بنعبد الله: “الأوضاع في البلاد تحتاج إلى قرارات جريئة ومبتكرة واستثنائية”

حاوره: عبد العزيز بنعبو

قال محمد نبيل بنعبد الله، أمين عام حزب «التقدم والاشتراكية» المغربي المعارض، إن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في البلاد تحتاج إلى إجراءات جريئة ومبتكرة واستثنائية وذات وقع على حياة المواطنين المتأثرين بالتداعيات الخطيرة للجائحة. وهو ما لم تعمل عليه الحكومة إلى حدود الآن ـ يضيف القيادي المذكور ـ على الرغم من التزاماتها عالية السقف، ورغم أنها أعلنت عن كونها تتخذ من وثيقة «النموذج التنموي» بطموحاته الكبيرة مرجعاً لها.

وأضاف في حوار مع «القدس العربي» قائلا «الظاهر أن الحكومة المغربية منشرحة بأغلبيتها العددية في البرلمان، وحتى في المجالس الترابية (المحلية) إلى درجة دفعت بها إلى النزوع نحو الهيمنة؛ علماً أن توفر الأغلبية العددية لا يعني بالضرورة حصول المساندة الشعبية اللازمة والكافية».

محمد نبيل بنعبد الله الذي سبق له أن تقلد عدة مناصب وزارية ودبلوماسية، أكد أن حكومة عزيز أخنوش تميل إلى استعمال «تفوقها» العددي في تمرير قراراتها، من دون إشراك قبْلي لا للمعارضة ولا لأي فاعلين مجتمعيين آخرين.

وفيما يلي نص الحوار:

○ كيف ترون المشهد السياسي في المغرب اليوم عموما؟ هل أنتم متفائلون أم متشائمون؟

• لا يمكن للمناضل إلا أن يكون متفائلا؛ فالإيمان بجدوى النضال يعني العمل من أجل غد أفضل وتَمَلُّك الأمل في تحقق هذا الغد الأفضل.

المشهد السياسي المغربي، اليوم، وهذا مُضَمّن في كل بلاغات حزبنا وتقارير هيئاته، هو مشهد يتسم بالضعف وتراجع الثقة والمصداقية وانحسار الفعل المدني والسياسي عموماً. وفي ذلك مخاطر جدية، إذ لا يستقيم الطموح نحو التنمية والازدهار سوى من خلال مجهود اقتصادي واجتماعي يواكبه، بالضرورة وبشكل موازٍ، توطيد للمسار الديمقراطي وتوسيع لمجال الحريات والمساواة.

نعم، عبر كل العالم هناك تراجعٌ لكل ما هو سياسي، حتى أن البعض بات يتحدث عن أزمة الديمقراطية التمثيلية. غير أننا نؤمن بأن إمكانية ضخ نَفَس جديد في حياتنا السياسية هو أمر ممكن، من أجل القدرة على الذهاب نحو إنجاز الإصلاحات الكبرى التي تجعل المغرب في مصاف البلدان الصاعدة والمتقدمة.

أمر آخر يتعين إثارته بمناسبة سؤالكم حول المشهد السياسي هو أن دستور المغرب لسنة 2011 متقدم جدا، ويحتاج إلى طبقة سياسية وإلى ممارسة ديمقراطية في مستوى مقتضياته المتقدمة.

○ ما تقييم «التقدم والاشتراكية» لأداء الحكومة المغربية؟ وما مدى انسجام مكوناتها الثلاثة؟

• لأول مرة، تتشكل أغلبية حكومية من ثلاثة أحزاب فقط على إثر انتخابات يوم 08 ايلول/سبتمبر 2021. وهي حكومة تجسد توجّهاً ليبراليا واضحاً على الرغم من محاولتها نفي ذلك. وقد سبق أن قلنا في حزبنا أن هذه الحكومة قامت بما هو في حُكم «السرقة الفكرية» لمفهوم الدولة الاجتماعية، لأن هذا الأخير ليس مجرد شعارات، بل هو مفهوم يقتضي سياسات عمومية وإجراءات وتدابير وقرارات لإقرار العدالة الاجتماعية والحد من التفاوتات الطبقية والمجالية، ومراجعة آليات توزيع الثروة، وإقرار الدولة الحامية التي تتدخل وتوجّه الاقتصاد وتحتفظ بالخدمات الأساسية والقطاعات الحيوية مع الانفتاح على أدوار القطاع الخصوصي المسؤول والمنتِج.

الحديث عن تناغم مكونات الحكومة ربما سابق لأوانه. لكن يمكن لأي متتبع أن يلاحظ ضعف الحضور السياسي والتواصلي لهذه الحكومة التي، وإن كانت قد اتخذت، في شهورها الأولى، تدابير إيجابية، كما حدث بالنسبة لدعم قطاع السياحة أو مباشرة الحوار الاجتماعي في قطاع التعليم أو إخراج بعض المراسيم المتعلقة بتوسيع الاستفادة من التغطية الاجتماعية، إلا أن ذلك يظل محدوداً؛ حيث الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية تتطلب أداء أقوى من هذا بكثير، كما تتطلب إجراءات ذات وقع على حياة المواطنين المتأثرين بالتداعيات الخطيرة للجائحة. وهو ما لم تعمل عليه الحكومة إلى حدود الآن، على الرغم من التزاماتها عالية السقف، وعلى الرغم من أنها أعلنت على أنها تتخذ من وثيقة النموذج التنموي بطموحاته الكبيرة مرجعاً لها.

○ هل تفكرون في التنسيق بين المعارضة لا سيما مع الأحزاب اليسارية والتقدمية؟

• أولا، تتعين الإشارة إلى أن الظاهر هو أن الحكومة منشرحة بأغلبيتها العددية في البرلمان، وحتى في المجالس الترابية (المحلية) إلى درجة دفعت بها إلى النزوع نحو الهيمنة. علماً أن توفر الأغلبية العددية لا يعني بالضرورة حصول المساندة الشعبية اللازمة والكافية. ومن تجليات الغرور السياسي لهذه الحكومة رفضها لكل التعديلات الجوهرية والموحدة التي قدمتها المعارضة في شأن قانون مالية 2022. كما أنها لحدود الآن لم يتم إدراج أي مقترح قانون من مقترحات حزبنا في مسطرة المناقشة البرلمانية. قد نتقبل هذه الممارسات، ولو أنها تنطوي على فهمٍ ضيق للممارسة الديمقراطية التي تُعلي من شأن المعارضة، وهي تعتبر حجراً أساسيا في العمل المؤسساتي وفي ترسيخ التعددية، لكن ما لا يمكن قبوله أبداً هو الاستخفاف بالمواعيد الدستورية وعدد من المقتضيات القانونية الملزمة للحكومة ورئيسها في تعاملهما مع مؤسسة البرلمان. وللأسف، هذا هو واقع الحال.

حزبنا حين اختار الاصطفاف في المعارضة، قرر أن يمارس معارضة وطنية ديمقراطية تقدمية وبناءة. يساند كل ما هو إيجابي ويعارض بقوة كل ما يراه غير مناسب من قرارات حكومية، لا سيما حين يتعلق الأمر بالفئات المستضعفة أو بالمصلحة الاقتصادية الوطنية أو بالديمقراطية والحريات.

نحن ننسق فعلا على مستوى مجلس النواب، في ملفات معينة يحصل فيها اتفاق مع باقي الفرق البرلمانية المعارِضة، ونتمنى أن تنضج الشروط ليمتد هذا التنسيق، ولا سيما بين أحزاب اليسار، إلى خارج المؤسسة التشريعية.

○ هل بالإمكان تنفيذ مخطط الجهوية في المغرب بهدف تحقيق تنمية متوازنة لمختلف مناطق البلاد؟

• الجهوية في المغرب تجاوزت مرحلة كونها مجرد مخطط أو سياسة عمومية، بل صارت مقتضى دستوريا ملزِماً للجميع، وذلك في إطار منظور شامل للتنظيم الإداري وهو اللامركزية.

الجميع متفق، اليوم، على مبدأ كون الجهة هي الحضن الملائم لتحقيق التنمية والحد من الفوارق المجالية. إلا أن تجربة الجهوية بصلاحيات واسعة مُتضمَّنة في الدستور والقانون التنظيمي للجهات، هي تجربة ما تزال في بداياتها، حيث لم تتأسس إلا مع انتخابات 2015 والمراسيم التطبيقية لم تصدر بشكل كامل إلا منذ ثلاث سنوات. علينا، إذن، أن نعطي فرصة أكبر لهذه التجربة من أجل أن يشتد عودها، علماً أن التطبيق السليم للجهوية تقتضي، من بين ما تقتضيه، إرادة سياسية قوية وعملية للمركز في التخلي عن جزء من صلاحياته لصالح الفاعل على الصعيد الترابي (المحلي) وهو ما لم تعمل به الأغلبية الحالية التي عمدت إلى تمديد تحالفها مركزيا إلى الجهات. كما يتطلب تنفيذ الجهوية نخباً سياسية جهوية وكفاءات في التدبير الترابي على جميع المستويات. وهو ما دعانا، في حزب التقدم والاشتراكية، إلى الدفاع عن فكرة مواكبة الجهوية بإقرار لا تمركز إداري حقيقي يواكب هذه الدينامية.

○ على المستوى الفكري المتعلق بأدبيات الحزب، إلى أي حد تقومون بمراجعات لمرجعياتكم الأساسية؟

• تعلمون أن حزب التقدم والاشتراكية من الأحزاب القليلة جدا التي استطاعت أن تحافظ على وجودها منذ نشأتها الأولى قبل عقود طويلة، بل إنه لا يفتأ يطوّر مكانته ضمن المشهد السياسي الوطني منذ تأسيسه تحت اسم الحزب الشيوعي المغربي في سنة 1943. ومما لا شك فيه أن ذلك يعود بالأساس إلى قدرة الحزب وجرأته في استيعاب سمات أي مرحلة تاريخية والتكيف معها وتطوير ذاته بناءً على تطور المجتمع وتغير المعطيات. هذا لا يعني أبداً التخلي عن المبادئ والقيم والتوجهات الراسخة. فلا يمكن أن نتخيل حزب التقدم والاشتراكية إلا وهو مدافع عن الوحدة الترابية لبلادنا؛ عن العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروة؛ عن الحريات والمساواة؛ عن الإنصاف المجالي؛ وعن الديمقراطية. وفي نفس الوقت لا يمكن أن نتصور حزب التقدم والاشتراكية وهو لا يحمل هاجساً يوميا لتطوير أدوات وطرق عمله ومقارباته النضالية… إنها جدلية الوفاء والتجديد.
بالمناسبة، خلال هذه الأيام، نحن بصدد إطلاق النقاش الداخلي تحضيراً للمؤتمر الوطني الحادي عشر الذي سيلتئم في غضون هذه السنة 2022، وقد أعددنا ورقة تحدد الأسئلة الداخلية التي على أساس الجواب الجماعي عنها سوف نعقد مؤتمراً وطنيا بأفق استراتيجي يؤطر عمل حزبنا خلال السنوات القليلة المقبلة.

○ هل هناك في الأفق مبادرة للمصالحة داخل الحزب تُجاه بعض الأطراف الغاضبة المطرودة؟

• حزب التقدم والاشتراكية حزب ديمقراطي بكل ما تحمله الكلمة من معنى، حيث حرية التفكير والتعبير واتخاذ آراء شخصية أمر تحميه قيمنا وقوانيننا الداخلية.

أما قرار الإبعاد الذي اتخذته أجهزة الحزب المخولة في حق بضعة أشخاص معدودين على رؤوس الأصابع، فهو قرار يستند إلى وقائع ثابتة تؤكد ممارسة السب والشتم والإساءة في حق الحزب وهيئاته، ولا يتعلق الأمر أبداً بحرية التعبير. أما على الصعيد القانوني، فقد استنفدت هيئات الحزب كل المساطر والإجراءات التي هدفت إلى إعطاء المعنيين فرصة الدفاع عن أنفسهم أو تقديم نقد ذاتي أو اعتذار، لكن تم تجاهل كل الدعوات الموجهة إليهم. هيئات الحزب، إلى جانب ضمان ممارسة المناضلين لحقوقهم، فهي أيضاً منوطة بها مسؤولية حماية الحزب من السلوكات المشينة ومن القيم الدخيلة على الحزب، من قبيل محاولة تكريس ثقافة تسخير الحزب لخدمة المسارات الشخصية، بالإضافة إلى واجبها في ضمان تلازم ممارسة الحقوق مع الواجبات.

غير ذلك، الحزب متراصّ الصفوف، يشتغل بشكل جماعي، يصدر قراراته ومواقفه بشكل منتظم وعادٍ، ويناقش كل القضايا، نتفق ونختلف، نعم، لكننا دائما ما نجد الصيغة الملائمة لبلورة توجه تركيبي جماعي بشكل ديمقراطي وشفاف.

○ نعود بكم إلى آخر تصريحاتك بخصوص إغلاق الحدود، ودعوتكم لإعادة فتحها ما دام المتحور «أوميكرون» قد انشتر بـ 80 في المئة في المغرب، هل مبعث دعوتكم هذه هي إنقاذ القطاعات المتضررة من الإغلاق؟

• اعتبارا لما عمدت إليه جل الدول عبر العالم بعد انتشار المتحور أوميكرون، دعونا الحكومةَ إلى التفكير مليًّا في اتخاذ قرار إعادة فتح الحدود بأقرب وقت ممكن. هذا القرار تنتظره أوساطٌ وفئات واسعة وعديدة، وستكون له انعكاسات إيجابية مؤكدة على صعيد الاقتصاد الوطني عموما، وعلى بعض القطاعات الإنتاجية المتضررة مُباشرة وبشكل عميق من إغلاق الحدود. كما أن هذا القرار سيسمح مجددا لمغاربة العالم الذين لهم إسهامٌ هائل في الاقتصاد الوطني، بالدخول إلى المغرب والخروج منه بشكل عادٍ، فضلا عن كونه سيمكّن من حل مشكلة آلاف المغاربة العالقين في بلدان مختلفة.
ومن البديهي أن هذا القرار يتعين أن يُواكَب بضرورة التقيد بكافة الشروط الاحترازية المعمول بها على المستوى الصحي عند الدخول إلى المغرب.

○ بصراحة، هل تشكل المعارضة اليوم وزنا سيجعل الحكومة تستمع إلى انتقاداتها، وهل ستتمكن المعارضة اليسارية بالخصوص من إعادة الجدوى إلى الممارسة السياسية بالمغرب؟

• أيُّ حكومة لها من النضج السياسي والديمقراطي الكافي لا تجد غضاضة في الاستماع إلى اقتراحات المعارضة، وحتى الأخذ بها، لأن مصلحة الوطن والشعب يتعين أن تظل فوق كل الاعتبارات والحسابات والمتغيرات الظرفية.

كما قلتُ سابقا: هذه حكومة تميل إلى استعمال «تفوقها» العددي في تمرير قراراتها من دون إشراك قبْلي لا للمعارضة ولا لأي فاعلين مجتمعيين آخرين. لا أحد ينازعها في ممارسة اختصاصاتها، وعليها تحمل مسؤولياتها وتبعات مقاربتها في هذا الصدد.
نحن، من موقع المعارضة، سنظلّ على نهجنا في مساندة القرارات الإيجابية، كما حدث بالنسبة لدعمنا مؤخراً للتدابير الحكومية الرامية إلى محاولة إنقاذ القطاع السياحي، كما سنظل يقظين في معارضة كافة الإجراءات التي لا تخدم مصلحة المواطنين، وذلك بشكل قوي واقتراحي.

أما إعادة الثقة في الجدوى من العمل السياسي فهي مهمتنا، بكل تأكيد، لكنها ليست مهمتنا لوحدنا كحزب أو كيسار أو كمكونات للمعارضة… إنها مسؤولية تلعب فيها هياكل الدولة والحكومة والأغلبية والمعارضة والأحزاب والصحافة وصناع الرأي والمثقفين والنخب والمدرسة والجامعة… أدواراً أساسية ومتقاسَمة. ليس على كل طرف سوى أن يقوم بواجبه بهذا الصدد، لأن النجاح في هذه المهمة ممكن ولو أنه عسير.

○ الحديث عن القطاعات الغاضبة والرافضة لقرارات الحكومة خاصة في تدبير الملفات الاجتماعية العالقة، حديث طويل بالنظر إلى عدد القطاعات التي تحتج باستمرار، فهل في رأيكم ستتمكن الحكومة من خلال ما ظهر من تدبيرها إلى حدود اليوم من إيجاد حلول لهذه المشاكل؟

• بكل صدق، أتمنى أن تنجح الحكومة في إيجاد حلولٍ لمعظم القضايا والملفات التي نواجهها كبلد؛ لأن نجاحها هو نجاح لوطننا ولشعبنا. نعم، حجم التحديات كبير جدا ويتفاقم بفعل تداعيات جائحة كوفيد-19، لا سيما على الصعيد الاقتصادي مع إفلاس عدد مهم من المقاولات الصغرى والمتوسطة وما أسفر عنه ذلك من مآسٍ اجتماعية من جراء تسريح مئات الآلاف من العمال. ضف إلى ذلك معضلة البطالة، وتعثر إصلاح التعليم والصحة. علاوة على الفئات والقطاعات العديدة التي تئن تحت وطأة وانعكاسات الجائحة وقرارات الإغلاق.

الأوضاع تحتاج فعلا إلى قرارات جريئة ومبتكرة واستثنائية، من أجل إنقاذ وإنعاش النسيج الاقتصادي، وخلق فرص حقيقية ومستدامة للشغل، ومن أجل إصلاح التعليم والمدرسة العمومية والصحة والمستشفى العمومي، على وجه التحديد. لكن، للأسف وبموضوعية، الإرهاصات الأولى لأداء هذه الحكومة لا تبشر كثيراً، حيث تصريحها الحكومي كان قد جاء بالتزامات عريضة، دون أن يتلوه قانون مالي في نفس مستوى الشعارات المعلنة.

لا يمكن للإصلاحات أن تتم دون توفير الإمكانيات التمويلية الضرورية، كما لا يمكن إنجاز الإصلاحات في ظل الصمت التواصلي للحكومة وحضورها السياسي الباهت، ولا في ظل عدم قدرتها على خلق جسور الإنصات والإشراك والتشاور مع مختلف الفاعلين المجتمعيين.