حاوره : المهدي السجاري
لاحظنا خلال تشكيل النسخة الثانية للحكومة تفكيك بعض القطاعات الوزارية، ومنها السكنى والتعمير وسياسة المدينة. هل هذا الأمر حكمته ضرورة تدبير هذه القطاعات أم هو مجرد إرضاء للأطراف المتحالفة؟
بنعبد الله: أعتقد أن هذا الأمر غير مفهوم من الناحية المنطقية الصرفة والحكامة الجيدة. هذه المنظومة التي تجمع بين إعداد التراب الوطني وتهيئة المجال وسياسة المدينة والسكنى والتعمير تبقى متكاملة ومتراصة، ويصعب الفصل فيما بينها. إلى يومنا هذا فعدد من المتتبعين يخاطبونني بصفة وزير السكنى والتعمير وسياسة المدينة، كأنهم لم يستسيغوا هذا الفصل. أعتقد أن الأسباب لا ترتبط بترضية أحزاب سياسية بعينها في هندسة الحكومة الثانية، بل تعود إلى بعض الاختيارات وإن كنت أعتبر بأن هذا الأمر لا يستقيم من الناحية المنهجية.
ألم يؤثر هذا التفكيك على أداء الوزارة؟
بنعبد الله: أكيد لأنه فيما يتعلق بسياسية المدينة فالقيام بإصلاحات وإدخال هذا المفهوم الجديد في تدبير الشأن، فإن له أيضا إسقاطات مرتبطة بالتعمير حيث سيكون من الممكن أن تتم بلورة هذه السياسية بشكل أسهل لو كنا متحكمين في مجال التعمير بكامله. بخصوص مجال السكنى، فإيجاد أراضي معينة من أجل إيواء سكان مدن الصفيح أو غيرهم والتصرف فيها بحرية أكبر له ارتباط مباشر بالتعمير، وأعتقد أنه لما كانت الوزارة مجتمعة في قطاع الواحد كان من الأسهل التصرف في هذه المنظومة بكاملها. وخلاصة القول هو أنه يتعين أن يظل هذا الفضاء مجتمعا خلال التجارب الحكومية القادمة.
هل هذا إقرار من وزير السكنى والأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية بأن هذه الهندسة الحكومية لم تعط نتائج، خاصة أن التفكيك شمل التجهيز والتعليم والخارجية وقطاعات أخرى؟
بنعبد الله: أنا أتحدث عن هذا القطاع الذي أشرف عليها. بالنسبة لوزارة النقل والتجهيز واللوجيستيك فهناك وزارة ووزير منتدب تابع لنفس الوزير. أما بخصوص وزارة الخارجية فهذا أمر طبيعي، على اعتبار أن سي صلاح الدين مزوار يقضي أغلب وقته يتنقل بين دول العالم، وفي كثير من الحالات يتم عقد مؤتمرات في نفس الوقت، وبالتالي فمن الضروري أن يكون هناك وزير منتدب في الخارجية، وكثير من الدول تعمل بذلك. في عدد من التجارب نجد أقطابا وزارية كبيرة تحت مسؤولية وزير، وإلى جانبه يوجد وزراء منتدبون أو كتاب دولة، حيث نجد في إسبانيا حوالي 15 وزيرا أساسيا والباقي هم كتاب دولة يدبرون الملفات.
بالعودة إلى القطاع الذي تشرفون عليه، يلاحظ أن المغاربة غير راضين على واقع العقار، خاصة فيما يتعلق بالسكن الاجتماعي، فرغم تحقيق نوع من الإشباع إلا أن إشكالية الجودة لازالت مطروحة. كيف تقيم كوزير هذه الإشكالات؟
بنعبد الله: بكل صدق يتعين أن نُنًسِّب هذا الرأي. أولا اطلعت على تجارب في بلدان أخرى، ونادرة هي الدول التي لها نفس مستوى تطور المغرب واستطاعت أن تكون لها سياسة سكنية اجتماعية رائدة مثل بلادنا. خلال الأيام المقبلة سنستدعي الصحافة لنقدم بحثا حول كيفية تعامل الأسر المغربية مع الولوج إلى السكن، خاصة من حيث المناصفة والمساواة ووضعية المرأة. هذا البحث كشف أن هذه السياسة استطاعت أن تحسن الولوج إلى الخدمات الاجتماعية بالنسبة لعدد كبير من الأسر (5800 أسرة شاركت في البحث)، ووفرت التجهيزات المختلفة لفئات واسعة من المجتمع، وهو ما يعني أنها سياسة ناجحة من حيث الكم.
ماذا عن سؤال الجودة؟
بنعبد الله: كان بالإمكان أن تكون الجودة في مستوى أحسن. لذلك أقول، ونحن الآن في طور ربح معركة الكم، أنه علينا أن نحسن أكثر من جودة المنتوجات التي نقدمها، وأساسا فيما يتعلق بالسكن الاجتماعي. طبعا هذا المنتوج ليس متلاشيا تماما، إذ لا يجب أن نبالغ خاصة خلال السنوات الأخيرة حيث كان هناك حزم لتحسين عدد من البرامج، واليوم بدأنا نرى أن جميع المشاريع تتوفر على التجهيزات الأساسية، وليس هناك أي برنامج لا يتوفر، في الحد الأدنى، على خمسة أو ستة تجهيزات من قبيل مدرسة ودار للأمومة ومسجد وحمام ومستوصف وغيرها. المنافسة أيضا بين الخواص أو حتى مع المؤسسات العمومية تدفع إلى تجويد المنتوج، حيث نجد في بعض المدن سكنا اجتماعيا مساحته 70 متر مربع، في الوقت الذي يبقى غالبية العرض في حدود 50 ومتر، بل هناك من أصبح يجهز المطابخ. علاوة على ذلك فتقوية المراقبة حسنت نسبيا من المواد المستعملة والخدمات المقدمة ، لكن المشكل الكبير يرتبط بالمساحة. فمع الأسف أغلبية المنعشين العقاريين الذين لديهم اختيار بين 50 و80 متر مربع، يلجؤون إلى اعتماد المساحة الأصغر..
هذا الإشكال يجرنا إلى الحديث عن الذراع العقاري، فاليوم هناك بعض الملفات التي تثار حول تدبير “العمران” لهذا القطاع. ما هو تقييمك لأداء المؤسسة وبعض القضايا المرتبطة بتدبيرها؟
بنعبد الله: في عهد الوزير الأول السابق ادريس جطو كانت هناك سبع مؤسسات جهوية تسمى بـ”المؤسسة الجهوية للتجهيز والبناء” المعروفة اختصار بـ”ليراك”، إلى جانب الشركة الوطنية للتجهيز والبناء والوكالة الوطنية لمحاربة السكن غير اللائق وشركة أخرى تسمى “التشارك”. كل هذه المؤسسات كانت تشتغل في هذا المجال، لكن أغلبها وصل إلى الإفلاس، حيث كان بعضها مدينا للأبناك بملايير الدراهم، ومنها العلاقة بين مؤسسات “ليراك” والبنك العقاري والسياحي. هذه الوضعية تمت معالجتها من خلال إدماجها في مجموعة “العمران”، وهو ما مكن الدولة من القضاء على كل سلبيات الماضي من حيث علاقة هذه “العمران” بكل الأطراف الأخرى من أبناك وغيرها. لكن في نفس الوقت، فالمجموعة ورثت البرامج القديمة التي يصل عمرها إلى 20 و25 سنة، والتي أقيمت بشكل لا يحترم المعايير التي يفرضها العقل قبل الحديث عن الحكامة الجيدة. أحيانا يتم البناء مثلا فوق أراض دون حتى التوفر على الرسم العقاري ونقل الملكية إلى المؤسسات التي كانت تشتغل في تلك المرحلة، حيث بقيت الوضعية إلى يومنا هذا في خلاف، وفي المقابل يتم تحميل العمران مسؤولية هذه الملفات التي ورثت هذه الملفات.
ما هي مؤاخذاتك على العمران؟
بنعبد الله: قبل أن أصل إلى هذه النقطة، أعتقد أنه يجب الاعتراف بأن العمران نفذت برامج كبيرة جدا في كل ما يتعلق بتهيئة المدن وإعادة هيكلة الأحياء، فوزارة السكنى استطاعت أن تمول عبر صندوق التضامن للسكن مئات البرامج التي جعلت مدنا صغيرة وبعض القرى والمراكز الصاعدة تتوفر على مشاريع لإدخال أحياء غير مهيكلة إلى المدن وربطها بالطرقات والتطهير والماء والكهرباء. هناك مئات البرامج من هذا النوع التي وقعت الوزارة اتفاقيات بشأنها وفوضت للعمران تنزيلها، وهو ما مكن من تحسين فضاء عيش المواطنين. هذه إيجابيات لا يمكن إنكارها، مثلما لا يمكن إنكار السهر المباشر للعمران، بتوجيه من الوزارة، لبرنامج المدن بدون صفيح حيث استطعنا أن نعيد إسكان أزيد من 250 ألف أسرة ولو بقينا في مستوى العدد الأول الذي كان أحصي سنة 2004، والذي يناهز حوالي 260 ألف، لكنا قد قضينا على السكن الصفيحي. مع الأسف في نفس هذه الأحياء برز حوالي 100 ألف قاطن جديد لأسباب مرتبطة بالهجرة القروية وسوء الحكامة وبعض الممارسات الفاسدة محليا، وتواطؤ السكان أنفسهم في بعض الأحيان. في المقابل، فالعمران ورثت مع الأسف طريقة تدبير من المؤسسات السابقة، والتي تجعلها تعاني من ضعف في إمكانية التعامل كشركة تنتمي للقطاع الخصوصي مع عدد من القضايا المطروحة، وأيضا من حيث التدبير بشكل ناجع لبعض الملفات التي يتعين الاعتراف بأن كثيرا من خيوطها مرتبطة بأجهزة أخرى كالمحافظة العقارية ووزارة الداخلية والمياه الغابات وغيرها من المؤسسات. كما أن بعض القضايا ناتجة عن تدبير مباشر، وهي التي وقفت عليها بعض تقارير المجلس الأعلى للحسابات من قبيل ملف الهرهورة.
أين وصل هذا الملف المرتبط باستفادة مسؤولين من أراضي “العمران” في الهرهورة بأسعار زهيدة؟
بنعبد الله: المجلس الأعلى للحسابات لم ينته بعد من التحقيق الكامل في هذا الملف، ونحن ننتظر ذلك. غير أنني أقول بأن هناك خطأ، إذ يمكن غض الطرف عن ثمن البيع على اعتبار أن المستفيدين هم موظفون تابعون لوزارة السكنى أو مؤسسة العمران في إطار السياسة الاجتماعية الداخلية، لكن المشكل هو أن لجنة تحديد سعر كانت مكونة من مستفيدين، وهو أمر يتنافى تماما مع قيم ومبادئ الحكامة الجيدة. هذا الملف سنذهب فيه إلى نهايته من أجل أن تظهر الحقيقة، لكن لا يتعين في نفس الوقت أن نعتبر بأن كل ما يرتبط بالعمران فيه فساد في التدبير.
مؤخرا بدأنا نسمع عن “مافيات” تسطو على العقارات. أي إجراءات اتخذتها الوزارة لحماية عقار المغاربة، وإن كان الأمر مرتبطا بمؤسسات أخرى كالمحافظة العقارية؟
بنعبد الله: عندما نتحدث عن “مافيا العقار” فهذا المصطلح يتعلق أساسا بما يحدث في بعض المدن، وعلى رأسها الدار البيضاء، من “ترامي على ملك الغير” وهو المصطلح القانوني. فيبدو أن هناك بعض الأوساط التي اختصت في رصد وتتبع كل الحالات التي تعاني بشكل ما من هشاشة على مستوى الملكية. الفئات المستهدفة تهم بعض الملاك الأجانب الذين كانوا يقطنون في المغرب منذ عشرات السنين، وتركوا عمارات وشقق دون أن تكون وضعية الإرث فيها واضحة، فيتم الوصول إلى طريقة ما بتواطؤ مع بعض الأوساط من أجل نقل ملكية هذه الممتلكات. الأمر يهم أيضا وضعية يهود مغاربة، الذي هاجرت الأجيال الجديدة إلى بلدان أخرى غير أن الأب أو الأم لازالوا بالمغرب أو أنهم هاجروا بدورهم وتركوا أمالكهم، فيتم بشكل ما الترامي عليها من طرف هؤلاء. كما أنه يتم استهداف أرامل في وضعية هشاشة، أو عمارات بكاملها تقطنها بعض الأسر منذ زمن قديم بأسعار كراء منخفضة ويتم التدخل بطرق ملتوية وفاسدة لدى المحاكم لإفراغ هذه الأسر بالقوة، واستغلال كل هذه الأملاك لهدمها وإعادة بناء عمارات جديدة وبيعها بسعر السوق اليوم. وزارة السكنى عملت على تأسيس خلية على مستوى المفتشية العامة، ووضعت رقما للاتصال من أجل مواكبة هذه الحالات، لأنه لا يمكننا أيضا أن نتدخل في ملك الغير على اعتبار أن الأمر لا يتعلق بملك عام بل بالخواص.
ملف “مافيا” العقارات يجرنا إلى تعثر بعض المشاريع، ومنها ملف شركتي “جنرال كونتراكتور” و”هداية”. أين وصل هذا الملف؟
بنعبد الله: اليوم استطعنا أن نربح أشواطا قضائية على مستوى القضيتين. فيما يخص شركة “جنرال كونتراكتور”، لقد استرجعنا الملكية وحق التصرف في العمارات المبنية، والأراضي التي لم يتم بناؤها لحد الآن، وإن كانت الشركة تواصل محاولة توقيف هذه القرارات على مستوى القضاء. الجمعيات تعلم المجهودات التي بذلت على هذا المستوى، إلى درجة أننا سنضطر إلى هدم 48 عمارة وإعادة بنائها، على اعتبار أن الدراسة التي قمنا بها أبانت أن أساسات هذه البنايات لم تكن متينة.
تقول إن الأساسات لم تكن متينة، لكن أين هي آليات المراقبة؟
بنعبد الله: الأمر يتعلق بتفويت ملكية أراضي إلى شركات خصوصية للقيام ببنائها. طبعا هناك مراقبة لم تتم على مستويات أخرى، وليس من طرف العمران أو الوزرة. على كل تجاوزنا هذه الأمر وتوصلنا إلى حل لهذا الملف، وسنشرع في البناء لنسلم الأسر المعنية شققها خلال سنة ونصف. وبالنسبة للأراضي الأخرى فسنشرع في المشاريع المناسبة من أجل طي هذا الملف نهائيا. أما بالنسبة لمشروع “هداية” فقد اقتربنا من الحل، حيث ربحنا تحكيما على مستوى غرفة التحكيم الدولية في باريس، ونحن بصدد بلورة الحل الذي استلزم كل هذا الوقت بالنظر إلى المساطر القضائية والقانونية التي تم اتباعها.
لنتقل إلى بعض الملفات المرتبطة بالحكومة ككل، ومنها مسألة الاحتجاجات. لطالما ربط عبد الإله بنكيران الاستقرار بحجم الاحتجاجات في الشارع، ومؤخرا لاحظنا خروج الأطباء والأساتذة المتدربين تحت يافطة تنسيقيات وليس في إطار المؤسسات التقليدية كالنقابات. ألا يشكل هذا الأمر خطرا؟
بنعبد الله: مؤخرا، ونحن نتحدث في الموضوع داخل مجلس الحكومة، على إثر الإضراب العام الأخير، عبرت عن رأي أكرره أمامكم. أقول بأن هذا الحديث المرتبط باستقرار الشارع والمظاهرات “فيه وفيه”، فربما الجانب الإيجابي فيه هو أنه لم نعد أمام ما كنا عليه في سنتي 2010 و2011 وقبل بروز حركة 20 فبراير، من خلال خروج حركات عفوية في مختلف أنحاء التراب الوطني للتعبير عن رفض للقوانين ولكل ما هو مؤسساتي، بل احتلال عدد من الإدارات، وهو أمر يميل أكثر إلى الفوضى ولا يستقيم في نظام ديمقراطي تكون فيه المؤسسات قوية. وفي المقابل، فالارتياح بشكل ما لكون أن النقابات لا تستطيع أن تجمع مئات الآلاف من المواطنين عندما تدعو إلى إضراب عام فلا أعتقد أن ذلك شيء إيجابي. بالنسبة لنا كبلد يبني ديمقراطيته ويطور المؤسسات، فالنقابات والأحزاب هي من المؤسسات. وكما نقول إن التحكم في المجال السياسي، وأنا من أنصار هذه الفكرة وممن دافعوا عنها قبل غيرنا وغيري من الناس، هو أمر خطير يفقد المصداقية للأحزاب ويجعلنا نذهب إلى عالم الفراغ، وفي ذلك مخاطر حقيقية بالنسبة لأي نظام سياسي يريد أن يكون قويا، فنفس الشيء ينطبق على الحركات الاجتماعية والنقابات. هذه الأخيرة هي جزء من مؤسسات البلاد، ويتعين أن تكون نقابات قوية لها القدرة على تأطير كل فئات الشعب في مختلف القطاعات. ما نلاحظه اليوم هو أن هناك عددا من الحركات العفوية وعددا مما يسمى بالتنسيقيات التي لا تتبع لأي نقابة، وبالتالي لا نعرف مع من ستتحاور الدولة ونقيم الحوار الاجتماعي ونصل إلى نتائج ملموسة. هل مع مجموعات عفوية لا نعلم من أين تخرج؟ ليس هكذا يمكن أن نبني بلدا ديمقراطيا.
هل تحرك حزب التقدم والاشتراكية في هذا الموضوع؟
بنعبد الله: حزب التقدم والاشتراكية نادى بشكل قوي إلى ضرورة الحوار ومأسسته. إذا تمكنت الدولة، في بعض الحالات، من معالجة القضايا المطروحة فلتقم بذلك، وإذا لم يكن في إمكانها لما يكن أن يكون لها من انعكاسات مالية قد تؤثر على التوازنات الكبرى للبلد فيتعين أن تكون صريحة وأن تقول في إطار الحوار الاجتماعي بأنها لا تستطيع الاستجابة لذلك.
ألا ترى بأن الحكومة تورطت في هذا الملف الخاص بالأساتذة المتدربين؟
بنعبد الله: الملف انطلق بفكرة صحيحة للحكومة فيما يتعلق بعدم إمكانية ربط التكوين بالتوظيف، على اعتبار أن النجاح في المباراة تم من أجل التكوين وليس التوظيف. يجب أن نكون صرحاء مع المواطنين فأنا رجل ينتمي إلى اليسار لكنني أتحمل مسؤوليتي، وحتى لو كنت خارج الحكومة لقلت نفس الكلام. في وقت سابق كانت لدينا الخدمة المدنية حيث تمنح الدولة للمعنيين تعويضا بقيمة 2000 درهم، نظرا لأن بلادنا كانت في حاجة إلى الأطر للاشتغال في مختلف المدن والإدارات، وقد مكنت هذه الخدمة من إدماج عدد من المشتغلين في إطارها. بيد أنه بعدما أصبح عدد الموظفين مرتفعا لم تعد هناك حاجة إلى الخدمة المدنية، وبالتالي فالدولة ملزمة أن تقول الصراحة للمواطنين وأن تقوم بالتوظيف بقدر معين دون إمكانية إدماج الجميع.
لكن الدولة يجب أن تحمي هؤلاء الخريجين، وليس أن توظف البعض وتترك الآخرين يعانون في القطاع الخاص…
بنعبد الله: هذا كلام صائب، إذ يتعين أن نصون حقوق هذه الفئات حتى عندما تشتغل خارج القطاع العام، وأن يحترم القطاع الخاص الحقوق المرتبطة بالأجر والتعويضات والتغطية الصحية والاجتماعية. بيد أنه حفاظا على مصلحة الدولة لا يمكن أن أدافع على كون الوظيفة العمومية هي المسلك الوحيد لكل متخرج من الجامعة المغربية، لأن ذلك إعلان عن فشل الدولة المغربية وبأننا سنسير إلى الإفلاس. من يدبر عليه أن يكون صريحا مع المواطنين، فالوظيفة العمومية لا يمكن أن تكون المشغل الأول في الاقتصاد الوطني، بل إن الأخير عليه أن يكون قادرا على إحداث ما يكفي من فرص الشغل من خلال تنمية آلة الإنتاج وتعزيز النسيج الاقتصادي المغربي.
ماذا عن ورش إصلاح نظام التقاعد؟
بنعبد الله: طبعا أميل شخصيا كإنسان ومناضل إلى أن هذه حقوق اكتسبها عدد من المغاربة ويجب أن نحافظ عليها، لكننا نرى واقعا معينا يجعل هذه الصناديق تعاني وتوجد قاب قوسين من الإفلاس، بما قد يؤدي إلى زوالها وحرمان الموظفين الحاليين أو القادمين من الاستفادة منها، علما أن أغلب هؤلاء ينتمون إلى الفئات المستضعفة. وبالتالي فإذا كنت تقدميا فعلا فعلي أن أفكر في استمرارية هذه الصناديق، وعلينا أن نجد الحل.
هناك من يرى أن هذه القراءة تقنية وليست بمقاربة سياسية، على اعتبار أن الأمر يتعلق بمستوى الحكامة في هذه الصناديق، خاصة الصندوق المغربي للتقاعد، وسوء استثمار مدخرات المنخرطين. كيف ترد؟
بنعبد الله: هذه ليست بقراءة سياسية، بل سياسوية. القراءة السياسية الحقيقية هي القراءة المسؤولة، فأنا متفق على أن هذه الصناديق لم تدبر بشكل جيد وسأتحدث عن الحل الذي اقترحناه في حزب التقدم والاشتراكية. الآن هذه الأمور لم تتم والنتيجة هي أن هذه الصناديق قاب قوسين من الإفلاس، والدولة التي يجب أن تضخ فيها ملايير الدراهم يتعين عليها أن تسحب هذه التمويلات من قطاعات اجتماعية كالصحة والتعليم والسكن والتجهيزات بشكل عام. في اعتقادي فالحل التقني هو الذي يعتمد فقط على المعايير، وهذا لا نقول به في حزب التقدم والاشتراكية، لكن الإصلاح ضروري.
ماذا تقترحون في حزب التقدم والاشتراكية؟
بنعبد الله: يتعين أن نعالج الموضوع في شموليته، فلا يكفي أن تكون لدينا مقاربة تعتمد على تغيير المقاييس الثلاثة المعمول بها. جميل أن نقوم بذلك لكن القيام بهذه الإجراءات فقط سيؤدي بنا إلى نفس النتيجة بعد سنوات، والحال أن الطابع الشمولي للإصلاح يعني أن نغير المقاييس لكن بما يفتح باب النقاش مع النقابات لتليينها وألا تكون قاسية في حق الفئات المستضعفة. يتعين أيضا أن يهم الإصلاح ليس فقط الصندوق المغربي للتقاعد، فكخطوة أولى يمكن ذلك، لكن أن يشمل أيضا الصناديق الأخرى لنصل في نهاية المطاف إلى صندوق عمومي وآخر خاص. وفي اعتقادنا فالحل الحقيقي هو توسيع التغطية لتشمل الجيش عرمرم من الذين لا يتوفرون على معاشات. عندما نناقش مع النقابات المطالب المرتبطة بالقطاع العام والموظفين، فيتعين ألا ننسى أيضا أن هناك من لا دخل له، وهذا موقف تقدمي صرف. نتكلم عن تحسين وضعية من يتوفرون على دخل، لكن ماذا سنفعل بالنسبة لمن لديه “0 درهم” كدخل؟ والحال أنه يتوجب أن نوفر لهؤلاء إمكانيات العيش وتمدرس الأبناء والتطبيب، وبالتالي فالحوار الاجتماعي الحقيقي يتعين أن يأخذ بعين الاعتبار هذه الفئات أيضا.
إشكالية إصلاح أنظمة التقاعد رافقها مؤخرا نقاش حول معاشات البرلمانيين. ما موقفك من هذا النقاش؟
بنعبد الله: إذا أراد البرلمانيون أن يحصلوا على معاش فيمكنهم ذلك من خلال مساهماتهم الشخصية، وألا تقدم الدولة أي مساهمة. هذا الأمر من حق البرلمانيين ويمكنهم أن يؤسسوا تعاضدية تدبر معاشاتهم، وقد وضعنا مقترح قانون في هذا الاتجاه. لكن لا يجب أن نقوم بالديماغوجيا لأن هذا الأمر لن يحل مشكل التقاعد الذي يتعلق بملايير درهم، فهناك مثلا 24 مليون درهم تمنح سنويا لـ113 وزير، لكن عجز التقاعد يصل إلى ملايير الدراهم. “باراكا” من الديماغوجيا، فأنا مستعد لأن تلغى هذه المعاشات لكن لا يجب أن نعتقد بأن هذه الإجراءات سنحل بها المشكل. وبالتالي يجب أن نفكر في ضرورة التعميم وتوسيع التغطية، مع تحسين الحكامة لنعرف كيف توظف هذه المدخرات ومردوديتها لأنها أمول الشعب. هناك المفتشية العامة لوزارة المالية ومجالس الحسابات ومكاتب الدراسات ورزمة من الإجراءات التي يمكن اتخاذها لتكون صناديق التقاعد خاضعة لمراقبة وافتحاص دوري. هذا هو موقف حزب التقدم والاشتراكية، ونؤثر من داخل الحكومة في هذا الاتجاه.
هذا الموقف الخاص بالتقدم والاشتراكية يجرنا إلى سؤال يتعلق بأداء وزراء الحزب، خاصة بعدما سُلط الضوء بشكل كبير على عبارة “جوج فرنك” للوزيرة شرفات أفيلال. كيف تقيم أداء وزراء “الكتاب”؟ وهل هذه الحكومة تعاني من أزمة في التواصل؟
بنعبد الله: بكل موضوعية، فهو أداء جيد لله الحمد. نعم أنا أحاسب الوزراء، لكن لا يمكن أن أؤاخذهم على بعض الهفوات اللسانية. أعتقد أن هناك اليوم حضور أقوى بكثير للجوانب التواصلية الإيجابية منها والسلبية، فما كان يتداول في الحقل السياسي قبل سنوات لم يكن يحظ بنفس درجة التتبع، بما لا يعني أن هذا التتبع إيجابي أو هناك قدرة حقيقية لدى الرأي العام لمحاسبة المسؤولين، والمتمثلة أساسا في المحاسبة الديمقراطية التي تبقى أسمى الطرق في هذا المجال. مع الأسف المحاسبة الحقيقية غير موجودة بالشكل كافي في المغرب، وما نجد هو تتبع عدد من القضايا البسيطة في كثير من الحالات ونوع من الإساءة المفرطة تجاه السياسيين والمسؤولين عموما. طبعا هذا ليس بتوجه صحيح، فنحن نرى أن ما تقوى في المغرب هو نوع من النظرة السلبية لكل من يحمل صفة المسؤول، وعلى رأسهم السياسيين والبرلمانيين والوزراء والمنتخبين، ويتم وضع الجميع في سلة واحد. أنت وزير فأنت فاسد، وأنت نائب فأنت فاسد، ونفس الأمر بالنسبة لرئيس جماعة ومسؤول في حزب وغيرهم، وهو أمر خطير. إذا ذهبنا في هذا الاتجاه سنعمم ذلك على جميع الفئات من مهندسين وأطباء وأساتذة وموظفين، وسنشيع في المجتمع ثقافة مفادها كل من يتحمل المسؤولية، كيفما كان نوعه، هو فاسد. لكن بالطبع الفساد موجود، ويشمل أيضا المجال السياسي.
هذا الأمر صرحت به عندما أكدت بأن 70 في المائة من أعضاء مجلس المستشارين فازوا بمقاعدهم باستعمال المال…
بنعبد الله: تحدثت عن هذا الأمر، لكن هناك أيضا 30 في المائة الأخرى، ويمكن أن تصل هذه النسبة إلى 50 في المائة. ربما بالغت شيئا عندما قلت بأن الأمر يتعلق بنسبة 70 في المائة، بيد أنه في مقابل الفاسدين هناك المناضلين ومن كافحوا وزُج بهم في السجون ولم يخافوا من القمع ووهبوا شبابهم وحياتهم من أجل الديمقراطية في بلادنا. هناك سياسيون ينتمون لأحزاب ديمقراطية حافظوا على نزاهتهم ولم يسبق أن حصلوا على “ريال” أو تورطوا في الفساد، بل حاربوا الرشوة. هل فقط وجود بعض الناس يتحدثون في الفايسبوك والمواقع يعني أنهم أبدعوا للتو مسألة محاربة الرشوة وعدم الاستفادة من الدولة؟ ألم يقم من سبقوكم بمحاربة الفساد؟ لما كنت طالبا كان بعض الأصدقاء يطلبون مني عدم الحديث عن التغيير، ويقولون لي: “إيلا بغيتي تمشي للحبس سير ليه بوحدك”. أتحدث هنا عن مئات وآلاف الناس الذين ناضلوا ولازالوا يناضلون، ومنتخبين يكافحون وينفقون من مالهم الخاص، وبرلمانيين يحضرون في اللجان ويقطعون مسافات طويلة ليقدموا المقترحات ويناقشون بجدية، دون أن يكونوا قد فازوا بمقاعدهم باستعمال المال.
هل هذه الأمور التي تتحدث عنها لها خلفية “تحكمية”؟
بنعبد الله: هناك من يسبح في المياه العكرة. بالنسبة للرفيقة شرفات أفيلال فزلة اللسان موجودة وعباراة “جوج فرنك” ما كان عليها أن تقولها، لكنني أتوفر على بعض المعطيات التي تشير إلى أن البعض حاول شراء بعض المواقع الإلكترونية لتكتب مقالات ضد الوزيرة، وأعلم أن ذلك ينبع من تيار سياسي معين.
هل تقصد من تصفونهم بـ”التحكم”؟
بنعبد الله: شخصيا لازلت أتحرى في الموضوع، ولا يمكن لي أن أقول ذلك بشكل صريح لكن أقول بالنسبة لأصحاب التحكم حذار. إذا كنتم تريدون الإساءة لحزب التقدم والاشتراكية فابحثوا عن أشياء أخرى، فمناضلونا لديهم الجرأة وعندما نخطئ نعتذر. هذه الرفيقة أخطأت في كلمة واعتذرت عليها، واعتبرت أنه ما كان عليها أن تقولها. وشخصيا توجهت إليها غداة البرنامج وقلت لها بأن الرأي العام لن يقبل هذه العبارة، وعليك أن تصدري موقفا الآن وقد تأخرت بعض الشيء في القيام بذلك لكنها فعلت. أعترف بأن هذا الأمر ما كان عليها أن تقوله، لكن هل يستحق ذلك هذه الحملة بكاملها؟ شرفات عاشت في وسط فقير وخرجت من تطوان للدراسة، وقد كانت وسط الحزب منذ سن الثامنة، ولم نأت بها من حزب آخر أو تسلقت لتصبح وزيرة. شرفات لما اقترحت عليها أن تكون وزيرة في الصيغة الأولى للحكومة رفضت. وأشير هنا إلى أن والدها، الذين كان مناضلا في الحزب، سمح لها بالانتقال إلى الرباط للدراسة في المدرسة المحمدية للمهندسين وقد كانت تناضل معي في المكتب الوطني للشبيبة لما كنت رئيسا له في التسعينيات، حيث درست في ظروف صعبة ولم يكن لها الحق لتناضل بالنظر إلى النظام العسكري في المدرسة. بعد ذلك تخرجت وأصبحت مهندسة في المكتب الوطني للماء الصالح للشرب، وبقيت مناضلة في الحزب إلى يومنا هذا، وحسنت أوضاعها الاجتماعية اعتمادا على نفسها. في الصيغة الأولى للحكومة رفضت الاستوزار، لكن بعد ذلك ضغطت عليها خاصة أن القطاع الذي كان سيتولاه الحزب يتناسب مع مجال اشتغالها، وهي الويم تقوم بعمل هائل على مستوى هذه الوزراة. فلماذا كل هذه الحملة ضد هذه المناضلة، وقد قدمت اعتذارا عما صرحت بها؟ أنا أقر بأن الأمر فلتة لسان لأن منشط البرنامج كان يسعى إلى إيجاد هفوة لها، وكان قاسيا تجاهها إلى درجة أنه نشر الأمور التي كتب ضدها في موقعه، فهل هذا منشط مسؤول؟ والحال أن هذا الشخص يحتاج إلى متابعة من قبل الهيأة العليا للاتصال السمعي البصري، لأنه خرج عن واجب التجرد الذي يجب أن يلتزم به.
هل هذا اتهام مباشر للبرنامج بأنه كان يريد إسقاط أفيلال في هذا الفخ؟
بنعبد الله: هذا الأمر وقع معي ومع عدد من المسؤولين الآخرين. هناك توجه فيه استصغار للمسؤولين وانعدام للياقة وعدم احترام مكانة الضيوف والناس دون حتى أن يكونوا مسؤولين، وذلك من خلال طريقة كلامه. أضف إلى ذلك أن الأمر يتعلق بتلفزيون عمومي، لكن الصحافي يقول بأنه ينقل ما يقوله الشارع، والحال أنه يجب أن يطرح أسئلة عميقة حول مسار البلاد، لأنه يسير برنامجا في تلفزيون عمومي. هذه الأمور وجهتها إلى الرئيس المدير العام للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، ومما أقدم عليه أنه ألزم المعني بالأمر بسحب ما نشره لأن ذلك ليس معقولا. طبعا أنا هذا الأمر ليس تدخلا في البرنامج، لكن لا يجب على المنشط أن يكون طرفا، والحال أنه قام بنشر ما كتب عليها وكأنه يتلذذ، وهو خطأ مهني جسيم. نحن مستعدون للحساب حول كل الأمور، و”للي فرط يكرط”، فإذا ثبت أن حصلنا على الأموال حاسبونا وإذا لم ندبر بشكل جيد حاسبونا، لكن احترموا المناضلين لأن هناك في وسط السياسيين والحزبيين من وهب حياته لصالح هذا الوطن والشعب.
بالحديث عن السياسيين النزهاء، أعدت مؤخرا طرح إمكانية إحياء الكتلة الديمقراطية بصيغة جديدة. هل ستتوجهون نحو الكتلة، ونجد معكم حزب العدالة والتنمية؟
بنعبد الله: حزب التقدم والاشتراكية لم يعلن في أي يوم من الأيام أنه أدار ظهره أو يرفض هذا الإطار ويعتبره متجاوزا، والحال أن آخرين من الكتلة هم الذين فاهوا بهذا الكلام. أذكركم بما كان يُقال في 2009 و2010 و2011، ففي ذلك الوقت كان الحزب يطرق الأبواب ويحذر من أن التحكم الذي نراه يعود يستلزم رد فعل قوي، وهو الرد الذي لا يمكن أن يأتي إلا من الكتلة الديمقراطية. هذه رسائل مكتوبة، سواء تلك التي وجهها اسماعيل العلوي لما كان أمينا عاما أو التي كتبتها شخصيا، حيث تم إرسالها إلى حزبي الاستقلال والاتحاد الاشتراكي في تلك الفترة. طبعا لا أحد أجابنا كتابة عن هذه الرسائل، إلا أن هناك أجوبة كانت تقول بأن عهد الكتلة انتهى وبأنه لا يريد أن يفرش الأرض للحزب الآخر. هذا صراع أساسي بين حزبين، ولم يكن التقدم والاشتراكية مسؤولا عنه وأنا أقول الواقع ولا أكذب. لما تأسست الحكومة، فعبد الإله بنكيران كان يطلب مني أن أساعده بشأن الكتلة وحاولت ذلك من خلال طرق الأبواب، وقد كان هناك استعداد من قبل عباس الفاسي لما كان أمينا عاما. بعد الانتخابات التشريعية طرحنا السؤال التالي: هل سنصطف مع قوى التحكم أم نضغط على أنفسنا ونبحث عن إمكانية التعامل مع العدالة والتنمية بشروط؟ واعتبرنا بأن مصلحة البلاد والبناء الديمقراطية تقتضي أن نشتغل مع “البيجيدي” بشروط ناقشناها معهم، حيث وجدنا أن بنكيران وحزبه يرغبون في وجود الكتلة داخل الحكومة ومستعدون لوضع ميثاق يضع حدا لعدد من التخوفات، وهو ما قمنا به. حزب الاستقلال قًبِل ذلك، لكن الإخوان في الاتحاد الاشتراكي رفضوا لأسباب يقولون إنها داخلية.
هل نضجت الظروف اليوم؟
بنعبد الله: حزب الاستقلال أُخرج من الحكومة، وبعد ذلك وقعت تطورات نضجت في الانتخابات الأخيرة حيث اختلط الحابل بالنابل ولم نعد نعرف من ينتمي للأغلبية ومن ينتمي للمعارضة، وأعطينا صورة مشوهة عن المجال السياسي في البلاد خاصة فيما يتعلق بانتخابات رؤساء الجهات ورئاسة مجلس المستشارين، وفي هذا الصدد قلت ما صرحت به حول ممارسات مختلفة. لقد اعتبرت أن ما وقع على مستوى رؤساء الجهات لا علاقة له بالمصداقية والصواب فيما يخص احترام التحالفات، وبالنسبة لمجلس المستشارين فجزء كبير استعملوا المال للوصول إليه، وهذا هو الواقع ولا أحد يمكن أن يقول لي شيئا آخر. بعد هذه المحطات نضجت ظروف جديدة، ولذلك فحزب التقدم والاشتراكية يقول بأنه عفا الله عما سلف وليس أساسيا أن نرى من كان على صواب أو خطأ، بل يجب أن نعرف إن كنا نريد بناء معسكر يواصل ما أردنا على مستوى المهام التاريخية للكتلة الديمقراطية، وبالتالي يجب علينا أن نلتف.
هل ستنفتحون على العدالة والتنمية؟
بنعبد الله: الواقع يحتم علينا ذلك لسببين. أولا نحن لا نتوفر على الحزب الأغلبي على مستوى الكتلة، والمسألة الثانية هي أن هذا الحزب تطور ويريد أن يتعامل مع الكتلة، ناهيك عن أن ممارسته لمدة خمس سنوات تؤكد أن عددا من التخوفات من قبيل القرارات النكوصية والرجعية أو التي تضرب في حقوق الإنسان والديمقراطية غير موجودة. هؤلاء الناس بإمكاننا أن نواصل التعامل معهم لأن مصلحة البلاد تقتضي ذلك، في حين أن الأطراف السياسية الأخرى التي تعتبر بأنها يمكن أن تصطف معنا فهي مرحب بها. بعض الناس يقولون كلاما خارج عن الإطار، والحال أن أحزاب الكتلة شاركت سنة 1998 في حكومة يترأسها عبد الرحمان اليوسفي مع أحزاب كانت تقول إنها إدارية، وهذا الأمر وقع أيضا مع حكومتي جطو وعباس الفاسي وذلك لأسباب مرتبطة بتشتت الساحة السياسية المغربية.
ماذا عن الحزب الذي تصفونه بالتحكم؟
بنعبد الله: يصعب ذلك لأن الشعب رأى، وكل واحد اختار خندقه. حتى حزبا الاستقلال والاتحاد الاشتراكي الذين اشتغلا معه من داخل المعارضة استخلصوا الدروس، فأنا أحترم هذين الحزبين إلى درجة لا تتصور. وبالتالي نحن نؤكد أن الحركة الوطنية الديمقراطية هي التي يمكن أن تشكل إلى جانب المؤسسة الملكية العمود الفقري للمشروع الديمقراطي المغربي وليس هناك خيار آخر، وأي واحد يريد أن يغير هذا الخيار بالقوة فإنه يخطئ “وغادي يجيبها فالعين العورة”. وكل من يعتبر بأنه بهذه الطريقة سيواجه التيارات الأصولية والإسلامية فإنه في الواقع يقويها، ورأينا في التجربة الأخيرة من استفاد وكيف تركت الأحزاب الأخرى على الهامش عندما تعلق الأمر بالمواقع الأساسية، ومنها رئاسة مجلس المستشارين والجهات الأساسية. أعتقد أن الناس “خاص تعيق وتفيق”، وتعرف أين نحن اليوم.