الرفيق رشيد حموني : التعديل خضع ل”ترضية الخواطر”

حوار "الصباح" مع الأستاذ رشيد حموني، رئيس فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب

كمصطف في المعارضة ماهو رأيك في  التعديل الحكومي؟

بكل صدق ومسؤولية، التعديل الحكومي، من حيث المبدأ، هو شأنُ الأغلبية، هكذا اعتبرنا الأمر دائماً. ما يهمني، كجميع المغاربة، هو  طبيعة التوجُّهات الحكومية والسياسات العمومية التي تنتهجها. وبالنظر إلى الإخفاقات التي شهدها النصف الأول من ولاية هذه الحكومة، ديموقراطيا وتواصليا واقتصاديا واجتماعيا، كنتُ أنتظر من الحكومة أن تقوم بتعديلٍ لمقارباتها وطريقة تعاملها مع التعثرات والأعطاب العديدة في سياستها. لكن يبدو لي أن الحكومة لا نية لها في تغيير العمق والمضمون. وربما أن الأمر خضع إلى ترضيات معينة أو إلى هاجس 2026. والأيام هي التي ستثبت كل شيء. وما ألاحظه أنه في صفوف مكونات الأغلبية ليس هناك ارتياح على العموم إزاء التعديل. فكيف تريد لعموم الناس أو للمعارضة أن تكون راضية !؟

هل فعلا تم تعزيز حكومة الكفاءات كما تصف الاغلبية نفسها، بكفاءات جديدة؟

التعديل، كما رأيناه، يثير تخوفات حقيقية حول مصير المرفق العمومي، لا سيما في الصحة والتعليم. ولقد تابعنا كيف استقبل الرأي العام في مواقع التواصل الاجتماعي بعض التعديلات التي طرأت على الوجوه والبروفايلات.

النساء والرجال الذين التحقوا بالحكومة، في نسختها الثانية، سيحكم قريباً على أدائهم الرأي العام، وسيواجهون أسئلة المعارضة وانتقاداتها، كما سيجدون أمامهم ملفات عالقة كثيرة، سنرى قريباً كيف سيدبرونها.

لقد قلتُها في لجنة المالية مؤخراً، وسأكررها اليوم: الكفاءات التقنية والإدارية تزخرُ بها إداراتنا ومؤسساتنا وكل القطاعات. وهي كفاءات مشهود لبعضها عالميا. لكن ما ينقص الأغلبية على وجه الخصوص هو الكفاءة السياسية، مع استثناءات قليلة بالطبع.

الكفاءة السياسية هي القادرة على بلورة الاختيارات من بين السيناريوهات التي تعدُّها الكفاءات التقنية. الكفاءة السياسية هي التي لديها الشجاعة لاتخاذ قرارات والخروج إلى الرأي العام للإقناع بها، الكفاءة السياسية هي التي لها من التمرُّس والتجربة ما يجعلها مؤهلة للتعامل مع الصعوبات والأزمات، عبر التفاوض والحوار وبلورة الحلول الوسطى. الكفاءة السياسية هي القادرة على إجراء حوارات كبرى مع المعارضة في إطار الاحترام المؤسساتي.

لكن، الرأي العام شاهد على أننا أمام حكومة هي من أضعف الحكومات التي تعاقبت، حيث بعض الوزراء يجدون صعوبة حتى في قراءة ما كُتِبَ لهم من طرف تقنيي وإداريي قطاعاتهم، وبالأحرى إجراء حوارات ونقاشات عمومية. هذا الأمر لا أقوله لأنني في المعارضة. هذه حقيقة يلمسها المواطنون يوميا، وهي أمر محزن ومؤلم وغير مشرِّف للفضاء السياسي الذي ننادي بإعادة الاعتبار إليه وإعطائه المكانة اللائقة به. لا أخفيك سراًّ أنه أحياناً أشعر بالشفقة على بعض الوزراء في الحكومة، وكم من مرة تراجعتُ عن الدخول في مناقشة أو مجادلة وزير أو وزيرة، لأنني أعلم علم اليقين أن الجدوى السياسية والتواصلية من ذلك تكادُ تكون منعدمة، كما لو أنني أمام رجل إدارة وليس أمام مسؤول سياسي من المفروض أن يكون متحكماً في معطياته وتوجهات قطاعه ومسؤولاً حقيقيا عما يجري في وزارته. طبعاً، أكرر أن هناك استثناءات تؤكد القاعدة.

ماهي  الملفات الحارقة الواجب الانكباب عليها لحلها لتجنب الاحتقان الاجتماعي؟

أول ملف عام يهمُّ كل الأسر المغربية هو غلاء الأسعار، بارتباط مع القدرة الشرائية التي تدهورت بشكلٍ غير مسبوق في عهد هذه الحكومة. وحتى حينما تحسنت أسعار المواد الأولية والاستهلاكية في الأسواق الدولية فإن الأسعار في الأسواق الوطنية لم تعد إلى طبيعتها. بمعنى أننا أمام استغلال البعض للوضعية من أجل فرض تطبيعٍ مع الغلاء. وهذا أمر غير مقبول نهائيا.

الحكومة تقول إنها خفضت التضخم إلى 1% إلى 1.7%، لكن يجب أن تقول لنا عن أي تضخم تتحدث، يعني عن أي مواد وخدمات تتحدث. فما يعرفه الجميع هو أن الرقم الاستدلالي عند الاستهلاك الذي تصدره المندوبية السامية للتخطيط لا يزال مرتفعاً رغم بعض التحسن الطفيف.

الملف الثاني والأكثر استعجالاً هو أزمة كليات الطب. نتمنى للوزيرين الجديدين أن يجدا سريعاً صيغة مُرضية للجميع، وعدم فرض 6 سنوات على الأفواج التي ولجت وتعاقدت على أساس 7 سنوات.

وملفات أخرى عديدة لا تزال تتأرجح في دهاليز الحكومة، من بينها: السيادة الغذائية والطاقية؛ إصلاح جودة المدرسة العمومية؛ المستشفى العمومي؛ معالجة نقائص واختلالات التغطية الصحية والدعم المباشر، من حيث المؤشر، والاستدامة المالية، على وجه الخصوص.

كذلك، هناك إشكالية العدالة المجالية والتفاوتات الصارخة اجتماعيا وترابيا، طبعاً إلى جانب تمويل الأوراش الضخمة المفتوحة، على صعيد البنيات التحتية وعلى المستوى الاجتماعي.

ومن الملفات التي ننتظر فيها تحرك الحكومة هي الحوار الاجتماعي، خاصة من حيث البيئة التشريعية للشغل وللحقوق النقابية (قانون الإضراب؛ مدونة الشغل؛ قانون النقابات).

كيف ستساهمون في حل ” بلوكاج” القانون التنظيمي للإضراب، علما ان النقابات اتهمت البرلمان بعرقلة المناقشة والتصويت، هل هذا صحيح؟

بالنسبة لنا في حزب التقدم والاشتراكية، الأمر واضح جدا: أولا على الحكومة الالتزام بتعهداتها بإخضاع مشروع القانون التنظيمي للإضراب إلى تفاوض وحوار مع النقابات، بما يجعل الأمر أكثر إنضاجاً. ثانيا: من حيث المضمون نحرص على أن يكون النص متوازناً وحقوقيا ومنتصراً للطبقة العاملة وحقها الإنساني والدستوري في الإضراب مع ضرورة توسيع المفهوم. ثالثاً: نعتقد أن توصيات المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي وتوصيات المجلس الوطني لحقوق الإنسان تشكلان أرضية جيدة للحوار وللتعديل. وهذا الأمر هو ما  تعلن الحكومة أيضاً الاتفاق معه. رابعاً: نحن فريق في البرلمان، ومهمة البرلمان الأولى هي التشريع، ولأننا نعتبر تأطير الحق في الإضراب أمراً هاماًّ، فإننا نتحمل مسؤوليتنا كاملة، وسندافع عن وجهة نظرنا من داخل النقاش البرلماني. فمؤسسة الحوار الاجتماعي مهمة، لكن مؤسسة البرلمان أساسية ومحورية في البناء المؤسساتي والدستوري الوطني. والذكاء الجماعي يفترض أن نجد الصيغ الملائمة لكي يعبر الجميع عن صوته ووجهة نظره، سياسيا أو نقابيا، في الفضاء المناسب الذي يتواجد فيه، دون تعسف أحدٍ على آخر. فغايتنا هي الخروج بنص متقدم يتجاوز أعطاب النص الحالي. وعلى الحكومة أن تلتزم بتعهداتها مع البرلمان، وكذا الإنصات إلى الفضاء النقابي والتفاعل إيجاباً مع مقترحاته.

ما هو رأيك في من ينتقد أحزاب وفرق المعارضة بأنها ضعيفة؟

بالعكس تماماً، فريقُنا، وعدد من مكونات المعارضة، أقوى بكثير من الحجم العددي. من يتحدث عن الضعف، فهو إما متحامِل، أو يجهل مبادراتنا ومبادرات باقي مكونات المعارضة، أو أنه يتمنى معارضة شعبوية “كا تشيّْر”. نحن معارضة وطنية بناءة ومسؤولة وواعية بتحديات بلادنا وبمكاسبها وبالإكراهات. نقوم بالتنبيه، وبالاقتراح، والمساءلة، في إطار النقد الجاد، ولا نجد أي حرج في تسجيل الإيجابيات.

آلاف الأسئلة قدمناها، وعشرات مقترحات القوانين، وطلبات اللجان النيابية، والمهام الاستطلاعية، واستعملنا كل الآليات البرلمانية التي يتيحها لنا الدستور والنظام الداخلي.

البعض ينتظر منا أكثر، وربما كان منتظراً أن يكون تنسيق مكونات المعارضة أكبر. لكن نعتقد أن أكبر مشكلة هنا هي تجاوُب الحكومة الضعيف مع مبادراتنا، مما يُفقد العمل المؤسساتي ذلك الزخم المطلوب. ومرة أخرى أقول إن الأغلبية الحكومية ملزمة بالتنسيق، أما المعارضة فليست مقيَّدَة بميزانية ولا بتدبير ولا بميثاق، ونتعامل مع الأمر بأريحية، حيث نتعاون في المشترك كلما كان هناك مشترك فعلاً، ويحتفظ كل واحد لنفسه بالمسافة الضرورية في القضايا التي ليس فيها تطابُقٌ لوجهات النظر.

كرئيس فريق تحضر في العديد من اللجان البرلمانية الدائمة كيف السبيل لانهاء الخلل في مجال مناقشة مشروع قانون مالية 2025 والميزانيات القطاعية بسبب ازدحام أجندة العمل؟

فعلاً، هذه مشكلة أساسية،  فليس هناك توازُن بين الحكومة والبرلمان، من حيث الوقت والإمكانيات والموارد البشرية، في التعامل مع مشروع قانون المالية، وما يرافقه من معطيات كثيفة وكثيرة وهامة، ومن ميزانيات قطاعية وفرعية، وكل ذلك تكون لدينا فيه فترة قصيرة، كبرلمانيين، للاطلاع عليه، واستيعابه، ثم إعداد تدخلاتٍ وتعديلات في شأنه.

أعتقد أن هذا الوضع يجب أن يتغير. بصدق، ليست لدي حلول جاهزة في الموضوع، لكن يمكن معالجة ذلك عبر حوار هادئ وعميق وطويل النَّفس، ينصَبُّ على القانون التنظيمي لقوانين المالية وعلى النظام الداخلي لمجلس النواب في هذه النقطة بالذات، على وجه الخصوص.

لكن، من إيجابيات محطة مشروع قانون المالية هي أنها تعطينا مادة مهمة نستعملها ليس فقط في مناقشة المشروع، بل لمدة طويلة تمتد لشهور، لمساءلة مختلف السياسات والأرقام والمعطيات.

ومن الواجب تعزيز البرلمان بطاقات وخبرات إدارية إضافية متخصصة في المالية العمومية والاقتصاد، لمساعدة ممثلي الأمة على التعاطي الناجع مع الموضوع.

ماهي القضايا الأكثر إثارة للنقاش في مشروع قانون مالية 2025؟

بكل تأكيد، مناقشة مشروع قانون المالية لحظة سياسية ودستورية مهمة، لأنها تداوُلٌ في المصير الاجتماعي لملايين المغاربة، وفي مستقبل الاقتصاد الوطني والنسيج المقاولاتي، خاصة ونحن في بداية العدِّ العكسي لانتهاء الولاية الحالية، وبعد فشل ثلاث سنوات من عمل هذه الحكومة.

على العموم، ورغم بعض إيجابيات المشروع، على صعيد الاستثمار العمومي؛ ومواصلة الرفع من اعتمادات قطاع الماء؛ ورفع ميزانية ومناصب الشغل الصحة؛ والإصلاح الجزئي للضريبة على الدخل؛ يظل المشروع  متواضعاً ومِن دونِ نَـــــفَسٍ إصلاحي أو إبداعٍ سياسي، ولا يرقى إلى أنْ يشكِّـــــلُ عاملاً لاستعادة الثقة، ولا جواباً شافياًّ على الصعوبات الاقتصادية والمعضلات الاجتماعية.

طبعاً، التوجُّــــهات العامة لمشروع قانون المالية لا اختلاف عليها كعناوين، لكن هل تنعكس فعلاً في شكل إجراءات كافية؟ أعتقد: لا. لماذا؟

لأن الحكومة تُوهِمُ الرأي العام بأن كل شيء هو أولوية بالنسبة لها، وهذا أمرٌ مستحيل. كما أنها تبدو عاجزة عن التدبير المرن والمبتكِر لتداعيات السياقات الدولية التي تستلزم التركيز على سيادتنا الاقتصادية. وتركِّز الحكومة للأسف على صعوبات الوضعية أكثر مما تركِّز على الفرص، وذلك وفق خطابٍ تبريري لا يليق بحكومة بلدٍ طموح وصاعد.

من حيث التشغيل، فهو الفشل الأكبر للحكومة، إذ وصلت البطالة أرقاماً قياسية دون تدابير حكومية واضحة. أما من حيث الاستثمار، فلا جديد في الأفق، والميثاق الجديد للاستثمار هو فقط على الورق بالنسبة للمقاولات الصغرى والمتوسطة، ومردودية التشغيل ضعيفة جداًّ. أما في مؤشرات مناخ الأعمال فهناك تراجعات خطيرة.

كذلك، البُعد الديموقراطي يظل الغائب الأكبر في أجندة الحكومة، بفقرة يتيمة وذائبة في مشروع قانون المالية.

أما الفرضيات الأساسية للمشروع فهي مضخَّمة، إذ كيف يُعقل أن نسبة النمو المتوقعة عالميا هي في حدود 3% ولدى الشريك الأساسي أوروبا في حدود 1%، في حين تذهب فرضيتنا إلى 4.6%؟

من جهة أخرى، المشروع يكرر نفس الالتزامات الواردة في البرنامج الحكومي، وهذا يتناقض مع خطاب الحكومة التي تقول إنها حققت كل شيء.

وبالنسبة لغلاء كلفة المعيشة، هناك محدودية أثر الإجراءات، واستفادة قلة من المستوردين الكبار من الأزمة (مثلاً 277 مستورد استفادوا، بشكلٍ مباشر أو غير مباشر، من 13 مليار درهم لاستيراد الأبقار والأغنام دون أثر إيجابي على المواطن).

فيما أن كلفة الحوار الاجتماعي المحترمة يُرافقها منطق المقايضة مع الأُجراء من طرف الحكومة. وأيضاً ورش الحماية الاجتماعية لا تزال تتخلله اختلالات على مستوى العتبات والمؤشر وعلى صعيد ضمان التمويل المستدام.

في حين أن الدعم الاجتماعي المباشر، ارتفاع أعداد المستفيدين منه ليس إنجازاً للحكومة بل دليل صارخ على تعمٌّق الفقر في عهدها؛
وبالنسبة للتغطية الصحية ولدعم السكن، يُطرح السؤال عريضاً حول من هم المستفيدون الفعليون؟ وكم عددهم الفعلي؟ لأن الحكومة بعيدة عن تحقيق الأرقام المعلنة وعن تحقيق العدالة المجالية بهذا الشأن.

أيضا، سجلنا في مشروع قانون مالية 2025 فوارق شاسعة بين الأرقام المعلنة فيما يتعلق بتأهيل مناطق زلزال الحوز وبين المنجز المتواضع (حيث 24 مليار درهم المعلنة ليست هي 9 مليار المحققة فعلاً).
وعلى مستوى استدامة المالية العمومية، هناك ضرورة حقيقية لتوخي اليقظة والحذر إزاء المديونية العامة، إذ تقول الحكومة إن المديونية هي 69.5% من الناتج الداخلي الخام، لكننا نقول إنها تجاوزت 86% لأنه يتعين احتساب ديون المؤسسات والمقاولات العمومية.
وسنظل نُطالب، من جهة أخرى، بالإصلاح الضريبي العادل والشامل، لا سيما من حيث تضريب الثروات غير المنتجة والتضريب الملائم للقطاعات الكبرى التي توجد في وضعية شبه احتكار، مع مزيد من تخفيف العبء الجبائي على الدخول المحدودة والمتوسطة.