تعقيب أحمد العبادي عن فريق التقدم والاشتراكية على رئيس الحكومة حول موضوع السياحة.

 

تعقيب فريق التقدم والاشتراكية

في الجلسة الأسئلة الشهرية للأسئلة المتعلقة بالسياسة العامة الموجهة إلى السيد رئيس الحكومة، حول موضوع:

الاستراتيجية السياحية لبلادنا

 

السيد رئيس مجلس النواب، السيدات والسادة النواب والوزراء؛

السيد رئيس الحكومة المحترم؛

يُشرِّفُـــني أن أتناول الكلمة، باسم فريق التقدم والاشتراكية، في هذه الجلسة الرقابية. ونتمنى أن يتَّسِعَ صدرُكم، هذه المرة، لانتقادِ المعارضة البنَّاء، لأنَّ ذلك من صميمِ الممارسة الديموقراطية.

طبعاً، موضوعُ هذه الجلسة هو مناقشةُ السياحة، بما ترتبطُ به من أوضاعٍ اجتماعية واقتصادية وحقوقية، بعيداً عن أيِّ مقاربةٍ قطاعية ضيِّقَة تَسقُطُ بها الحكومةُ في منطقِ الرضى المفرطِ عن الذات، المتناقِضِ مع واقِعِ المواطناتِ والمواطنين الذين يَـــــــــئــــــنُّـــــونَ تحت وطأةِ الغلاء والبطالة، والـــــــمُتنافي مع واقع المقاولات المغربية، خاصة منها الصغرى والمتوسطة، التي تُعاني وتُفلْسُ بالآلاف.

على أساس ذلك، ومن مُنطلق الموضوعية، لا يُمكنُ سوى تسجيلُ الانتعاشِ الملحوظِ لمؤشراتِ أداء سياحتنا، بعد جائحة كوفيد 19.

لكن، دَعُونَا نكونُ صُرحاء فيما بيننا: فباستثناء 2 مليار درهماً التي تمَّ رَصدُها لهذا القطاع لتجاوز تداعيات الجائحة، فالــــمُنجز في السياحة لا يَــــعودُ إلى مجهودٍ خارق أو مُبتَكِر للحكومة، لا سيما من حيثُ استثمار المؤهلات الهائلة لبلادنا، طبيعيا وثقافيا وحضاريا وتراثيا وفنياًّ؛

بالأحرى، فالــــمُــــــــنجز هو نتيجةٌ طبيعيةٌ للمجهود الذاتي للفاعلين فــي مجال السياحة؛ ولسياقاتٍ موضوعية، نَحمدُ اللهُ عليها، ولا علاقةَ لهذه الحكومةِ بمُعظمها. ولذلك فقد كان من الممكن تحقيقُ نتائج أفضل بكثير لو كُــــــنَّا فعلاً أمامَ حكومةٍ كُفؤَة سياسيا أو ناجعَةٍ تدبيرياًّ.

وهنا لا بدَّ من الإشارة إلى عاملِ الإسهام الترويجي، الهائل، للإنجاز الرياضي الذي بَصَمَ عليه منتخبُنا الوطني في مونديال 2022. كما لا بدّ من استحضارِ عاملِ انتعاش السفر والتنقُّل ما بعد كورونا، وخاصة لمغاربة العالَم، اللذين نتساءلُ عن أيِّ منطقٍ غريبٍ تَستعملُهُ هذه الحكومةُ لاحتسابهم ضمن أرقامِ السُّيَّاح، لا سيما عندما يزورون وطنَـــهُم الأم ويُقِيمُون لدى أُسرهم.

السيد رئيس الحكومة؛

الصناعة السياحية ميدانٌ عَرَضَاني له علاقةٌ بمناصب الشغل، ولكنَّ نسبةَ بطالة الشباب في عهد حكومتكم تقتربُ من 40%؛

وله علاقةٌ بالمقاولة، وقد أفلست في ثلاث سنوات حواليْ 40 ألف مقاولة؛

وله علاقةٌ بالاستثمار الذي يُعاني من مظاهرِ الريع والاقتصاد غير المهيكل، ومن تضارُبِ المصالح، حيث تراجعت جُلُّ مؤشراتِ مناخ الأعمال، بشهادةِ مؤسساتٍ وطنية رسمية؛

وللسياحية الداخلية، أيضاً، علاقةٌ بكُلفة المعيشة التي تُواصِلُ ارتفاعَها بسبب الغلاء الفاحش للأسعار، إلى درجة أنَّ 81% من الأسر المغربية تَدَهوَرَ مستوى معيشتِها حَسَبَ ال HCP؛

وله علاقةٌ بأوضاع التعليم والتكوين، لكن 4.3 مليون شاب يُوجدون في وضعية NEET؛ و300 ألف تلميذ يُغادرون سنويا المدرسة؛ وأكثر من رُبُعِ مواطنينا هُمْ في وضعية الأمية؛

كما أن الجذبَ السياحي له ارتباطٌ بأجواء الحريات والحقوق والديموقراطية؛ وبمدى اهتمامِ الحكومةِ بالصحة؛ والثقافة والفنون والإعلام؛ وبالصناعة التقليدية؛ والنقل؛ والبِنياتِ التحتية والتجهيزات والخدمات الأساسية؛ وبالبيئة؛ والرقمنة؛ وبالعدالة المجالية.

وهي كلها مجالاتٌ تنمويةٌ راكَمَت فيها بلادُنا مكتسباتٍ هامَّة، على مدى عُقود، لكنها مكتسباتٌ يُخشى أن تَستمرَّ في التآكُلِ في عهد هذه الحكومة التي يتعين أن تتحلَّى بما يلزمُ من التواضُعِ على قَدْرِ تَواضُعِ نتائجِهَا، بدلائل وأرقام دامغة، كما هو الشأن بالنسبة لادِّعائها تحقيقَ تعميمِ التغطية الصحية، في حين أنَّ حواليْ 8.5 مليون مغربي ومغربية لا يستفيدون فعلياًّ من أيِّ ضمانٍ صحي.

نعم، السيد رئيس الحكومة، لا نُنكِرُ ما تُحقِّقُه السياحة من نتائج، لكن تَصَوَّروا كَمْ كانت ستكونُ النتائجُ مُبهِرَة لو أنَّ الحكومةَ كانت ناجحةً فعلاً في حُسن استثمار ما اجتمَعَ في المغرب وتَفَرَّقَ في غيره من مؤهلاتٍ رائعةٍ، من قبيل: المناعـةُ والاسـتقرارُ المؤسسـاتي؛ والموقـعُ الجغرافـي الاسـتراتيجي؛ والتنوُّعُ الثقافي؛ والعُمق الحضاري؛ والطبيعةُ المِضيافة والمنفتِحَة للشعب المغربي.

إن النشــاط الســياحي يُعاني من تركيــزٍ ثُلاثي الأبعاد: تركيزٌ حســب بَلَــدِ القُدُوم، وتركيزٌ حســب المدن والوِجهــات المستقبِلَة، وتركيزٌ حســب المواسِم والفُصول.

كما يُعاني القطاعُ السياحي من صعوباتِ وُلُوجِ المقاولات إلى التمويل؛ ومن ضُعف التوطين الترابي للمشاريع السياحية؛ ومحدودية التعاقد مع الجهات؛ ومن الخصاص في الموارد البشرية المؤهَّلة. كما أنه، غالبا، ما تتسمُ مناصــبُ الشغل في القطاع السياحي بالهشاشــة والموسمية وهزالــة الأجور وضُعف الحماية الاجتماعية.

نعم، السيد رئيس الحكومة، هناك تقدُّمٌ في قطاع السياحة، الذي يُساهِم في الناتج الداخلي الخام في بلادنا بنحو 7%، علماً أنَّ المعدل العالمي هو 10%، بما يعني أنَّ طريقَنا لا يزالُ مليئاً بالتحديات.

أيضاً، مهما كان المجهودُ الذَّاتي للقطاع الخصوصي من أجل النهوض بالسياحة، ولو في ظل ميثاق الاستثمار الجديد، فإنَّ نتائجَ ذلك تظل رهينةً بالاستثمار العمومي في البنيات التحتية بجميع جهات ومناطق بلادنا، وبالشفافية والمنافسة الشريفة، كما وَرَدَ ذلك في النموذج التنموي الجديد الذي وضَعَتْهُ الحكومةُ فوق الرفوف.

وهي فرصةٌ لكي ندعوكم، السيد رئيس الحكومة، إلى عدم الاكتفاء فقط بدعم المشاريع السياحية الكبرى؛ وإلى العناية أيضاً بالمشاريع السياحية والترفيهية المستدامة والصُّغرى، أساساً في المناطق ذات الخصاص التنموي.

لكن يجب أن يتم ذلك دون استغلال انتخابوي لبرامج الدعم العمومي، لا في السياحة، ولا في الفلاحة، ولا في التشغيل ودعم المشاريع المقاولاتية الصغرى، والتي يتعين أنْ تُحاطَ بأقصى درجاتِ الشفافية والحياد والموضوعية، حتى يستفيد كلُّ من يستحقُّ الدعم العمومي، مُواطناً كان أو مقاولة، دون أيِّ اعتباراتٍ ترتبط باستحقاقات 2026.

ومن حيث السياحة الداخلية، من واجبِ الحكومة أن تقطعَ مع النظر إلى الإنسان المغربي على أنه زبونٌ عارِضٌ أو بديلٌ فقط.

لذلك، على الحكومة أنْ تعمل على انبثاق عرضٍ سياحي داخلي يتلاءم مـع القـدرة الشـرائية للمغاربة، دون إغفال ضرورةِ تطويرِ السياحة الاجتماعية وتطويـر المـآوي الموجَّهـَة للطلبة والشـباب.

وعلى الحكومة، عوض التحجُّج بحرية الأسعار والسوق، أن تُعالجَ وتراقبَ، بحزمٍ، فوضى أثمنة وجودة الخدمات السياحية. كما ينبغي عليكم تأطير وتقنين المنصات الرقمية التي تشتغل في تقديم العروض السياحية.

هذا مع إثارتِنا الانتباه إلى كونِ عدد متصاعد من أفراد الطبقة الوسطى صارت تفضِّلُ قضاء عطلها في بعض الوِجهات السياحية الخارجية، ليس على سبيل التَّــــرَف، ولكن بسبب تنافسية الأسعار بارتباطٍ مع جودة الخدمات.

السيد رئيس الحكومة؛

إنَّ كُــــلَّ جزءٍ من تراب مغربِنا العزيز يتمتع بمؤهلاتٍ رائعة. لذلك، فإنه غيرُ مقبولٍ من حكومتِكُم أن تستمرَّ في تجاهُلِها لمسألة التفاوتات المجالية، إذ أنه لتوطين المشاريع السياحية، ولاستقطاب السياح، في مناطق بعضُها لا يزورُها أحد على مدارِ السنة، على الحكومة أنْ تلتفِتَ إلى المجالات الترابية حيثُ لا يوجد الريزو، ولا تتوفر على الطرق والمسالك الضرورية، وإلى الجهاتِ حيثُ لا يُوجد طريقٌ سيَّار ولا يَصِلُها قطار. بل وحتى في المدن السياحية هناك حاجة مُلِحَّةٌ لتحسين خدمات النقل بجميع أنواعه.

وهي مناسبةٌ لكي ندعوكم إلى معالجة تعثرات وتأخر تنفيذ برنامج التأهيل العام لمناطق زلزال الحوز، وكثيرٌ منها مناطقُ سياحية بامتياز.

السيد رئيس الحكومة؛

إنه بالإمكان جعلُ السياحة محرِّكاً تنمويا حقيقياًّ بتأثيرٍ إيجابي أكبر، بما يَسـتجيبُ لمتطلبـات المنافسـة العالمية.

ولذلك، فإنه باتَ من المُلِحّ معالجة النقائص المسجَّلَة، بما في ذلك تحفيز مشاريع السياحة، وفق حكامةٍ جيدة، لا سيما بالنسبة للمقاولات السـياحية الصغيـرة جـدا والصغـرى والمتوسـطة (ومن هنا ضرورة التسريع بإخراج مرسوم دعم هذا الصنف من المقاولات التي تشكل نحو 93% من النسيج المقاولاتي الوطني).

السيد رئيس الحكومة؛

اليوم، تُوجد أمام بلادِنَا فرصةٌ هائلةٌ، هي تنظيم مونديال 2030، لكي نُظهِرَ للعالَم صورةَ مغربٍ بمؤهلاتٍ مميَّزَة، على مستوى البنيات والتجهيزات الأساسية، في كافة المجالات الترابية ببلادنا، بما فيها المناطق النائية ذات الخصاص التنموي.

ونتطلع، كذلك، إلى أن يكون هذا التحدي فرصةً لوضع بلادِنا في أعلى المراتب، على مستوى الممارسة الديموقراطية، وعلى صعيد الحقوق والحريات، وعلى مستوى قوة وشفافية الاقتصاد الوطني وتطوُّر قدراته الإنتاجية، كما على مستوى تأهيل الانسان المغربي والعناية بأوضاعه الاجتماعية، خاصة من حيث فِعلية وعدالة الولوج إلى تعليمٍ وصحة يتميزان بالجودة.

هكذا يمكننا الارتقاء بالسياحة وبجميع المجالات الأخرى.

وشكراً.