مداخلة الرفيقة نادية تهامي، في مناقشة عرض السيدة الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات أمام البرلمان، حول أعمال المحاكم المالية برسم 2023 – 2024.
تدخل
السيدة النائبة نادية تهامي، باسم فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب
في الجلسة العمومية المخصصة لمناقشة
تقرير المجلس الأعلى للحسابات برسم 2023-2024
السيد الرئيس؛ السيدات والسادة الوزراء؛ السيدات والسادة النواب؛
يُشرفني أن أتناول الكلمة، باسم فريق التقدم والاشتراكية، في هذه اللحظة الدستورية الهامة، على أساسِ أنَّنا نَضَعُ هذا النقاش في إطار مستلزماتِ الإقرار التام للشفافية والنزاهة، وتحسينِ نظامِ الحكامة، وتوطيدِ دولة الحق والقانون، وتنقيةِ مُناخِنا العام من كل الممارسات السلبية أو الفاسِدة التي تُضِرُّ بمسارنا الديموقراطي والتنموي، على حدٍّ سواء؛
ونحنُ نقومُ بذلك، فإننا نستحضرُ، بتقدير، الأدوار المتعددة والأساسية للمحاكم المالية، بأُطُرها المحترمة؛
كما نستحضر انتظاراتِ دافِعِي الضرائب، وأساساً فيما يرتبطُ بالترسيخ الفعلي لثقافة ومبدأ ربط المسؤولية بالمساءلة، وفيما يتعلقُ بجعل السياسات والبرامج والتدابير العمومية لها أثرٌ إيجابي حقيقي وملموس على المواطن المغربي؛
في هذا السياق، وتفاعُلاً مِنَّا مع بعض خلاصاتِ الأعمال ذات العلاقة بتجويد أداء التدبير العمومي وتقييم البرامج والمشاريع العمومية، لا سيما من حيثُ وَقعُها العملي؛
فإنه لا بدَّ من أنْ نجدد تنبيهنا الحكومة إلى الخطورة البالغة التي يَنطوي عليها إصرارُ الحكومة على تجاهُلِ مظاهــــر الاحتقان الاجتماعي المتصاعِد والصعوبات الاقتصادية الكبيرة، وعلى رفضها الممنهج اتخاذَ ما تتطلبُهُ الأوضاعُ من إجراءاتٍ قويةٍ وملموسة لمواجهة غلاء كُـــلفة المعيشة وارتفاع الأسعار، وتدهور القدرة الشرائية لعموم المغاربة، والتفاقُمِ غير المسبوق لمعدلات البطالة، وتزايُدِ الفقر، وغلاءِ الأسعار، وتراجُع القدرة الشرائية، بالنسبة لعموم المغاربة، وخاصة للفئات المستضعفة والطبقة المتوسطة، وللأجراء تحديداً؛
كما نجدد إثارتنا انتباهَ الحكومة إلى ضرورة النهوض الحقيقي بالاقتصاد الوطني والاستثمار، ودعم المقاولات الوطنية، وخاصة منها الصغرى جدا والصغرى والمتوسطة.
وبهذا الصدد، نستغربُ لكون الحكومة، أمام الأوضاع الصعبة اقتصاديا واجتماعيا، تستمرُّ في مُراكمة سُـــلوكِ التطبيع مع الريع والاحتكار والفساد وتضارُبِ المصالح، وخِدمة مصالح فئة ضيقة لوبيات المال على حساب عموم المواطنات والمواطنين؛
وذلك علاوةً على استغلال بعض مكونات هذه الحكومة لبرامج ووسائل عمومية، في تسابُقٍ انتخابوي سابق لأوانه، وبأساليب غير مشروعة، بما يتنافى مع متطلبات الحكامة الجيدة، ومع مستلزماتِ حياةٍ ديموقراطية سليمة؛
كما تُواصِلُ الحكومةُ، للأسف، اجترارَ ضُعفها السياسي والتَّواصلي، وممارساتها التراجعية والمنافية لمبادئ الدستور والديمقراطية، حيث لم تكتفِ بتبني خطاب الاطمئنان والرضى المفرط عن الذات، وادعاء تحقيق نجاحاتٍ وهمية على الصعيد الاجتماعي، بل تسعى متغولةً بأغلبيتها العددية، وبأساليب مختلفة، إلى محاولة تكميم الأفواه، عبر التهديد والتضييق والانتقام من الأصوات المعارِضة. وهي توجُّهاتٌ تُعاكِسُ مُكتسباتِ بلادنا على صعيد الحريات، وعلى مستوى البناء الديموقراطي والمؤسساتي والحقوقي.
من جهة متصلة، لا يتسع الوقتُ للتفاعل التفصيلي مع كل محاور العرض القيِّمِ الذي نحن بصدد مناقشته، اليوم، لكن مع ذلك، من الضروري الإدلاء بملاحظاتٍ وَلَوْ مُقتَضَبَة:
فَفِيمَا يتصل بمسألة الماء: إلى جانب تعزيز العرض المائي، حيث نثمِّنُ توفير الموارد المالية لتسريع إنجاز المنشآت المائية المختلفة، فإنه يتعين على الحكومة تَحَمُّل مسؤوليتها كذلك لجعل مواردنا المائية القليلة في خدمة الأمن المائي والغذائي أولاً، من خلال ضبطِ الطلب، لا سيما عبر مواجهة ظاهرة سرقة المياه، ووقف نزيفِ المخزون الاستراتيجي للمياه الجوفية، والحدِّ من الزراعات المستنزِفَة للماء التي غالبُــــها مُوَجَّهٌ للتصدير، مع ضرورة عقلنة توسيع دوائر الريّ، وترشيد استخدام مياه السقي الفلاحي، إذْ لم تتجاوز المساحة الزراعية المجهَّزة بأنظمة السقي الموضعي 50% من إجمالي المساحات المسقية، دون إغفال ضرورة تقليص التَّسرُّبات الهائلة في شبكات نقل المياه.
وعلى مستوى منظومة الاستثمار، فإنه من المقلق فعلاً تسجيلُ المجلس الأعلى للحسابات أنَّ تنفيذَ استراتيجية تحسين مناخ الأعمال لم يتجاوز 31%. وهو ما يؤكد التراجعات في مؤشرات الشفافية والمنافسة الشريفة، التي سجلتها مؤسساتٌ وطنية رسمية أخرى. وهو أيضاً ما يفسر انكماش الاستثمار الخصوصي؛
كما نتساءل مع المجلس الأعلى للحسابات عن مآل التعاقد الوطني للاستثمار الذي من شأنه إضفاءُ الطابع الإلزامي على التزامات الأطراف.
ونتساءل، أيضاً، عن السبب الحقيقي الذي جعل الحكومة تمتنعُ لحدِّ الآن عن إخراجِ المرسوم المتعلق بأنظمة دعم المقاولات الصغرى والصغرى جدًّا والمتوسطة، والتي تشكل 93% من النسيج المقاولاتي لبلادنا. وذلك في الوقت الذي يجري فيه تناوُلُ الرأي العام، على نطاقٍ واسع، لدعمٍ وامتيازاتٍ وصفقاتٍ ضخمة تنطوي على تَــــضارُبٍ صارخٍ للمصالح، كما هو الشأن بالنسبة لصفقة محطة تحلية مياه البحر بالدار البيضاء، لكن دون جوابٍ واضحٍ ومُقنِع وشَافٍ من الحكومة ورئيسِهَا.
أما فيما يرتبط بمنظومة الصحة، فإننا نؤكد، مرة أخرى، على أن نجاح الحكومة في تعميم التغطية الصحية لا يتجاوزُ حدودَ الجوانب الإدارية، علماً أننا، في المعارضة، تحمَّلنا مسؤولية تيسير استكمال الترسانة القانونية ذات الصلة.
غير أنَّ الواقع، اليوم، يبيِّن أن أزيد من 8 ملايين مواطن هم خارج التغطية الصحية، وعددٌ كبير من الأسر فُرِضَ عليها أداء الاشتراك بفِعلِ المؤشر الإقصائي والمُجحف، رغم أنهم غيرُ قادرين اجتماعيا على الأداء.
وحتى المؤَمَّنُون وذوو الحقوق فَهُمْ يتحملون أكثر من نصف كلفة العلاج، أساساً بسبب الغلاء الفاحش لأسعار الأدوية وضُعف الاعتماد على الأدوية الجنيسة.
وعلاوةً على ذلك فالأرقام تَدُلُّ على تحريف التغطية الصحية عن أهدافها الاجتماعية الأصلية والنبيلة، لفائدة مصالح بعض لوبيات المِصحات الخاصة التي تنتشرُ مثل الفِطر، وتستنزف معظم موارد صناديق التغطية الصحية المهدَّدَة في استدامتها وتوازُنها.
وفيما يتصلُ بالإصلاح الجبائي، فإننا نُجدِّدُ مُطالَبَتَنا بضرورة محاربة الغش والتملص الجبائيين، وإنجازِ تقييمٍ حقيقي لإجراءاتِ إصلاح الضريبة على الشركات وعلى القيمة المضافة وعلى الدخل، بما يُفضي إلى عدالةٍ ضريبية حقيقية، علماً أنَّ الأجُراء هُمْ من لا يزالوا يَحملُونَ عِبْءَ مُعظمِ الرصيد الجبائي.
كما ينبغي على الحكومة إنجازُ التقييم المنتظَر للأثر الاجتماعي والاقتصادي للامتيازات الضريبية؛ وكذا إجراءُ إصلاح الجبايات المحلية.
أما إصلاح الإدارة العمومية وورش التحول الرقمي، فَهُمَا نموذجان من نماذج الفارق الشاسع بين ادعاء الحكومة تحقيقَ منجزاتٍ غير مسبوقة، وبين الواقع الذي يبرهن على الإخفاق، حيث أن نسبة الخدمات المرقمنة لا تتجاوز 23%.
وعلى مستوى تقييم الاستراتيجية الوطنية في مجال محاربة الأمية، فإنه من الخطير أنَّ رُبُعَ مواطناتنا ومواطنينا لا يزالون يُعانون من آفة الأمية، رغم الملايير التي أُنفقت لفائدة الوكالة الوطنية لمحاربة الأمية.
هذه، فقط، بعضُ النقط، من بين أخرى، أردنا إثارتها تفاعُلاً مع التقرير. وهي مناسبة لنجدد دعوتنا إلى المجلس الأعلى للحسابات من أجل بذل جهدٍ أكبر في تثمين مظاهر التحسُّن في التدبير العمومي، وإبراز التجارب الناجحة، بما فيها بالنسبة للجماعات الترابية التي تشكل عِمادَ الديموقراطية الترابية.
كما نتطلع إلى أن تُحَــاطَ عمليةُ انتقاء المهام الرقابية بهاجس المردودية، وبمعايير يكون أساسها الأول هو تقديرُ مستوى المخاطر والرهانات المالية.
وشكراً.