بنعبد الله: الإصلاح يقتضي التقاء إرادة المؤسسة الملكية مع “القوى الحية”

حاوره: الشرقي لحرش الجمعة 16 شتنبر 2022

في هذا الحوار مع جريدة هسبريس الإلكترونية، يتطرق محمد نبيل بنعبد الله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، لاستعدادات الحزب لتنظيم مؤتمره الحادي عشر، في ظل عدم بروز مرشح بديل له إلى حد الآن.

كما يتطرق هذا الحوار لقضية الإصلاح السياسي من منظور حزب التقدم والاشتراكية، كما ورد في الوثيقة السياسية التي ستعرض على المؤتمر الوطني للحزب في نونبر المقبل.

في هذا الصدد، اعتبر بنعبد الله أن دستور 2011 جاء متقدما جدا، وأنه يمثل قمة ما استطعنا أن نحصل عليه؛ لكنه يحتاج إلى فرقاء وأحزاب ومؤسسات قادرة على تنزيله على أرض الواقع.

وسجل بنعبد الله، أنه “إلى حد الآن، أخفقنا في تنزيل مضامين دستور 2011، مما يستدعي إحداث رجة جديدة بقيادة الملك محمد السادس”.

ودعا الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية إلى ضرورة التفاف القوى الحية والفعاليات السياسية حول الملك محمد السادس، الذي يتعين أن نعي بأنه من دونه ومن دون المؤسسة الملكية من الصعب أن ينجح مسلسل الإصلاح.

وقال: “يجب أن تتضافر كل هاته الجهود من أجل نتمكن من تحقيق هذه الرجة القوية، وينبغي أن لا نتردد في السير قدما في طريق الإصلاح”.

وأكد بنعبد الله أننا “اليوم في حاجة إلى تلاقي هذه الإرادات لتقوية الجبهة الداخلية في ظل المكتسبات التي يحققها المغرب على مستوى ملف وحدتنا الترابية، خاصة أنه كلما تحققت هذه المكتسبات زادت حدة المؤامرات والأطماع، مما يستدعي تقوية الجبهة الداخلية وتعزيز الديمقراطية وإصلاح الاقتصاد وتحقيق العدالة الاجتماعية”.

أعلنتم عدم ترشحكم مرة أخرى لقيادة حزب التقدم والاشتراكية؛ لكن، إلى حد الآن، لم يظهر بديل عنكم.. هل عجز الحزب عن إعداد الخلف؟

بصراحة، هذه مسألة محيرة؛ لكنني أريد أن أؤكد أن هذا الحزب يمتاز بوجود طاقات نضالية نسائية ورجالية هائلة وكفاءات عالية على المستوى السياسي، وكذلك على مستوى الخبرة. وكما أكدت على ذلك خلال لقاء اللجنة المركزية يوم السبت الماضي، فإن حزب التقدم والاشتراكية حزب يمتاز بقيادته الجماعية، ويمتاز كذلك بأنه حزب لا يبرز مسارات شخصية بقدر ما هو حزب يحاول إبراز مشروع مجتمعي بهوية فكرية اشتراكية، وهذا ليس بالأمر السهل؛ فنحن مطالبون بالحفاظ على هذه الهوية السياسية دون جمود، بل إننا منفتحون على واقعنا ومتفاعلون معه.

إن حزب التقدم والاشتراكية هو حزب يمتاز باستقلالية قراره وقوته السياسية، وبالتالي يجب أن تكون قيادته الجماعية قادرة على أن تواصل المسار.

وفي ظل الظروف الصعبة، نحتاج قيادة جماعية وأشخاصا لديهم القدرة على الحفاظ الحزب ويحظون بتوافق بين مناضلي الحزب.. وحينما أقول التوافق فأنا لا أقصد الإجماع؛ بل أن يتم التوافق عليهم من طرف فئة عريضة من مناضلي الحزب.

وقد سعيت شخصيا إلى جانب رفاق آخرين، منذ مدة، أن نبرز مناضلة أو مناضلا من أجل قيادة الحزب.. وأخبرت الرفاق في الحزب بأنني أفضل أن يتم إعفائي من تحمل المسؤولية؛ لأنني قضيت ما قضيت في قيادة الحزب.

وهكذا، قررت عدم تقديم ترشيحي لقيادة الحزب؛ لأن تقديم ترشيحي معناه أنني أقف إراديا ضد أي عملية للتجديد، ولا يمكن أن أقوم بذلك، لكن من حق المؤتمر أن يقرر ما يراه مناسبا.

إلى حد الآن، وكما ترون ليس هناك من قام بتقديم ترشيحه أو أعلن بأنه سيترشح.. ولا أخفيكم أنني ما زلت آمل أن يتم التوافق حول مرشح يقود الحزب، لأنني أعطيت ما أعطيت، وأحتاج إلى قلب الصفحة والمرور إلى شيء آخر، مع احتفاظي بقناعاتي داخل هذا الحزب وبعطائي المستمر داخله.

اعتبرتم في الوثيقة السياسية، التي صادقت عليها اللجنة المركزية للحزب، أنه، بعد الإنجاز الديمقراطي الذي عرفه المغرب بقيادة الملك محمد السادس سنة 2011 باعتماد دستور جديد، دخلت بلادنا من جديد مرحلة ركود ديمقراطي ومسلسل تراجعي منذ أواسط العقد الماضي.. أين رصدتم هذا التراجع؟

أعتقد أن المغرب عرف، في نهاية التسعينيات، طفرة بدأت في نهاية عهد صاحب الجلالة الحسن الثاني طيب الله ثراه، بحيث تم إطلاق سراح المعتقلين السياسيين وإلغاء ظهير 1935 والشروع في مسلسل الإصلاحات في المجال الحقوقي، ثم جاء العهد الجديد مع صاحب الجلالة الملك محمد السادس.

والمؤكد أن المغرب عرف، في مرحلة حكومة التناوب، طفرة كبيرة؛ لكن هذا المسلسل لم يستمر، إذ تم الإعلان عن ولادة حزب جديد سنة 2008، وهو ما شكل حينها خروجا عن الممارسة الديمقراطية السوية.. ثم جاء حراك 20 فبراير، وجاء معه دستور 2011، وهو دستور متقدم جدا، واعتبرنا أنه يشكل قمة هذا المد الذي عرفه المغرب، أي قمة ما استطعنا أن نحصل عليه؛ لكن هذا الدستور يحتاج إلى فرقاء وأحزاب ومؤسسات قادرة على تنزيله على أرض الواقع، وهذا الأمر يمكنني القول إننا أخفقنا فيه.

لذلك، أقول: إنه من مسؤوليتنا جميعا، دولة ومؤسسات وأحزابا وفضاء اجتماعيا ومجتمعا مدنيا ورأي عام ونخبا ومثقفين، أن نطلق رجة جديدة.

تذكر أننا في المؤتمر الوطني العاشر لحزب التقدم والاشتراكية رفعنا شعار “نفس ديمقراطي جديد”، حينها كنا نقول إننا في حاجة إلى نفس ديمقراطي جديد، وأننا يجب أن نعطي حيوية جديدة للحياة السياسية. وقد بينا ذلك بتفصيل في مذكرتنا حول النموذج التنموي، حيث اعتبرنا أن الإنسان يجب أن يكون في قلب المسلسل التنموي، أي الجانب الاجتماعي والتنموي. كما طرحنا فيها رؤيتنا للنهوض بالاقتصاد الوطني وتفعيل آليات الحكامة، فضلا عن بسط منظورنا بشأن العوامل الثقافية والقيمية، وأكدنا أن كل هذا لا يستقيم بدون ديمقراطية وبدون قدرة.

اعتبرتم في الوثيقة السياسية أن الخروج من حالة الركود الحالية لا يمكن أن يتم دون توفر شروطه الموضوعية والذاتية، وبشكل خاص وأساسي التقاء إرادة المؤسسة الملكية مع إرادة وطموح القوى الحية ومجموع الشعب المغربي، كما حدث في كل الفترات المشرقة في المسار الديمقراطي الوطني.. في رأيك، هل الأحزاب الآن مؤهلة للعب مثل هذه الأدوار، خاصة تجربة دستور 2011 أبانت أن مطالب الشارع وتجاوب المؤسسات الملكية فاق مطالب الأحزاب؟

فعلا، هناك مشكل يطرح بشأن مكانة الأحزاب اليوم ودورها وقدرتها وجرأتها ودفاعها عن صلاحياتها وعن استقلالية قرارها ودفاعها عن موقعها؛ لأن الأحزاب مؤسسات معترف بها دستوريا، فالدستور يعتبر أن الأحزاب السياسية لها دور في تأطير المواطنين وفي تقديم الاقتراحات والانتخابات وتشكيل الحكومة وفي تدبير الشأن العام على المستوى الحكومي وعلى مستوى الجهات والمجالس المحلية المنتخبة.

إن الأحزاب لها مكانة أساسية، وإذا لم تلعب دورها فمن سيحمل التغيير؟، إن وظيفة الأحزاب لا يمكن أن يقوم بها التكنوقراط، ونحن لسنا ضد مشاركة التكنوقراط في التدبير؛ لكن لا بد من انصهارهم في قالب سياسي برؤية سياسية وبقدرة على بلورة التغيير، وبدفاع عن مواقع هذه الأحزاب.

إن الأحزاب، عموما، غير قادرة على القيام بهذا الدور لأسباب عديدة حدثت في الماضي وأدت إلى هذا الوضع. ولذلك، نحن، اليوم، في حاجة إلى رجة جديدة، وقد كان حزب التقدم والاشتراكية دائما ينادي بتلاقي الإرادات.

إننا، اليوم، في حاجة إلى تلاقي هذه الإرادات لتقوية الجبهة الداخلية في ظل المكتسبات التي يحققها المغرب على مستوى ملف وحدتنا الترابية، خاصة أنه كلما تحققت هذه المكتسبات زادت حدة المؤامرات والأطماع؛ مما يستدعي تقوية الجبهة الداخلية وتعزيز الديمقراطية وإصلاح الاقتصاد وتحقيق العدالة الاجتماعية.

هذا كله يتطلب التفاف كل الفعاليات، خاصة الفعاليات السياسية الحية في المجتمع، التي يجب أن تلتف حول صاحب الجلالة، الذي يتعين أن نعي بأنه من دونه ومن دون المؤسسة الملكية من الصعب أن ينجح مسلسل الإصلاح.

ومن هنا، يجب أن تتضافر كل هاته الجهود، من أجل أن نتمكن من تحقيق هذه الرجة القوية، وينبغي أن لا نتردد في السير قدما في طريق الإصلاح.

إن الأحزاب بقدر ما يجب أن تشكل قوة ضغط بالمفهوم الإيجابي للكلمة، بمعنى أن تكون حاضرة وتعبئ الطاقات وتغير موازين القوى بقدر ما يتعين أن تكون ملتفة وراء صاحب الجلالة بحضوره القوي في قيادة مسار الإصلاح، هذا ما نطمح إليه. وبعد ذلك يمكن أن يفوز كل حزب أو تحالف بالانتخابات، شريطة أن يفوز بناء على أفكاره وبرامجه وليس باستعمال المال والأساليب التي تسيء إلى العملية السياسية.

إن حزب التقدم والاشتراكية بجرأته المعهودة سيظل ينبه إلى هذا الأمر، ويؤكد على ضرورة الإصلاح.

تصفون أداء الحكومة بالضعيف، ما مظاهر هذا الضعف؟

حضورها السياسي، كما أن هذه الحكومة جاءت نتيجة انتخابات استعملت فيها أساليب أدانها حزب التقدم والاشتراكية، خاصة استعمال المال وغير ذلك من الأساليب.

إن هذه الحكومة، التي تتوفر على الأغلبية في مجلس النواب وفي مجلس المستشارين وفي مجالس الجهات، تملك جميع “الأسلحة” القانونية والدستورية من أجل بلورة سياساتها والتجاوب مع الشعب، وتفسير الوضع للشعب كما هو بصعوبته وبإكراهاته؛ لكننا اليوم لا نعرف ما الذي تريد الحكومة القيام به، فهم يشتغلون فيما بينهم بين الجدران ويعتبرون أنهم يتواصلون، ولكن إلى حد الآن لم تقم هذه الحكومة بأي إجراء ملموس لفائدة الشعب.

البعض يتحدث عن تعميم الحكومة لبرنامج التغطية الصحية، لقد أصدروا المراسيم فقط؛ لكنها غير مفعلة في الواقع.

ورغم أن الحكومة تتكون من ثلاثة أحزاب، فإننا لا نسمع صوت هذه الأحزاب على مستوى تأطير المجتمع وتعبئته. كما أن هناك ضعفا حقيقيا على المستوى الإعلامي والتواصلي، فضلا عن ضعف الرؤية ورفع شعارات فارغة، حيث رفعوا في البداية شعار “النموذج التنموي الجديد”، قبل أن ينتفي هذا الشعار ولم يعد له أثر.

الحكومة الحالية تلقي باللائمة على الحكومات السابقة، والتي شاركتم فيها وتعتبر أنها ورثت تركة ثقيلة ما ردكم؟

إلى متى سيظلون يرددون هذا الكلام؟، ولنفترض أن ذلك صحيحا رغم أنه ليس كذلك، وأنا أتساءل إلى متى سيختبؤون وراء هذا الخطاب؟، لقد مر عام على تنصيب الحكومة ويجب أن يتحدثوا عما يقومون به هم.

إن الاختباء وراء الآخرين غير كاف، وكأنهم يقولون للمواطنين “الآخرين مادروش حتى حنا مغاديش نديرو”، وهنا نتساءل عن الوعود التي قدمتها أحزاب هذه الحكومة، ألم يعدوا بمنح المواطنين الفقراء مبلغا ماليا قدره 1000 درهم والرفع من الحد الأدنى للتقاعد؟ أين هم من كل هذا؟

كما لم تقدم هذه الحكومة أية حلول لأزمة ارتفاع أسعار المحروقات، صحيح أن هذا الارتفاع يعود إلى الحرب الروسية الأوكرانية؛ لكن هذا الأمر يهم العالم بأسره وليس المغرب فقط.

وفي هذا الإطار، عملت عدد من الدول على اتخاذ عدد من الإجراءات من أجل التخفيف من حدة هذه الأزمة؛ فيما رفضت الحكومة القيام بأي إجراء، وقد طلبنا منهم أن يطلبوا من شركات المحروقات تخفيض هامش ربحها كما فعلت ألمانيا وعدد من الدول الأوروبية.

إن الحكومة الحالية جنت ما يزيد عن 20 مليار درهم من الضرائب نتيجة ارتفاع أسعار المحروقات، وهذا جيد، إذ هذه المداخيل ستساعد الحكومة على تمويل المجهود الاجتماعي؛ لكنها لم توظف هذه المداخيل لمصلحة المواطنين، وقد كان بإمكانهم مساعدة الأسر المحتاجة لمواجهة غلاء اللوازم المدرسية، لكنهم لم يفعلوا.

لو كانت هذه الحكومة تتمتع بالحس السياسي لخصصت على الأقل ملياري درهم لدعم الأسر الفقيرة من أجل مواجهة ارتفاع أسعار اللوازم المدرسية.

ومن شأن هذا القرار أن يعطي إشارة إيجابية للمواطنين ويعبئهم لإنجاح مسلسل الإصلاح؛ لكن ما يظهر، حاليا، هو أن الحكومة في واد والشعب في واد آخر.

تعتبرون أداء الحكومة ضعيفا، ألا يتسم عمل المعارضة أيضا بالضعف وغياب التنسيق؟

أعتقد أنه في ظل هذا الوسط المتراجع سياسيا هناك بعض الأصوات التي ترتفع لتقول إن المعارضة أيضا لا صوت لها، وهذا يعود إلى وجود هوة بين الفضاء السياسي بمختلف مكوناته والشعب عموما، وهذا مشكل؛ لأنه يمكن أن يحدث وضعية فراغ، والفراغ قاتل بالنسبة لأي مجتمع كيفما كان. لذلك، أوجد الدستور مؤسسات من أجل التأطير والتعبير.

اليوم، قنوات التعبير موجودة في وسائط التواصل الاجتماعي، وفي كثير من الأحيان نجد أنفسنا أمام تعبير رافض وساخط ولا يثق في أي شيء، وهذا الأمر خطير ويتعين تداركه.

المعارضة تسعى إلى أن يكون لها صوت، وتقوم بما يمكن أن تقوم به في البرلمان، وتنسق أقصى ما يمكن، ومن المنتظر أن تعقد مكونات المعارضة ندوة صحافية لتقديم ما قامت بها خلال سنة كاملة.

ونحن في حزب التقدم والاشتراكية، نصدر مواقف بشكل أسبوعي، ونسعى إلى تأطير المجتمع قدر الإمكان، رغم النقائص، كما أن لنا فريقا برلمانيا نشيطا، تقدم بمقترحات قوانين كثيرة ويلعب دوره بشكل مسؤول دون بهرجة واستعراض العضلات، لأننا نمارس السياسة بقواعدها.

إننا، اليوم، نسعى إلى استجماع واستنهاض قوى اليسار؛ وهذه ليست مسألة سهلة، لأننا عندما نتوجه إلى مكونات الفضاء السياسي على مستوى اليسار لا نتلقى جوابا.. ولذلك، نسعى إلى تجاوز الجدران الداخلية للأحزاب ونمد يدنا إليها، ونتوجه كذلك إلى ما يمكن أن نسميه بشعب اليسار، أي كل الحاملين بشكل أو بآخر للفكرة اليسارية في الحركة النسائية والحركة الحقوقية وفي النضال المجتمعي والنقابي وكذلك من أجل البيئة وقضايا أخرى كثيرة.

إننا أمام هذا الضعف الذي تعيشه الحكومة نسعى إلى تجميع أقصى ما يمكن من الطاقات لإبراز هذا البديل الديمقراطي التقدمي قوة وتعددا، وكذلك مضمونا وبرنامجا؛ وهذا ما سنسعى من خلاله إلى جعل المؤتمر الوطني الحادي عشر حدثا يشكل قفزة في هذا الاتجاه.

هل ستستدعون جميع زعماء الأحزاب السياسية لهذا المؤتمر؟

سنستدعي الجميع، واللي جا مرحبا به، أما من أراد أن ينطلق من منطلقات متجاوزة وغير لائقة فله ذلك.. وكما تلاحظون، فإن خطابنا يتوجه إلى المؤسسات وليس إلى الأشخاص، نحن نناقش السياسات ونتقدم ببدائل سياسية.

هل هناك تواصل بينكم وبين الحكومة؟

لقد سجلت بإيجابية تصريح رئيس الحكومة، الذي أعلن فيه احترامه لدور المعارضة؛ لكن احترام دور المعارضة يقتضي الإنصات إليها وأن نلتقي.. وأريد أن أؤكد بالمناسبة أننا نريد النجاح لرئيس الحكومة، لأننا لن ننظم انتخابات سابقة لأوانها؛ بل إن ما نتمناه هو أن تنجح هذه الحكومة، لأننا لا يمكن أن ننتظر أربع سنوات.. وأذكر أنني حينما التقيت السي عزيز أخنوش، بعد تعيينه رئيسا للحكومة، قلت له: “لا بأس تعقد اجتماعات بين الفينة والأخرى مع المعارضة”.. وقد مر عام إلى حد الآن دون أن يحدث هذا الأمر، ولو لمرة واحدة.

في خطابه في ذكرى ثورة الملك والشعب، أكد الملك محمد السادس أن ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، وهو المعيار الواضح والبسيط الذي يقيس به صدق الصداقات ونجاعة الشراكات.. هل نحن أمام استراتيجية جديدة في تدبير ملف الوحدة الترابية؟

إن وضوح الرؤية ميز دائما مواقف جلالة الملك في ملف الوحدة الترابية، وقد تميزت هذه المواقف بوضوح الرؤية والجرأة التي تمثلت في تقديم المغرب لمقترح الحكم الذاتي؛ لكن في الوقت نفسه وبعد مرور حوالي خمسين عاما يظهر وكأن الملف يراوح مكانه.. صحيح أننا في صحرائنا، لكن معاكسة الجزائر لم تنته، وبقدر ما يحقق المغرب مكتسبات من خلال الاجماع الوطني على هذا الملف حدثت في الآونة الأخيرة تحولات في مواقف العديد من الدول، خاصة الموقف الأمريكي والإسباني والألماني وقيام عدد من الدول بفتح قنصلياتها في الداخلة والعيون.

هذه كلها مكتسبات لا يمكن أن لا تثير موقف الجزائر، والتي قامت بردود فعل، لعل آخرها ما وقع في تونس، حيث مارست الجزائر ضغطا على الرئيس التونسي من أجل استقبال زعيم الانفصاليين.

إن هذه التطورات جعلت بعض الدول التي كانت لها مكانة رائدة في المغرب الكبير وإفريقيا جنوب الصحراء ترى بأن المغرب يستقل أكثر فأكثر ويمارس سيادته بناء على التوجهات التي أكد عليها صاحب الجلالة؛ فالمغرب مع تعدد الأقطاب والعلاقات المتنوعة مع عدد من الدول، كما أن المغرب لا يمكن أن يربط مصالحه بدولة وحيدة مهما كانت مكانة هذه الدولة.

إن هذا ما يفسر بعض المعاكسات التي ظهرت في أزمة التأشيرات مع فرنسا وغيرها.

إن المغرب يسعى إلى طي هذا الملف، وقد أكد جلالة الملك أنه لا يمكن أن تكون لنا علاقات متينة مع بعض الدول وفي الوقت نفسه لا يكون عند هذه الدول وضوح فيما يخص الوحدة الترابية.

إن الموقف الأمريكي والموقف الإسباني الأخير تجاوز الموقف الفرنسي بكثير، وبالتالي فمن حق المغرب أن يطالب فرنسا باتخاذ موقف أكثر وضوحا لصالح ملف وحدته الترابية.

إن هذه التحديات كلها تستلزم وجود جبهة داخلية قوية ومتراصة ملتفة حول صاحب الجلالة، الذي لا يمكن لأي مشروع إصلاحي أن ينجح دونه.

الخطاب الملكي الأخير بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب أكد على ضرورة الاهتمام بأوضاع الجالية المغربية بالخارج، ولعل المشاركة السياسية لأبناء الجالية واحدة من المطالب التي لم تتحقق إلى حد الآن.. ما موقفكم في حزب التقدم والاشتراكية من هذا المطلب؟

نحن مع المشاركة السياسية لمغاربة العالم، ويمكنني القول بأن موقف حزب التقدم والاشتراكية يعود إلى السبعينيات وبداية الثمانينيات، وقد أكدنا دائما على ضرورة المشاركة السياسية في الانتخابات تصويتا وترشيحا.

نحن نتفهم هذا المطلب، رغم أنه ليس المطلب الوحيد؛ فهناك مطالب أخرى تتعلق بالاستفادة من خبرات الجالية.

لا بد من إعادة النظر في المؤسسات التي تهتم بموضوع الجالية؛ فهناك تعددية في هذه المؤسسات، هناك مؤسسة الحسن الثاني ومجلس الجالية، ووزارة المغاربة المقيمين بالخارج التي تشتغل الآن بدون وزير مختص.

كيف تنظرون إلى توجيهات الملك محمد السادس المتعلقة بمراجعة مدونة الأسرة؟

لا يمكننا إلا أن نثمن وقوف صاحب الجلالة مجددا من أجل تحقيق المساواة بين الرجال والنساء، ومسار مكانة المرأة في المجتمع، وقد تحدث صاحب الجلالة على التعثرات التي يعرفها تطبيق مدونة الأسرة في كثير من الأمور؛ في الطلاق، وحقوق المرأة، وزواج القاصرات الذي كنا دائما ضده وقد تقدمنا بمقترحات في البرلمان من أجل المنع المطلق لهذا النوع من الزواج. لقد حان الوقت لمنع زواج القاصرات بشكل نهائي، وأن لا نترك هذا الأمر للقضاة.

بالطبع، صاحب الجلالة في موقع قيادي باعتباره أميرا للمؤمنين يأخذ بعين الاعتبار ما يجري في المجتمع من توازنات.. وعليه، لا يمكننا إلا أن نتفهم الكلام الذي أكد عليه.

نحن في حزب التقدم والاشتراكية ننتمي إلى مدرسة فكرية تناضل من أجل المساواة المطلقة الكاملة، سنستمر على هذا النهج.

إن إصلاح مدونة الأسرة في 2003 جاء استجابة لمطالب الحركة النسائية والحقوقية، التي كانت قوية ومعبرة، أي أنه كلما تعاظم صوت القوى المنادية بالمساواة كلما توسعت إمكانيات الإصلاح.

نحن سنستمر في المطالبة بالمساواة الكاملة في الحقوق بين النساء والرجال، كما قلنا ذلك منذ عشرات السنين.

ما هو تصوركم لإصلاح مدونة الأسرة؟

نحن لا نتكلم عن مدونة الأسرة فحسب؛ بل نطالب بالمساواة في شتى المجالات، على المستوى السياسي والاقتصادي وعلى مستوى مناصب المسؤولية. كما نطالب بإيجاد حل لمسألة الإرث، التي ينبغي أن نطور فيها الاجتهاد من أجل تجاوز بعض الحالات المأساوية حقيقة في هذا المجال.

رغم ذلك، فنحن لا نقول إما أن تستجيبوا لمطالبنا أو “ملاعبينش”؛ بل إننا نعتبر أن الأمر بمثابة نضال متواصل.

من الناحية الإجرائية، هل ترون أنه من الأجدر تشكيل لجنة ملكية جديدة لمراجعة مدونة الأسرة أم أن الحكومة ممثلة في وزارة العدل يمكن أن تقوم بهذا الدور؟

نحن لسنا في موقع تنفيذي للحديث عن هذا الأمر؛ لكن المهم بالنسبة لنا ليس هو الآلية، بل هو المقاصد، فإذا كانت المقاصد أن نذهب أبعد ما يمكن في إصلاح مدونة الأسرة، فنحن لا يمكن إلا أن ندعم هذا الأمر، وربما نطالب بأكثر ما هو مطروح، لأن هناك من يعارض إلغاء زواج القاصرات، ونحن نعتبر أن هذا الخطاب متجاوز، ويجب أن لا نقبل بتزويج فتيات في سن السادسة عشرة.

نحن قناعتنا الأساسية أنه ليس هناك إصلاح ولا مشروع ديمقراطي تقدمي واعد دون تعرف مسألة المساواة والمناصفة قفزة نوعية حقيقية، إضافة إلى الحقوق السياسية والاجتماعية والثقافية.