حاوره: المهدي السجاري
عقد المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، قبل أيام ندوة صحفية، أعلن فيها عن مضامين مشروع الأطروحة السياسية، والتي أرجعت العزوف السياسي إلى أسباب منها تدخل الدولة والفساد وغير ذلك. هل تعتبرون أن هذه العوامل لازالت قائمة إلى اليوم بطريقة “منهجية” أم نتحدث عن حالات معزولة فقط؟
بنعبد الله: مشروع الأطروحة السياسية يشكل قاعدة سياسية للمؤتمر الوطني العاشر، فهو يجسد صلب وكنه الهوية السياسية والمرجعية الفكرية والتوجهات التي يعتمدها الحزب في هذه المحطة. في غالبية هذه القضايا هناك تأكيد لمواقفنا السابقة، مع السعي إلى تحيين بعض المعطيات المتعلقة بالحالة السياسية أو الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وغيرها. بالنسبة لظاهرة العزوف أريد أن أؤكد لكم أنها ليست جديدة أو مرتبطة فقط بأحداث ظرفية لسنة أو سنتين أو ثلاث، بل يشكو منها العالم بأسره. عموما، هناك عزوف عن المشاركة السياسية والانتخابات بالنسبة لبلدان كثيرة، وخاصة بالنسبة للفئات الشابة، وذلك راجع إلى نوع من الحيرة التي يوجد فيها الإنسان، والتي تجعله يفقد قوة المرجعية والاعتقاد التي كانت موجودة لدى أجيال القرن الماضي على وجه الخصوص. اليوم في كل الدول، بما في ذلك عندنا، قوة المرجع والهوية الفكرية تضاءلت، وبالتالي فانطلاقا من ذلك لم يعد الإنسان يثق بالشعارات فقط. الأمر أصبح اليوم مرتبطا أكثر بمسارات ذاتية وشخصية، وما يتيحه العمل السياسي للفرد حتى يمارسه. عندما تنضاف إلى ذلك بعض الأوضاع الداخلية التي تبخس من شأن العمل السياسي ومتانة موقعه، فالأحزاب تصل آنذاك إلى هوة بين عالم السياسة والانتخابات وبين عموم الشعب.
ماذا عن هذه الإشكالية في الحياة السياسية المغربية؟
بنعبد الله: بالفعل الوثيقة السياسية وقفت على خطورة هذه التحولات. فجميع الانتخابات التي مرت منذ بداية هذا القرن تدل على أن هناك مشاركة متواضعة، ولذلك نحذر من الاستمرار في تبخيس العمل السياسي والأحزاب، لأن لهذا الأمر خطورة على تأطير المواطنات والمواطنين والمجتمع. أكثر من ذلك، فإننا نعتبر أن أي مشروع تنموي كيفما كان، ونحن نسعى إلى مراجعة النموذج التنموي، لا يمكن أن يستقيم إلا إذا حملته قوة سياسية لها وجود ومصداقية وتحظى بثقة المواطنات والمواطنين وقادرة على اتخاذ قرارات وبلورتها، سواء كانت مُرة وصعبة أو كانت شعبية وإيجابية بالنسبة لعموم أفراد المجتمع.
ألا ترى بأن حالة الجمود التي يعيشها اليوم المشهد السياسي المغربي ستساهم في تعميق إشكالية العزوف في أفق الانتخابات المقبلة، علما أن هذه الإشكالية تتحمل فيها الأحزاب المسؤولية أيضا؟
بنعبد الله: هذه مسؤولية جميع الأحزاب بدرجات متفاوتة. عندما تصل إلى وضعية يفقد فيها المشهد السياسي المصداقية وتكون الأحزاب غير قادرة على أن تؤكد وجودها بشكل مستقل وتتخذ هيئاتها المواقف بكل مسؤولية وأن تكون هناك اصطفافات تحدد بمحض إرادة هذه الأحزاب، فلا يمكن إلا أن تزداد عملية فقدان الثقة إزاء الأحزاب. اليوم على الجميع أن يشتغل، دولة ومؤسسات منتخبة وحكومة وأحزاب سياسية ومجتمع مدني، من أجل إعطاء نفس جديد للشأن الديمقراطي، وهذا هو الشعار الذي اخترناه. نحن نرى أن هذا هو شعار المرحلة، فالمغرب استطاع تحت قيادة صاحب الجلالة منذ اعتلائه العرش نهاية القرن الماضي أن يقفز قفزات أساسية إلى الأمام، وأن يحقق الكثير من المكتسبات سواء على المستوى الديمقراطي أو التنموي. واليوم نحن في حاجة إلى تجديد النفس وإحداث حيوية جديدة في هذا المسار، والمدخل لهذه الحيوية هي حياة سياسية سليمة وسوية في ظل أحزاب نشيطة واسترجاع الثقة وبناء جسور جديدة بين المواطن والشأن السياسي، مع ترك المسافة الضرورية للأحزاب السياسية للاصطفاف والتعبير عن المواقف والتحالف، علما أنه والحمد لله فإن المغرب ينعم باستقرار يمكنه من أن يعمل الجميع في ظل المؤسسات القائمة. فليس هناك من يشكك أو يعيد النظر في المؤسسات القائمة كما هي، وبالتالي علينا أن نعطي الإمكانية لإفراز هذه الحيوية الجديدة، ولذلك اخترنا شعار “نفس ديمقراطي جديد”.
من بين الأمور التي تشير إليها الوثيقة السياسية هناك ما تعتبرونه محدودية السلطات الممنوحة للمؤسسات المنتخبة. هل الأمر مرتبط بمضامين الدستور أم بالممارسة؟
بنعبد الله: هذا الأمر مطروح على مستوى الممارسة أكثر منه على مستوى الوثيقة الدستورية. فالجميع أقر بأن دستور 2011 أتى في مرحلة إنضاج وتفاعل ديمقراطي قوية. هذه المرحلة اتسمت بتعبيرات شعبية مختلف ونقاش كبير حول دستور 2011، وبالمبادرة الملكية لـ9 مارس استجابة لما كان يعبر عنه الشعب المغربي، وذلك في خطوة ذكية ومقدامة وطلائعية من أجل التفاعل الإيجابي مع ما كان يحدث. كل ذلك أعطى دستورا راقيا، علما أن هناك من يرى أن هذا الدستور قد تجاوز ما يمكن للمجتمع المغربي استيعابه، لكنني لست مع هذا الطرح. بعد ذلك كان علينا أن نبلور هذا الوثيقة على أرض الواقع، وما يمكن أن أقوله هو أنه في جميع الدساتير هناك مسافة بين ما هو مكتوب وما هو ممارسة. والحال أنه يتعين أن نقدم نوعا من النقد الذاتي، فكلنا مسؤولون عن ذلك كمؤسسات ودولة وأحزاب ومجتمع مدني وصحافة. علينا جميعا مسؤولية إعطاء قيمة لهذا الدستور والسعي المشترك إلى أن نبلور مضامينه في أقصى درجات الرقي والتفاعل الديمقراطي. مع الأسف ما لاحظناه هو عكس ذلك، فالظروف والصراعات السياسية التي كانت موجودة منذ 2011 إلى يومنا هذا طغت أكثر على ضرورة الالتفاف. هذا الأمر قلناه أكثر من مرة، إذ كنت أحذر من أن نخطئ في تقدير فضاءات الصراع. الدستور في حاجة إلى توافق كبير من أجل بلورته بلورة سوية، وهذا الأمر لا يقف عند حكومة بنكيران أو سعد الدين العثماني، بل إن الأمر سيسري على السنوات التي ستأتي وبالتالي علينا أن نتوافق على أي مضمون ديمقراطي نريده لدستور 2011، أما الصراعات السياسية فيمكن أن تكون خارج ذلك. مع الأسف طبيعة الصراعات السياسية التي كانت موجودة جعلتنا لا نعط لهذا الدستور النكهة الديمقراطية التي يستحقها على مستوى الممارسة. لذلك نؤكد على مستوى الوثيقة السياسية أن هناك مكتسبات ومتن دستور قوي، لكن هناك بطء في بلورة هذا الدستور وتفعيله على أرض الواقع.
ألا ترى بأن الحكومة السابقة لم تستفد من المناخ الذي ساد بعد 2011 لتسريع تنزيل الدستور؟
بنعبد الله: هذا بالضبط ما أقوله لكم. فالفترة الموالية مباشرة لاعتماد دستور 2011، أي فترة حكومة بنكيران، كان من المفروض أن تكون فترة أساسية في إفراز إسقاطات أو مشتقات الدستور من قوانين تنظيمية ومؤسسات دستورية. لكن مع الأسف تم تغليب الحسابات السياسية الضيقة المرتبطة بطبيعة الحكومة، ومن كان على رأسها ومن كان سيكون على رأس الحكومة المقبلة، على الاعتبارات الديمقراطية الصرفة القائمة على أن الدستور معمول ليكون فوق هذه الاعتبارات وفوق من هو اليوم على رأس الحكومة وهويته السياسية. هذا ما أعطانا مع الأسف إضعافا لكل المؤسسات والفعاليات التي ينص عليها الدستور. ولابد ألا ننسى أن الدستور ينص على أن المؤسسات المنتخبة، التشريعية على وجه الخصوص، يتعين أن تكون قوية ونزيهة والحكومة يتعين أن تكون لها صلاحيات واسعة ومن أجل بلورة سياستها وللأحزاب دور دستوري سياسي قوي في تأطير المواطنين والتعبير عن المواقف، إلى جانب دور المجتمع المدني والإعلام الحر والنزيه. أعتقد بكل موضوعية أن كل هذه المستويات لم تكن في الموعد كما يجب، وهذا ما أعطانا اليوم هذا الوضع الذي ننبه إليه في وثيقتنا. فنحن اليوم في أمس الحاجة إلى نفس ديمقراطي جديد وقوي.
هل توافق الرأي الذي يقول بأننا عدنا إلى ما قبل 2011 على مستوى الممارسة؟
بنعبد الله: خلافا لما يقال، فالتاريخ لا يعيد نفسا. طبعا قد يعيده من حيث المظاهر، لكن على مستوى المضمون من الصعب أن تكون أوضاع اليوم مشابهة لأوضاع الأمس، حتى إذا رأينا هنا أو هناك ما يفيد ببعض التراجعات. الممارسة ستكون بالضرورة مختلفة، سواء تعلق الأمر بضرورة الأخذ بعين الاعتبار التراكمات التاريخية أو باختلاف الفاعلين. فهناك اختلاف واضح بين رجال ونساء السياسة بين الأمس واليوم، ولا أظن أن هناك تكرارا لوضع عشناه كما كان سابقا. نحن نقول إنه من الصعب أن نصف وضعا سياسيا ديمقراطيا بالأبيض أو الأسود، بل يظل رماديا ويميل أحيانا لهذا الاتجاه أو ذاك حسب الأوضاع السياسية وقدرة الفاعلين السياسيين على إعطاء شحنة إيجابية أو أن يتخلفوا ونذهب في اتجاه سلبي.
في إحدى فقرات مشروع الأطروحة تتحدثون عن الأحزاب الإدارية وعلاقتها بالسلطة، واليوم تتحالفون مع أحزاب تصنفونها ضمن هذه الخانة. أليس في ذلك تناقض؟
بنعبد الله: نحن لم نقل الأحزاب الإدارية، بل سجلنا في هذه الوثيقة أنها أحزاب كانت لها علاقة بالإدارة عند تأسيسها. لا نريد من خلال ذلك أن نعود إلى جدل عقيم له عقود من الزمن، والدليل على ذلك هو أننا لم نذكر اسم أي حزب. أنتم على صواب عندما تقولون ذلك، ففي سنة 1998 أعلنا عن قبول المشاركة في حكومة التناوب بمكونات الكتلة الديمقراطية مع أحزاب كنا نصفها آنذاك بأحزاب إدارية. اليوم مرت على العملية 20 سنة، وما يهمنا نحن هو أن تكون جميع الأحزاب المغربية بمختلف توجهاتها تعتمد على ذاتها وتتخذ قراراتها بمحض إرادتها وهذا ما سيعطي للطبقة السياسية المغربية والوضع الديمقراطي العام المصداقية الضرورية لنتقدم ونتمكن من صياغة المشروع التنموي الذي نطمح إليه. لن يكون هناك أي تغيير قوي بالمجتمع المغربي إلا عندما سنعطي للوضع الحزبي والسياسي المصداقية الكاملة.
هذا السؤال يقودنا أيضا إلى العلاقة مع حزب العدالة والتنمية ما بين مرحلتي ببنكيران والعثماني. ألا تلمس نوعا من الفتور في علاقة الحزبين بين الأمس واليوم؟
بنعبد الله: الظروف تختلف. عندما كنا في بداية حكومة عبد الإله بنكيران، كان الكثير ينتظر أن ينفجر هذا التحالف في أول مناسبة وبالتالي الطريقة الناضجة التي تعاملنا بها معا سواء من جهة العدالة والتنمية أو التقدم والاشتراكية لتفادي ذلك هو أن العلاقة توطدت وتقوت وصمدت أمام كل محاولات تكسيرها، وبقيت من ذلك إلى يومنا هذا علاقة ود وتقدير واحترام بين الحزبين. على هذا الأساس نواصل العمل معا، لكن في ظروف تختلف. وعليه، فبما أن الظروف تختلف فهناك أوجه أخرى لهذه العلاقة، علما بأن العدالة والتنمية أشار في المجلس الوطني الأخير إلى تميز التقدم والاشتراكية في علاقته بالحزب، ونحن أكدنا من جانبنا على استمرارنا في التعامل الإيجابي معه، وهذا يعني أن الأمور تستمر إلى أن تنضج ظروف أخرى لا نعلم كيف ستكون مستقبلا. لكن لحد الآن ليست هناك بوادر يمكن أن تدفعنا لمراجعة هذا التوجه الذي اشتغلنا على أساسه.
ما ردك على من يقول إن بنكيران كان بمثابة “بارشوك” يقي التقدم والاشتراكية من تلقي بعض الضربات؟
بنعبد الله: هذا ممكن، لكن لماذا لا تقولون كذلك بأن التقدم والاشتراكية كان يعرض نفسه لبعض الضربات بتحمله لعناء ومسؤولية العلاقة مع العدالة والتنمية. نحن كذلك كنا نقي ونتوصل ببعض النيران عوض أن يتوصل بها العدالة والتنمية. بمعنى أن هذه العلاقة كانت في الاتجاهين، إذ أنها تجعلنا نتفاعل في السراء والضراء. هذه القراءة التي تجعلنا كحزب تابع أو “ساتيليت” يدور في فلك العدالة والتنمية هو كلام فارغ، وأول من يمكن أن تسألوه عن ذلك هو عبد الإله بنكيران نفسه. ما ميز العلاقة هو أن لحزب التقدم والاشتراكية حضور سياسي وفكري وإيديولوجي قوي، بل أقوى من تعاملنا مع فصائل أخرى تقول إنها تنتمي لمعسكر الحداثة. في حكومة بنكيران كنا بمثابة “رادار” يحذر من أن تسير الأمور في اتجاهات أخرى. هذا ما جعل للتقدم والاشتراكية حضور قوي، وكان موجها ومؤثرا والدليل على ذلك هو أنه يكفي أن تروا كيف كان يتم التعامل مع التقدم والاشتراكية. فلو كنا ضعفاء ومنبطحين وتابعين وخاضعين لما التفت إلينا أحد بدءا ببنكيران والعدالة والتنمية. لو كنا كما تقول والدتي “ربيطة ديال النعناع” فلا أعتقد أنه كان سيلتفت إلينا أحد، ولذلك عليكم قراءة الأمر على أساس أن ما كان يثير الانتباه هو قوة الالتزام السياسي الذي كان لدينا، والحضور القوي وتحمل عناء الموقع الذي كنا فيه. هذا ما كان يجعلنا لا نختبئ وراء ظل العدالة والتنمية.
هل تحسون اليوم أنكم أديتم ثمن هذه العلاقة؟
بنعبد الله: أكيد، فما قلته لحد الآن دليل على أننا في النهاية كان من الطبيعي أن يؤدي ذلك إلى أن نقدم الثمن وتكون له انعكاسات بالنسبة لحزبنا. ربما ذهبنا أبعد مما كان محتملا، وربما أنه في إطار سعينا إلى النقد الذاتي كان علينا أن نتحفظ أكثر لكن أعتقد لو فعلنا ذلك لحاسبنا الرأي العام الوطني وكانت لنا أصداء غير التي نتوصل بها اليوم في الشارع. كنا في وضع صعب وكانت لنا قيم وأخلاق مؤطرة تنطلق من فكرة بسيطة، فقد قمنا بعد تفكير ملي باختيار أن نصطف إلى جانب العدالة والتنمية علما أن هذا الاختيار ناتج عن عدم تمكننا من مواصلة مسار الكتلة الديمقراطية مع الاستقلال والاتحاد الاشتراكي. أمام الفراغ الموجود حولنا طرحنا السؤال حول مع من يمكن أن نواصل مسار الإصلاح الديمقراطي، فوجدنا أن الحزب الوحيد الذي يمكن أن نتكئ عليه آنذاك هو العدالة والتنمية فدخلنا تلك التجربة. طبعا دخلنا هذه التجربة على أساس الوفاء والالتزام، فمن الصعب أن تدخل تجربة بثقافة الحزب ومبادئه وأن تقوم باستمرار بالطعن من الخلف في حليفك. أخلاقيا هذا غير مقبول، فإما أن تكون مع العدالة والتنمية في الحكومة وتتحمل تبعات الاختيار وتدافع عنه بما لا يعني أنك تتفق مع كل شيء، والخمس سنوات التي مرت أبانت أنه في كثير من القضايا كنا نقول لا ونلفت الانتباه إلى أن هذا الأمر لا يمكن أن يتم بهذه الطريقة أو تلك ونستمر في ذلك إلى اليوم. فإما أن تتحمل مسؤولية الالتزام والانتماء للحكومة أو تستقيل، وإما أن تظل فيها وتخدم توجهات أخرى وهذا الأمر لا يدخل في إطار الأخلاق المؤطرة لحزبنا.
لاحظنا في الآونة الأخيرة بروز خلافات بين مكونات الأغلبية. هل يمكن أن تستمر وتصمد هذه الحكومة في ظل هذا الوضع إلى غاية سنة 2021؟
بنعبد الله: نحن نشتغل من أجل أن تصمد. يصعب علي أن أتحول إلى بصارة أو “شوافة” كما يقول المغاربة وأبدأ في التنبؤ لما يمكن أن يحدث بعد حين. ما يهمني اليوم، وما يهم حزب التقدم والاشتراكية، هو أننا نريد نجاح حكومة سي سعد الدين العثماني وتصل إلى نهاية ولايتها. من أجل ذلك نعبر عن استعدادنا لتقديم كل ما يمكن أن نقدمه من أجل بلورة البرنامج الذي صادق عليه البرلمان، والذي جسد الثقة الممنوحة لهذه الحكومة. إذا حدثت أمور أخرى في الطريق فسنتفاعل معها بناء على ما تمثله من مستجدات. هذا ما يمكن أن أقوله اليوم…
ألا يطرح الانسجام بين مكونات الحكومة إشكالا؟
بنعبد الله: لذلك قلنا بأنه لا يكفي أن نوقع على ميثاق الأغلبية، وهذا أشرت إليه حفل التوقيع واجتماعات داخلية للأغلبية وفي بلاغات عديدة للمكتب السياسي واجتماع اللجنة المركزية وأيضا الوثيقة السياسية المعروضة على أنظار المؤتمر. متانة التحالف يجب أن تتجسد على مستوى طبيعة الإصلاحات التي سنعمل على بلورتها. فالساحة السياسية في حاجة إلى أن تملء بمبادرات قادرة على إعطاء نفس جديد للشأن السياسي والديمقراطي، وبإمكانها أن أتقوم ببلورة هذا النموذج التنموي الجديد الذي نادى إليه صاحب الجلالة. علينا أن نقوم بخطوات على مستوى العدالة الاجتماعية والمجالية، وندفع بالكثير من الملفات إلى الأمام. هكذا يمكن أن نمتن العمل الحكومي، أما إذا كنا سنظل في وضعية ترقب حول ما يمكن أن يحدث اليوم أو غدا، وهل سنذهب إلى 2021 أم هناك انتخابات سابقة لأوانها، فأعتقد أن هذا الأمر لا يتناسب مع انتظارات الشعب المغربي.
ألا تعيشون كفاعلين سياسيين حالة الترقب هاته؟
بنعبد الله: أعتقد أنه يتعين الاعتراف بأن وضعية الترقب بل والقلق موجودة في أوساط متعددة، وخير طريقة للتعامل مع ذلك هو المبادرة السياسية المقدامة وملء الساحة والفراغ وتقديم مقترحات والخروج بقوة. ناشدنا كثيرا سي سعد الدين العثماني ليتقدم بملفات بعينها ليكون النقاش العمومي يتمحور حول هذه الملفات. حتى إذا افترضنا أن هناك إرادة في التناوب على رأس الحكومة فلتكن عندما سنأتي إلى الانتخابات.
ماذا تقصد؟
بنعبد الله: أقصد التناوب على رأس الحكومة. فحتى إذا افترضنا أن الإرادة القوية المعبر عنها من طرف بعض القوى السياسية هي أن يكون هناك تناوب على رأس الحكومة، وألا يستمر حزب العدالة والتنمية على رأسها، فليكن هذا الأمر لكن في أفق معين وبعد عمل. لا يمكن أن نظل بين قوسين لمدة ثلاث أو أربع سنوات، لأن من سيؤدي الثمن هي البلاد والشعب ومسلسل التنمية وقضايا العدالة المجالية والاجتماعية والسياسات العمومية التي ستتوقف في مختلف المجالات وإصلاح الصحة والتعليم. لا يمكن أن نوقف ذلك لمدة ثلاث أو أربع سنوات ونحن ننتظر إمكانية أن نصل إلى تحالف سياسي آخر على مستوى الحكومة. فليكن ذلك وهذا أمر مشروع، ولا أنازع في مشروعية هذا المشروع، لكن اليوم هو وقت العمل والاجتهاد من داخل الحكومة لبلورة مشروع إصلاح قوي له انغماس في الشارع، تنخرط فيه فئات واسعة من المجتمع وتثق فيه فئات واسعة من رجال ونساء الأعمال إلى عموم الشعب في مختلف الأقاليم. هذا النداء الذي وجهناه، وهذا هو صلب تفسير شعار نفس ديمقراطي جديد.
لكن هناك من يرى أن الحكومة غرقت في دور رجل الإطفاء، وهنا الحديث عن الاحتقان الاجتماعي في بعض المناطق…
بنعبد الله: من هنا تأتي ضرورة احترام الأحزاب وإعطائها مكانة خاصة في التأطير الديمقراطي وعملية الإصلاح. إذا كانت الأحزاب قادرة على ممارسة التأطير المجتمعي وتخرج إلى الشارع بأفكار وتصورات ومقترحات وأعمال ملموسة، فآنذاك لن نظل فقط في وضعية التعامل مع الحالات حسب ما يقع.
ربما أحداث جرادة والحسيمة كشفت أن الأحزاب أعطت “المشعل” للجان والتنسيقية…
بنعبد الله: هذا أخطر ما يمكن أن يقع على جميع المستويات. في الحياة السياسية والحزبية الوطنية هناك اليوم هذا الخطر على مستوى عدد من التعبيرات المجتمعية الاحتجاجية التي تُبعد الأحزاب، بل هناك من يقول نحن لا نريد الأحزاب فيما بيننا واستغلالها لما يجري، وهو الأمر الذي ينطبق على الساحة النقابية. فالمركزيات النقابية بحجمها وتاريخها تواصل عملها، لكن نلاحظ على الساحة بروز عدد من التنسيقيات العفوية التي لا تمتثل لقرارات المركزيات النقابية. حذار من هذا الأمر، لأنه عمليا ستتحول الأحزاب السياسية إلى فضاءات غير قادرة على أن يكون لها حضور حقيقي في المجتمع وقدرة على تأطير. لا يمكن لمجتمع عبر العالم أن يعيش في ظل الديمقراطية إلا بأحزاب قوية.
بالحديث عن جرادة، لاحظنا ردود فعل متباينة من طرف بعض الأحزاب المكونة الأغلبية، ومنها التقدم والاشتراكية حيث وصفت المنطقة بالمنكوبة. بداية هل استشار رئيس الحكومة مع باقي مكونات الأغلبية في قرار المنع على اعتبار أن القرار فيه تحمل للمسؤولية السياسية الجماعية؟
بنعبد الله: ربما تم ذلك على مستوى الحكومة، لكن شخصيا كأمين عام من داخل الأغلبية لم أتوصل بأي شيء ولم يكن هناك اجتماع للأغلبية لمناقشة هذه القضية ولم يتم الاتصال بي حول الموضوع. لكن يتعين ألا نعطي لهذه التعبيرات حجما أكثر مما تستحق. طبيعي في حزب التقدم والاشتراكية أن نقول بأننا نعمل في إطار دولة الحق والقانون، والتي تكرس للجميع حقوقا وتفرض عليهم واجبات، ومن ذلك أن يتقيد الجميع بالقانون ومن الحقوق أن تتاح إمكانية التعبير والتظاهر السلمي للجميع. من خلال ذلك نقول إن كل ما يمكن أن يشكل عزلة أو ضربا في دولة الحق والقانون سواء كان مصدره المتظاهرين أو الدولة فنحن نرفضه، ونقول إن السبيل الأنجع لمعالجة أوضاع من هذا النوع هو الحوار الذي يفضي إلى نتائج. طبعا هذه النتائج تعني الجدية من طرف الحكومة، وأيضا عدم المزايدة والابتعاد عن التعنت بالنسبة للمتظاهرين. على هذا الأساس قلنا بأن جرادة تستحق برنامجا قويا وكبيرا لأنها منطقة منكوبة فعلا، وذلك على غرار ما شهدته بعض الأقاليم الأخرى.
الجميع يتحدث اليوم عن ضعف الأحزاب في تأطير المواطنين. ما السبيل للخروج من هذا الوضع؟
بنعبد الله: التوجه الوحيد الممكن هو أن نثق في الديمقراطية، ونبلور دستور 2011 بشكل سليم ونعطي حيوية جديدة للحياة السياسية ونمكن الأحزاب من أن تلعب دورها وتكون قادرة على مراجعة ذاتها، وتجد الصيغ الملائمة للانغماس الفعلي في مختلف الأوساط الشعبية. إذا أردنا أن نذهب بعيدا في عملية إعادة النظر في أوضاعنا فيتعين أن نجد الإطار المناسب الذي يجعلنا نحس بأن هناك تنافس شريف وتقدير للأحزاب السياسية واستقلالية قراراتها. المدخل الثاني هو أن نرفع من مستوى النقاش والمقترحات، بدء برسم ملامح المشروع التنموي الجديد. والمدخل الثالث هو أن نقوي قدرة الاقتصاد على خلق الثروات وفرص الشغل والدخل، وأن نقوم أيضا بتوزيع ما هو موجود بشكل عادل ونشرك الفئات المستضعفة والأقاليم النائية في عملية التنمية. إذا شرعنا في تصور من هذا النوع وكانت هناك تعبئة في هذا الاتجاه وكانت هناك صراعات سياسية قائمة على البرامج تأكدوا بأن المغرب سيكون على خير وسنمثن أكثر طبيعة نظامنا الديمقراطي. صاحب الجلالة يقود مشوارا قائما على هذه التوجهات، وعلينا جميعا أن نرتقي إلى المستوى المطلوب لنكون في الموعد، وأن يكون في ظل هذه الأوضاع التنافس شريفا من أجل الوصول إلى دواليب السلطة وممارسة القرار على مستوى تدبير الشأن العام.
هل عانيتم من غياب التنافس الشريف بين الأحزاب، خاصة خلال الانتخابات الأخيرة؟
بنعبد الله: ما يمكن أن أؤكده بالنسبة للانتخابات الأخيرة هو أن حزب التقدم والاشتراكية أدى فيها ثمن المواقف التي عبر عنها وتشبث بها، وبالتالي فما حصدناه لا يعكس قوتنا.
كيف هي حياة نبيل بنعبد الله بعد إعفائه من المسؤولية الوزارية؟
نبيل بنعبد الله: مع كامل التقدير والاحترام الواجب للحياة التي كانت لي على المستوى الوزاري، فاليوم أهتم أكثر بالحزب وأقضي وقتا أطولا بمقره وأهتم أكثر بأسرتي. كما أعمل في بعض الجوانب المرتبطة بنشاط مهني صرف لأنه لابد لي أن أوفر دخلا للعيش، على اعتبار أنني لا أتلقى أجرا عن عملي السياسي فيما يتعلق بمهمتي كأمين عام.
ألا تستفيد من التقاعد؟
نبل بنعبد الله: لحد الآن لا أستفيد منه. لكن لابد أن أؤكد بأن الضغوطات التي كانت علي خفت من الناحية الحكومية، لكنها ازدادت من الناحية الحزبية. اليوم أعيش حياة عادية وما يمكن أن أقوله هو أن معنوياتي مرتفعة وأشتغل بحيوية كبيرة.
في نهاية هذا الحوار، نريد كلمة في حق بعض الشخصيات التي اشتغلت إلى جانبها، وأولها سعد الدين العثماني…
بنعبد الله: سعد الدين العثماني رئيس حكومة يريد الكثير بالنسبة لعملية الإصلاح، وأنا شاهد على ذلك. أتمنى له كل النجاح ويتمكن من بلورة البرنامج الذي يشرف على تفعيله على أحسن وجه، ونقدم له في التقدم والاشتراكية كل الدعم من أجل ذلك.
عزيز أخنوش…
بمنعبد الله: عزيز أخنوش أعرفه شخصيا منذ سنوات وتربطني به علاقة احترام وتقدير. فهو رجل طيب في العمق، وأتمنى له كذلك النجاح والسداد فيما يقوم به على رأس التجمع الوطني الأحرار، الذي يسعى إلى قيادته بحيوية كبيرة. نحترم كثيرا هذا الرجل، ونتمنى أن يكون لنا معه ومع حزبه تعامل بشكل يليق بالتعامل الذي كان دائما بين الحزبين منذ عهد سي احمد عصمان وسي علي يعتة.
عبد الإله بنكيران…
بنعبد الله: عبد الإله بنكيران رجل بصم بشكل كبير الحياة السياسية الوطنية في السنين الأخيرة. تربطني به علاقة صداقة خاصة ستستمر في الزمن لأنها نُسجت في ورق من نوع خاص، وأعتقد أنه سواء بالنسبة له أو لي نقدر عاليا طبيعة هذه العلاقة.