قالت شرفات أفيلال، القيادية في التقدم والاشتراكية، والوزيرة المنتدبة السابقة في الماء، إن المغرب يوجد ضمن الدول المهددة بندرة المياه، وإن السياسات العمومية المتبعة لم تحافظ على المخزون الإستراتيجي للمياه الجوفية، التي تم استغلالها بطريقة عشوائية.
وأكدت القيادية في التقدم والاشتراكية، في حوار مع “الصباح”، أن الاعتقاد بأن تحلية مياه البحر ستكون حلا منتظرا، غير صحيح، مبرزة أن البحث العلمي وإعمال مقاربة تنسيقية بين 11 قطاعا مسؤولا عن تدبير الماء سيسهمان في إيجاد الحلول. في ما يلي نص الحوار:
هل دخل العالم مرحلة خطيرة بسبب التقلبات المناخية والانحباس الحراري وجفاف السدود وقلة الأمطار التي أجهزت على التوازن البيئي؟
هذا الأمر صحيح، لأن جل تقارير المنظمات الدولية، والدراسات المنجزة، والإسقاطات الدولية تنذر العالم بوجود بوادر أزمة انطلقت، سببها الاحتباس الحراري، وهو النقاش الذي كان في وقت ما حبيس المراكز العلمية، والمؤتمرات الدولية والمؤسسات الأكاديمية فقط. أما الآن أصبح المواطن العادي يلمس تداعياته على مستوى المنظومة الإيكولوجية التي تعرف اضطرابات واضحة للعيان، إذ وقع خلل في التوازن الإيكولوجي لتوالي سلسلة الفصول من الشتاء والربيع والخريف إلى الصيف، لذلك لا شيء استمر على حاله، بل وقع خلط.
والملاحظ أن هناك زيادة مفرطة في ارتفاع درجة حرارة الأرض. وأعتقد أن اتفاق باريس للحد من الاحتباس الحراري، أكد ضرورة تكاثف الجهود الدولية للحد منه.
كيف ذلك؟
تعتبر الدورة المائية الضحية الأولى للتقلبات المناخية التي لم تعد عادية بسبب تراجع التساقطات المطرية في العديد من الدول، خاصة بالفضاء المتوسطي الذي يشهد تحولات مناخية غير معتادة، ما أدى إلى حدوث فيضانات فجائية مدمرة كالتي عرفتها مناطق قاحلة مثل دول الخليج العربي، على سبيل المثال المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، وهي الدول التي لم تكن مهيأة لاستقبال الأمطار الطوفانية.
والتقارير الدولية التي أصدرتها مجموعة خبراء المناخ، أكدت أن العالم مقبل على أزمة خطيرة، ومن الضروري الاستعداد لها، إذ كان ينظر إليها في السابق أنها كانت مجرد فرضيات، والآن أصبحت واقعا.
كيف يمكن مواجهة ظاهرة العطش وتراجع منسوب مياه السدود؟
صنفت التقارير الدولية المغرب ضمن الدول الأكثر تهديدا من خلال الخرائط المناخية، ودعت جل الحكومات إلى ضرورة صناعة سياسات عمومية متأقلمة مع التحديات المناخية، كي تقلل من انبعاث ثاني أوكسيد الكاربون، وهذا ما قلناه سابقا ونتحدث عنه منذ سنوات، وللأسف لم يتم أخذ كل هذه التحديات التي أصدرتها مجموعة خبراء المناخ، محمل الجد.
كما وقع تراجع في منسوب ملء السدود في المملكة، ما يؤكد وجود أزمة خطيرة لأن النسبة المسجلة لم نشهدها منذ أكثر من 45 سنة، وأعتقد أن نسبة 30 في المائة غير كافية ونحن في بداية فصل الصيف، ونعرف تداعيات انخفاض ماء السدود التي تزود المدن الكبرى بالماء، والمدارات السقوية الفلاحية بالمياه.
ونحن أمام معضلة لتدبير الأزمة وفي ظرف زمني قياسي، إذ لا يكفي الحديث عن أهمية إنجاز مشاريع كبرى، وتحلية مياه البحر في المدن التي تعرف خصاصا، وندعي بذلك أننا أنهينها المشكل، وهذا ليس بالأمر البسيط.
ما هو الحل في نظرك؟
طبعا لا بد أن نجد الحلول الآنية والمؤقتة ريثما تنضج المشاريع المهيكلة ولكن لا تقف عند حد منح الناس الماء الشروب، وننسى الأسباب التي أدت إلى بروز الأزمة، كما أن إيجاد بدائل ليس سوى جزء من الحل، وليس الحل كاملا.
والمفروض في ظل بروز أي أزمة في التزود بالماء أن يتم استعمال المخزون الجوفي لتدبير فترات الجفاف، ولكن للأسف نشهد أن مخزون المياه السطحية في أدنى مستوياته، والفرشاة المائية الإستراتيجية في مستوى الاستنزاف خطير وقياسي. ويمكن القول إنه لم يعد ممكنا أن نعول على المياه الجوفية لأنها تعرف استنزافا، وسبق أن نبهنا لذلك سابقا بعد انجاز دراسات في بلدان تدبير المياه بصفة عامة التي تعتمد على الجوفية منها مخزونا إستراتيجيا يلجأ له في فترات الجفاف.
ولا توجد آليات الرقابة على المخزون الإستراتيجي للماء الذي يستغل بطريقة عشوائية غير مرخص لها ما أدى إلى حصول إجهاد مائي.
منظومة الحكامة المائية
هل تحلية مياه البحر كافية لسد الخصاص في حال استمر الجفاف وقلة التساقطات المطرية؟
تحلية مياه البحر جزء من الحل، وأنا أقول إن من يروج أن تحلية مياه البحر هي المهدي المنتظر لحل مشكلة العطش فهو مخطئ لأنها جزء من الحل، وليست الحل كله.
والحل الكامل يكمن في إعادة النظر في منظومة الحكامة المائية، وهذا ما جاء به البرنامج الحكومي، إذ من المفروض التنسيق في مجال السياسات العمومية والقطاعية التي تعتمد على الموارد المائية مدخلا لها في الإنتاج، كي تكون متناغمة مع السياق المناخي للمغرب باعتباره بلدا جافا أو شبه جاف.
لهذا لا يمكن بناء سياسات قطاعية لا تراعي قدرات الماء المتوفرة والسياق المناخي للبلاد، والتقلبات المناخية، والإسقطات المستقبلية التي تحذر المغرب بندرة المياه بسبب تراجع التساقطات حتى في الأحواض الشمالية من 25 في المائة إلى 30، لذلك علينا أن نأخذ بعين الاعتبار هذه التحولات.
وممكن أن تشكل التحلية بديلا للماء الصالح للشرب، لكن لا يمكنها أن تكون بديلا لاستعمالات السقي، خاصة بالنسبة إلى الفلاحة المعاشية والفلاحين الصغار، لأنهم لا يتوفرون على المال لأداء ثمن تحلية المياه.
ويمكن أن نصل بسياسة تحلية مياه البحر إلى فلاحة ذات جودة مخصصة للتصدير، تشكل توازنا ماليا بالنسبة إلى الكلفة، ولكنها ليست بديلا لسكان القرى من الفلاحين الصغار.
الكف عن المزايدات
لم ندبر جيدا قطاع الماء في زمن الوفرة… ماذا كان دورك وزيرة منتدبة تدبر قطاع الماء في الحكومة السابقة لإحداث التغيير المنشود؟
> الوزير ليس وحده من يدبر قطاع الماء، رغم أنه يضع السياسة المائية للبلاد، ولكن إذا لم يقع تناغم وتنسيق وتقاطع بين السياسات القطاعية الأخرى التي تستعمل الماء، فإنها لن تحقق شيئا حتى ولو وضعت الحكومة مخططات.
والوزير مسؤول عن العديد من الأمور التي هي من تدبير قطاعات أخرى، لذلك لا بد من وضع سياسة عمومية متناغمة مع جميع المتدخلين.
وقطاع الماء معقد ومركب تتداخل فيه سياسة ما يقارب 11 متدخلا، وكل واحد منهم مسؤول عن جزء من تدبير هذا القطاع الحيوي، وأسوق مثالا بتوزيع الماء الصالح للشرب داخل القنوات التي تتعرض لمشاكل وتتآكل، فيحصل هدر كبير للماء، فهل والحالة هذه سنلوم الوزير ونحمله مسؤولية إصلاح قنوات المياه.
ما هو ردك على انتقادات الأغلبية الحكومية لسياستك السابقة؟
أحبذ أن نناقش الموضوع بمنظور علمي، وبدون مزايدات سياسوية، طبقا لما جاء في خطاب جلالة الملك في افتتاح الدورة البرلمانية، بدعوة السياسيين إلى الكف عن المزايدات في تدبير مشكلة الماء التي يجب أن تظل في مسافة بعيدة عن السجال السياسي، بتحميل المسؤولية لطرف ما، أو تبادل الاتهامات.
وكان ممكنا أن أتفهم الانتقادات تجاهي في بداية العمل الحكومي، لكن للأسف استمرت، رغم أنها تجاوزت منتصف ولايتها، ولديها الإمكانات لإنجاز مشاريع، وعوض عن ذلك فهي تعيش على الماضي عبر التذكير به في كل مناسبة تتاح لها.
والمنطق الوحيد الذي يخضع له تدبير قطاع الماء، هو المنطق العلمي، والمقاربة المتبعة في تنزيل المشاريع، وما يخرج عن ذلك فهو مجرد جدال وسجال ومزايدات غير منتجة.
وأنا ضميري مرتاح لأن حياتي برمتها قضيتها في قطاع الماء، منذ أن كنت شابة وأشتغل فيه بتواضع كبير، وأعرفه كما أعرف أصابع يدي، وجميع المشاريع تم إخراجها في وقتها بإشراف شخصي على كل التفاصيل، رغم الإكراهات المالية التي أشهروها في وجهي.
تدبير القطاع في زمن الوفرة
إذن أين يكمن المشكل بالضبط؟
المشكل الأساسي أننا ننسى تدبير قطاع الماء في زمن الوفرة، ولما خضت مفاوضات أثناء إعداد مشروع قانون المالية، قالوا لي هناك أولويات تهم قطاع التعليم والصحة، وبالتالي لا يمنحوني الإمكانيات المالية لمواصلة العمل في قطاع الماء.
أتحدى أيا كان ترديد الجملة المعتادة، في الحكومة السابقة، لم ينجز أي شيء، فيما أتوفر على أسماء 15 سدا تم تشييده وأنا أدبر قطاع الماء، ولا يمكن محو ذلك. وبالنسبة لمحطة تحلية مياه البيضاء وضعنا مخططا لها بحكم أنني ابنة القطاع، ولو سارت الأمور كما حضر لها قبل مغادرتي الحكومة، لكان ممكنا أن تكون محطة تحلية مياه البحر في آخر مراحل الإنجاز.
وللأسف وفي 2018، أطلقت صفقة دراسات تحلية محطة مياه البيضاء ولست أدري ماذا وقع بعد مغادرتي للحكومة، ولماذا تأخر المشروع؟
ولما حلت الأزمة الحالية بسبب شح الماء في السدود، فجأة ظهرت الإمكانيات المالية لإقامة المشاريع وتم وضع البرنامج الاستعجالي للماء الصالح للشرب وإصلاح الري، الذي أشرف عليه جلالة الملك، إذ عبأت الحكومة في ظرف وجيز الأموال لإقامة المشاريع في ظرف قياسي وهذا يشهد لها.
الحكومة تحاول الإجهاز على المعارضة
نحن مصطفون في المعارضة، ونقوم بدورنا الدستوري معارضة وطنية تقدمية، وبطبيعة الحال تفاعلنا مع حصيلة نصف الولاية الحكومية من خلال تدخل فريقنا البرلماني، أو عبر توجيه رسائل إلى رئيس الحكومة الذي كعادته واجهها بالصمت، التي أغاظت البعض وجعلته يحتج، ويرد بلغة أقل ما يقال عنها إنها تفتقد إلى الأخلاق السياسية السليمة، لسبب أننا قمنا بواجبنا الوطني.
وحاول الحزب الذي يقود الائتلاف الحكومي، الذي ينصب نفسه ناطقا رسميا باسم رئاسة الحكومة، تكميم أفواه المعارضة مرارا، من خلال التشويش الذي مارسه لمنع المعارضة من استعمال الآليات الدستورية والقانونية والسياسية، لتقييم حصيلة العمل الحكومي.
ودورنا نحن كمعارضة النظر إلى نصف الكأس الفارغ، أما النصف المملوء فيوجد من يدافع عنه من الأغلبية المتغولة عدديا في البرلمان، وفي أغلب المنابر الإعلامية التي احتواها الحزب، الذي يقود الائتلاف الحكومي، كي تطبل لعمل الوزراء، وتهلل لهم، ما أدى إلى إفراغ الفضاء من النقاش العمومي السوي، وهذا له انعكاسات وخيمة على الممارسة الديمقراطية، وتهديد لمجال الحريات التي قطع فيها المغرب أشواطا، وخاصة حرية الرأي والرأي الآخر.
والحكومة تنكرت لكل الوعود التي رفعتها أثناء تنصيبها، ويمكن التدقيق في العديد منها، خاصة مرجع النموذج التنموي الجديد المتعاقد عليه، من قبل جل الأحزاب السياسية، إذ لم يعد الحديث عنه قائما، ولم نر سياسة عمومية قطعت مع اقتصاد الريع وأوقفت تضارب المصالح. كما لم يتم تطبيق العدالة المجالية والاجتماعية، ولم يتحقق نمو اقتصادي مستدام، ينعكس على نسبة البطالة المرتفعة، في ظل غياب الحكامة الجيدة.
مؤشر التمكين الاقتصادي للنساء
هناك أرقام مخيفة جدا تؤكد تدهور نسبة النساء في المجال الاقتصادي، إذ تراجعت في الأنشطة الاقتصادية بـ 18 في المائة، فيما تعهدت الحكومة بالوصول إلى 30 في المائة، بل هناك معطيات رسمية تفيد أن نزيف تدهور النسبة لا محالة مستمر لغياب آليات ناجعة تمكن النساء من العمل، وهذا يسائل الحكومة عن ورش المساواة والتمكين الاقتصادي، الذي تحول إلى اجترار لاستراتيجيات الحكومات السابقة فقد مدلوله مع مرور الوقت لغياب أفكار، وإستراتيجية جديدة، ما يجعلنا نتساءل أيضا، أين هي حكومة الكفاءات؟
وصنف المنتدى الاقتصادي العالمي دافوس المغرب في أسفل الدرجات، التي لا تشرفنا على الإطلاق رغم التقدم المحرز على مستوى مؤشرين اثنين، هما تطور نسبة تمدرس الفتيات، وتسجيل تطور ملحوظ على مستوى المشاركة السياسية، وتخلف كبير على مستوى التمكين الاقتصادي، وهذا ما دفع إلى احتلال المغرب الرتبة 137 على 146 في تقرير الهوة الجندرية.
في سطور
– عضو المكتب السياسي للتقدم والإشتراكية
– رئيسة منتدى المناصفة والمساواة
– وزيرة سابقة
– خبيرة دولية في مجال الموارد المائية
– عضو مجلس إدارة العديد من المنظمات الدولية التي تشتغل في قطاع الماء
– عضو لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التابعة للأمم المتحدة