن بعد الإعفاء الملكي لكم على خلفية ملف الحسيمة، ألا يعد هذا نوعا من التقاعد السياسي لكم؟
هذا حزب له استقلالية في القرار السياسي، وهو ما جعلنا ندفع الثمن، وكل هذا النقاش يدور حول هذا الموضوع؛ لأننا حزب نعتبر أن نجاعة الطبقة السياسية ومصداقيتها وثقة المواطنين فيها مرتبطة باحتفاظها باستقلال القرار من خلال اختيار التحالفات المناسبة والمتوقع، لكون هذه الأسس التي تنبني عليها الديمقراطية.
أغتنم هذه المناسبة لأقول إنه لا يمكن أن يكون هناك نموذج تنموي قديم أو حديث، إذا لم تحمله قوى سياسية قوية متجذرة في المجتمع، وقادرة على تفسير ذلك للمواطنين وتحمل تبعات قراراتها السياسية في هذا المشروع التنموي.. لذلك تبقى الحاجة إلى أحزاب قوية أمرا ملحا في المغرب.
في المسار التحضيري للمؤتمر، ليس هناك تفاعلات تأتينا من الخارج إلى حد الآن.. وبالتالي، الكلام الذي يروج حول التقاعد السياسي لا أساس له؛ لأن الحزب متروك لتدبير شؤونه الداخلية، وليس هناك من يتدخل له في تحديد مستقبله..
ومن هنا، فهذا الكلام ربما يحاول البعض استغلاله، لذلك ليس هناك صلة بين ما تم على مستوى الحكومة وما يمكن أن يحصل على مستوى المؤتمر.
على ذكر المؤتمر، ألا تفكرون بعد 70 سنة من حياة الحزب أن تتم مراجعة مرجعيته؟
يمكن قول عكس ذلك، ونحن نتبنى مقولة “لي تلف يشد الأرض”؛ لأن أسباب وجود الحزب مرتبطة بهويته ومرجعيته، وليس مثلما يحاول البعض الترويج له أن الجميع متشابه وأنه لا وجود لأحزاب اليسار، أو اليمين أو أن هناك وسطا فقط، أي التأكيد على نهاية التاريخ ومعه الصراع وأن الأفكار والمشاريع المجتمعية لا تتصارع.
هذا كلام فارغ، بل الصراع ما زال قائما لأننا نحمل مشروعا مجتمعيا يتطلب الحفاظ على هوية الحزب، وفِي الظروف الحالية يجب أن نؤكد للمواطنين أننا حزب تقدمي واشتراكي، بنكهة اجتماعية وديمقراطية، ونسعى إلى انتقال ديمقراطي وعدالة اجتماعية حقيقية في المغرب، لإخراج المغاربة من الفرق والدفع نحو المساواة بين الفئات والجهات والرجل والمرأة، وهذا هو طابع الحزب الذي عليه الحفاظ عليه.
مبررات هذا لأنكم عايشتم على مدى 20 سنة أحزابا بمرجعيات مختلفة؟
ما يطرحه البعض هو أننا نعيش في بلد آخر وبمكونات سياسية غير التي في المغرب، لا يجب أن ننسى أننا نتفاعل مع الأحزاب الموجودة في المغرب والقوى المتوفرة، والتوازنات؛، لأن البعض يعيب علينا الاشتغال مع أحزاب متعددة بمرجعيات مختلفة.
وهذا أمر محسوم؛ لأننا في البداية شاركنا بقرار من الكتلة الديمقراطية، وهو ما جاء في الأطروحة من خلال التقييم، لأن الدخول منذ عشرين سنة كان بقرار جماعي بعدما أكدنا في الحزب من داخل الكتلة على ضرورة الدخول إلى الحكومة قبل هذا التاريخ، أي منذ مدّ لنا المرحوم الراحل الحسن الثاني اليد، طالبنا بتحمل مسؤولية التدبير الحكومي وهو ما جعلنا في خلاف مع باقي مكونات الكتلة.
دخلنا مع هذه الأحزاب؛ لكن لم تكن لنا الأغلبية.. لذلك، كان لا بد من تشكيل الحكومة مع الأحزاب التي كنّا نسميها آنذاك إدارية، وواصلنا مع إدريس جطو وعباس الفاسي..
وبعد عشرين فبراير والتقلبات التي شهدها المغرب، فاز حزب العدالة والتنمية، واعتبرنا آنذاك أننا مطالبون بالاستمرار في المشروع الاصلاحي الديمقراطي للمغرب، وكان بودنا أن يكون في الحكومة العدالة والتنمية والاستقلال والاتحاد، وبعض الأحزاب التي شاركنا معهم في التجارب السابقة.
هذا للأسف لم يتأت؛ لكن بعد ذلك نسمع حزبا لم يشارك في حكومة الأستاذ عبد الإله بنكيران (يقصد الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية) يقول إنه مرتاح للمشاركة في حكومة الأستاذ سعد الدين العُثماني؛ لأن الحريات والحقوق وحقوق المرأة لم تمس في الحكومة..
وأنا أقول إن هذه الحقوق لم تمس حتى في الحكومة السابقة، لذلك كان خطأ عدم المشاركة في حكومة بنكيران، ولو تمت هذه المشاركة المكثفة؛ لكنا في مستوى آخر من التحول الديمقراطي في بلادنا.
نعتبر أن المشاركة لا تعني فرض برنامجنا، لأننا لم نكن لوحدنا في الحكومة؛ ولكن المشاركة مكنت من الدفاع عن المكتسبات الديمقراطية، وبلورة بعض الإجراءات الاجتماعية، وإعطاء نكهة تسيير بعض القطاعات، من خلال التعليم والتشغيل والصحة والسكنى والماء، وهي كلها إسهامات لحزب التقدم والاشتراكية بقدر الإمكان.
ما تسمّيه إسهامات، البعض يرى أن هذا نوع من الشرعية لهذه الأحزاب، من أجل مقاعد وزارية؟
هناك هذه الإسهامات أم تنعزل عن الحياة السياسية، وتصبح في هامش الطبقة السياسية وغير قادر على التأثير، وأنا أستمع بنوع من الاستغراب للأطراف الراديكالية اليسارية، التي لا تتحدث عن يسار غيرها، أقول لهم الله يهديكم، فأن تكون لكم هده المواقف هذا شأنكم، وأن تختلفوا مع أحزاب أخرى يسارية هذا حقكم؛ لكن أذكركم أننا أول حزب يساري تأسس في المغرب.
وأقول إننا لم نتخل عن أطروحتنا وتلقينا ضربات بسببها؛ لكننا ما زلنا واقفون أحب من أحب وكره من كره، لكن الغريب هو أن أقرب المقربين إليك عِوَض مهاجمة مواقع القوى الحقيقية الموجودة يستهدفون التقدم والاشتراكية بدعوى، أنه ليس حزبا يساريا.
أقول لهم مع من تريدوننا أن نتحالف؛ لأنه لا يمكن أن أعزل نفسي حتى أتحول لنادي للنقاش دون تأثير حقيقي على المجتمع.. لذلك تحالفنا في إطار الكتلة، مع بعض الأحزاب الأخرى لنظل في المسار الإصلاحي ليس بهدف البقاء في المقاعد بل بهدف التأثير عِوَض الارتكان وإصدار البلاغات دون تأثير على الواقع الملموس؛
لكن هذا لا يعني استعدادنا لمواصلة المساهمة في الحكومة بأي ثمن كان، لأنه إذا اتضح أنه ليس هناك أمل يمكن أن نتحمّل مسؤوليتنا ونتخذ القرارات التي نراها مناسبة، لكن طالما هناك بصيص لنقدم المسار الإصلاحي، وإعطاء نفس ديمقراطي للحياة السياسية في بلدنا فإننا سنظل في الواجهة.
رابط الحوار: https://www.hespress.com/interviews/384176.html