رشيد حموني : يتعين الشروع في إصلاح عميق للمنظومة التعليمية، لتحقيق مدرسة عمومية تقوم على الجودة

أثناء تعقيب السيد النائب رشيد حموني رئيس فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب، على جواب السيد رئيس الحكومة، على السؤال الموجه إليه، حول “تحديات إصلاح المنظومة التعليمية”

الجلسة الشهرية المخصصة للأسئلة المتعلقة بالسياسة العامة الموجهة إلى رئيس الحكومة، المنعقدة بمجلس النواب، الاثنين 5 فبراير 2024.

النص الكامل للمداخلة:

السيد رئيس الحكومة؛

في البداية، نقط نظام التي أخذناها في بداية هذه الجلسة، ليست أسطوانة مشروخة، وليست كذلك دفاعا عن حقوق المعارضة فقط، ولكن هي دفاعٌ عن الدستور. وجلالة الملك هو الساهر على احترام الدستور.

نتفهم الإكراهات، ولكن احترام الدستور يجب أن نحترمه، لأن جلالة الملك، رغم أنه كانت الظروف وكانت كوفيد، ولكن جلالة الملك أعطى تعليماته، لكي تكون الانتخابات في وقتها احتراما للدستور.

ولهذا هذه الجلسة للأسئلة الشهرية، نريد منها أن تكون للتفاعل، وليس للاستعراض؛ لو كانت لما كان مشكل التعليم لكانت من الممكن أن تساهم في حل المشكل.

لكن الصورة التي نعطيها اليوم، يكون الشارع لديه غليانا في مسألة، ونحن في المجلس نناقش موضوعاً آخر، ولا يتفهمون الإكراهات، ويقولون إن المجلس والحكومة غائبان.

لهذا فقط، ولكن كما قلت، نتمنى في المستقبل أن يكون هدفنا هو كيف نخدم صالح المواطن، وكيف نتفاعل مع مشاكل المواطن.

في البداية كذلك، أريد أن أهنئ السيد الوزير، سي مهدي بنعسيد، بتتويجه بجائزة أفضل شخصية في الحكومة، بالتواصل الحكومي في قطاع الشباب، في الوطن العربي.

كذلك في البداية، أريد أن أتطرق إلى التعليم العالي، وهو لن أتطرق له في هذه المداخلة لأن سبق وأن قمنا بجلسة للأسئلة الشهرية، خاصة بالتعليم العالي، وقدمنا مواقفنا وملاحظاتنا. نتابع الإصلاحات مع السيد الوزير والحكومة، للتفاعل مع توصياتنا.

كذلك في هذه البداية، لابدَّ أن أعبِّـــر عن ارتياحنا لرجوع الأساتذة والتلاميذ إلى الأقسام الدراسية، بعد شهورٍ من التَّوقُّف؛

واليوم أمام الحكومة تحد كبير، هو دعم التلاميذ لاستدراك ما فاتهم من تحصيل دراسي؛

كما نهنئ الأساتذة على المكتسبات المادية والمهنية، التي جاءت بفضل نضالهم، ونتيجة لفضيلة الحوار، بما في ذلك الإنهاء التام للتعاقد، من خلال تعديلِ التشريعات المعنية، حيث قدَّمنا كمعارضة برلمانية أقصى درجات تيسير الأمور مسطرياًّ بهذا الصدد؛

وهي مناسبة لنؤكد فيها على أن تدبير الحكومة للاحتقان بالساحة التعليمية، بعد الاستخفاف في البداية، كان مطبوعاً بالارتباك، حيث تُرِكَ وزيرُ التعليم في البداية يواجه الوضع معزولاً، وكأنَّ القضية تَهُمُّ هذا القطاع لوحده؛

ولقد قمنا بدورنا، كمعارضة وطنية وبنَّاءة، أثناء هذا الاحتقان، ولم نلجأ طبعاً إلى التأجيج، بل تَحَلَّينا بالحسِّ السياسي، وسعينا إلى الاقتراح والمساهمة بالتهدئة، وعرضنا الوساطة التي تجاهلتها الحكومةُ بغرور واستعلاء؛

فالحكومةُ السياسية الكُفؤة هي التي تتفاعلُ استباقياًّ، في التوقيت المناسب، بِناءً على حُسن التقدير السياسي للمطالب والاحتجاجات قبل أن تتفاقم. وهذا ما لم نلمسه لدى الحكومة مع الأسف؛

فالانطباع الذي تخلقهُ الحكومة، هو أنها لا تتصرف سوى تحت الضغط، وليس وفق رؤيةٍ وإرادةٍ إصلاحية، وليس انطلاقاً من الاقتناع بعدالة الملفات المطروحة من طرف المجتمع؛

نعم كان هناك، مجهود السيد رئيس الحكومة، كان مجهود مالي مهم، لم يسبق له في أي حكومة، نعترف هناك مجهود كبير رغم الظروف، نحييكم على هذا المجهود، لكن ما الذي كان يمنع الحكومة

من تقديم عرض 26 دجنبر، في بداية احتجاجات الشغيلة التعليمية، طالما أنَّ الحلَّ كان ممكناً، وأنَّ المطالب كانت مشروعة؟!

وكنَّا سنتفادى بذلك، الإضراباتٍ المتتالية، وشهوراً من التوتر والتخبُّط، الذين ضحيتُـــهُم الأولى التلميذُ وأسرتُـــه. كما كُنَّا سَنَصُونُ بذلك مصداقية النقابات؛

فعلى الحكومة أن تقرأ الدروس مما وقع، في تعاطيها مع باقي المطالب الاجتماعية. فنحنُ، كمعارضة، قمنا بدورنا في التنبيه، ولا زلنا ننبِّهُ الحكومة في ملفاتٍ وقضايا أخرى، ويمكنكم أن تعودوا، بهذا الصدد، إلى بلاغات ومواقف حزب التقدم والاشتراكية؛

اليوم، على الحكومة تعزيز أجواء الانفراج في الحقل التعليمي، من خلال التخلي عن توقيفات بعض الأساتذة الذين شاركوا في الإضرابات. كما ينبغي على الحكومة التخلي عن تسقيف السن لولوج مهن التدريس في 30 سنة، لأن الجودة لا تُقاسُ بالعمر، ولأن هذا التراجع، تراجع وتمييز غير مقبول في حق آلاف الشباب الخريجين الذين فات عمرهم أكثر من 30 سنة؛

ولأن وزيرة إصلاح الإدارة، الأسبوع الماضي، هنا في قبة البرلمان، اعترفت أن سن الولوج إلى الوظيفة العمومية لا يزال قانونياًّ ما بين 40 إلى 45 سنة، ونحن صادقنا في الأسبوع الماضي على أن الأساتذة هم موظفون عموميون وليس مستخدمون في مؤسسات عمومية. فما هذا التضارب والتناقض!؟

والآن، ينبغي الإقرار بأن معالجة ملف الموارد البشرية، هو مسألة مهمة، لكنها جزءٌ صغير من معركة إصلاح التعليم التي تتطلبُ نَفَساً طويلاً ويتجاوز عمر الحكومة؛

ويتعين حاليا الشروع في إصلاحٍ فعلي وعميق لمنظومتنا التعليمية، بما يُحقق مدرسةً عمومية تقوم على الجودة والتميُز وتكافؤ الفرص؛

وفي هذا الإصلاح، الذي التزمت به هذه الحكومة في برنامجها، نرجو، السيد رئيس الحكومة، الكفَّ عن التحجُّج بإرث الماضي، فنحن جميعاً جزءٌ من مسار هذا الوطن، جزء من الإخفاقات، وجزء من النجاحات؛

فالحكومةٍ اليوم، لها نصيبٌ من هذا النجاح ومن هذه الإخفاقات. أي الحكومة من واجبها إيجادُ الحلول ومعالجة الأزمات تنفيذاً لوعودها (حتى واحد لم يجبــــرَكُم السيد رئيس الحكومة في البرنامج

الحكومي ديالكم، على أنكم ستجعلون بلادَنا، من أفضل 60 بلداً من حيث التعليم، وكنتم تعلمون وضعية التعليم في السابق)؛

ولأننا ننتمي إلى مدرسةٍ سياسية تتميز بالموضوعية، فإننا في فريق التقدم والاشتراكية، نُقَدِّرُ مجهودات السيد الوزير شكيب بنموسى. ونعلم أنه يؤسِّس لإصلاحاتٍ واعدة (ربما للأسف لا يتِّمُّ التواصلُ بالشكل الكافي للتعريف بها). ولكن نعترف أنه كان يترأس عملاً كبيراً في بلادنا هو عمل لجنة النموذج التنموي التي يجب أن تشكل وثيقة مرجعية للإصلاح؛

فبعض الإيجابيات تتمثل، السيد رئيس الحكومة، في المعالجة السريعة لتداعيات الزلزال على المدارس والتلاميذ؛ والرفع من ميزانية التعليم، والرفع من عدد الطلبة الأساتذة، إعادة هيكلة مسارات تكوينهم؛ وتقديم الدعم الاجتماعي عن الأطفال المتمدرسين؛ إطلاق مبادرة مؤسسات الريادة؛ الرفع من نسبة التعليم الأولي والإعدادي، التعميم الكُلّي للتعليم في الابتدائي؛ والارتفاع النسبي لمعدلات النجاح؛

لكن في المقابل، على الحكومة كذلك، تحديثُ مضامين المقررات الدراسية والمناهج والبرامج، حيث أن السيد رئيس الحكومة، الكتاب المدرسي أصبح يخضع لقانون السوق وليس لحاجيات التعلُّم المفيد والعصري، وذلك جاء في تقرير مجلس المنافسة؛

السيد رئيس الحكومة؛

إن إلحاحنا على أولوية إصلاح التعليم، بالفعل وليس بالقول والشعارات. إنَّ مغربَنَا يستحق فعلاً الأفضل، ولكن لتحقيق ذلك علينا كمسؤولين، وكحكومة وكبرلمان، أن نكون كذلك الأفضل، بدايةً، من أجل التجاوز الحقيقي للأزمة الثلاثيـة الأبعاد التـي يعيشـها النظـامُ التربـوي المغربـي، كما وَرَدَ في وثيقة النموذج التنموي: أزمـة جـودة التعلمـات؛ أزمـة ثقـة المغاربـة في المؤسسـة التربويـة وهيئتهـا التعليميـة؛ ثم أزمـة مكانــة المدرســة التــي لــم تعــد تلعــب دورهــا فــي الارتقاء الاجتماعي وتشــجيع تكافــؤ الفــرص.

هذا هو الإصلاح الشامل الذي يريده المغاربة. نتمنى للحكومة أن تنجح فيه. لأن اليوم الدولة الاجتماعية، السيد رئيس الحكومة، وهذا جاء في مداخلتكم، وجاء في وثيقة النموذج التنموي الجديد، وهو ما بدأت به، هو وضع الإنسان في قلب العملية التنموية؛

ولذلك، فالاستثمار في التعليم والرقمنة واقتصاد المعرفة والقضاء على الأمية هو استثمار منتج بامتياز؛

وعليه، فإن مسؤولية الحكومة، هو ضمان التعليم الجيد والمنصف لجميع المغاربة؛

وشكراً.