حوار شرفات أفيلال في برنامج مناظرات المساء

في غمرة الاستعدادات الجارية لاحتضان المغرب لمؤتمر الأمم المتحدة للمناخ “كوب 22″، تحل شرفات أفيلال، الوزير المنتدبة المكلفة بالماء، ضيفة على برنامج “مناظرات المساء” لترد على عدد من الأسئلة الحارقة، لعل أبرزها حقيقة التقارير التي تنذر بأزمة قد تواجهها بلادنا خلال العقود القادمة. الوزيرة التقدمية كشفت أيضا واقع الموارد المائية في المغرب، والاستنزاف المفرط للمياه الجوفية بشكل يؤدي إلى السطو على مخزون الأجيال القادمة.

قالت إنه لا ممارسة ديمقراطية دون تخويل الأحزاب إمكانية التواصل مع المواطنين

أفيلال: المغرب لن يعرف أي أزمة مياه ولا يمكن الاستمرار في سياسة السدود إلى ما لا نهاية

حاورها: سعيدالخمسي-المهدي السجاري

هل المغرب في حاجة لوزارة خاصة بقطاع الماء، أم أن الأمر فرضته هندسة الحكومة وضرورة خلق التوافقات بين الأحزاب المشكلة لها؟

أفيلال: قبل الجواب عن سؤالكم لابد أن أشير إلى مسألة مهمة. فكما لا يخفى على أحد، فالماء أصبح قطاع استراتيجي كبير وعامل أساسي في الاستقرار والتنمية وهو أحد المحددات الحاسمة في أمن الدول وإقلاعها الاقتصادي، حتى إن الخبراء يجمعون على أن أزمات المستقبل ستكون أزمات أساسها الصراع حول الماء. وأسجل هنا أن قطاع الماء لم يُنصف، حيث كان مغيبا في الهندسات الحكومية وظل لأكثر من عشرين سنة يتذبذب بين الأشغال العمومية والتعمير في عهد الأستاذ اليازغي ثم انتقل إلى قطاع الطاقة والمعادن. والحال أنه استبشرنا خيرا خلال الحكومة الحالية، وقد دافعت حتى قبل أن أتحمل مسؤولية الوزارة وكنت مهندسة تشتغل في القطاع، على فكرة إبراز استراتيجية القطاع من داخل الحزب، علما أن أكبر ما تحقق لهذا القطاع سابقا هو كتابة دولة في الوقت الذي نسجل أن المغرب راكم من الخبرات والتجارب وحقق من النتائج ما يجعله في مصاف الدول المرجعية في مجال الماء، إذ نتوفر على تجربة يشهد لها عالميا. بالنسبة لي فأنا أعارض من يدفعون بفكرة أن القطاع لا يستحق أن تخصص له وزارة، فمستقبل الاقتصاد المغربي مرتبط بشكل أساسي بكيفية تدبير الماء ولا يمكن الحديث عن أي إقلاع اقتصادي أو تنمية بشرية دون توفير قطرة الماء الصالحة للشرب والمحركة لعجلة التنمية، علما أن الدولة تستثمر الملايير اليوم من أجل توفير الماء وضمان استدامته خصوصا من خلال التوجه لتنويع المصادر واستغلال البحار وتدوير المياه المستعملة. أما فيما يخص الهندسة الحكومية فأعتقد أن قطاع الماء لابد أن يرقى في الحكومات القادمة إلى مستوى وزارة، مع إمكانية دمجه مع قطاع البيئة.

بين الفينة والأخرى تنشر وسائل الإعلام دراسات وتقارير تتحدث عن أزمة مياه قد يواجهها المغرب خلال السنوات القادمة. هل هناك خوف من إمكانية مواجهة المغرب لأزمة شح المياه؟ وهل الأجيال القادمة لن تجد نصيبها من هذه المادة الحيوية؟

أفيلال: لابد أن أوضح في البداية بأن هذه التقارير تحمل فقط توقعات وفرضيات، ولا يتعلق الأمر بمعطيات يقينية، بل بفرضيات يمكن أن تكون صحيحة أو خاطئة. بالنسبة لبلادنا فليس هناك خوف من نذرة المياه، على الأقل إلى حدود سنة 2030 . الآن نتوفر على استراتيجية واضحة المعالم، اتخذت فيها جميع الإجراءات والتدابير والبرامج الكفيلة بتوفير الماء شريطة توفير الاعتمادات وتسريع تدخل كل طرف حسب مجاله، إذ أن الاستثمارات طبعا ضخمة ومكلفة جدا. بالنسبة لما يتم تداوله على مستوى وسائل الإعلام، فأقول نعم هناك تراجع في الموارد المالية بالنظر إلى الحاجيات وبالنظر لأسلوب استهلاك الماء، لكن هذا لا يدعو للقلق. صحيح هناك انخفاض في التساقطات وعدم انتظامها، وهناك انخفاض في الواردات منذ الثمانينيات والتي وصلت إلى حوالي 16 في المائة، لكن هناك رؤية ومخطط لتوفير المياه، خاصة أن المغرب يتوفر على أكثر من ثلاثة آلاف كيلومتر من الشواطئ، وهو ما يجعل الاستثمار في تحلية مياه البحر واعد جدا. ما يروج في بعض التقارير هو أن المغرب سيفقد حوالي 50 في المائة من إمكانياته المائية، ومن هذه التقارير تلك الصادرة عن البنك الدولي، حيث يقول التقرير إن دول شمال إفريقيا ستعاني من اختلالات في احتياطاتها المائية، لكن بالنسبة للمغرب أؤكد بأنه لن يعرف أزمة ماء. بيد أنني أعيد التأكيد على أن هذه التقارير تعبر عن توقعات وفرضيات فقط.

حكومة بنكيران كانت مستهدفة بالعديد من التقارير الدولية في قطاعات مختلفة. هل هذه التقارير الدولية تؤثر على جاذبية الاقتصاد الوطني؟ وهل تأخذونها بعين الاعتبار في هندسة السياسات العمومية؟

أفيلال: أنتم تعلمون أنه من بين أولى الأسئلة التي يطرحها المستثمر، إلى جانب العقار والبنية القانونية، هو مدى توفر الماء. فهذه المادة الحيوية تشكل عامل من عوامل تثبيت الاستثمار وجلبه. نحن وفي إطار التقائية وتقاطع الاستراتيجيات الحكومة أخذنا على عاتق الوزارة تنزيل كل ما هو مدرج في إطار استراتيجية التسريع الصناعي ومخطط المغرب الأخضر، حيث أخذنا بعين الاعتبار ما تقتضيه رؤية 2020 لجلب الاستثمار. ونذكر هنا مخطط المغرب الأخضر وما يتطلبه من إمكانات مائية، ولذلك أدمجنا كل حاجيات هذا المخطط في المخطط الوطني للماء الذي وضعته الوزارة، آخدين بعين الاعتبار القطاع الصناعي والقطاع السياحي.

كيف هو واقع الموارد المائية في المغرب؟

أفيلال: يواجه قطاع الماء بالمغرب تحديات كبرى ناتجة عن عدة إكراهات أهمها: مناخ شبه جاف يتميز بعدم الانتظام، وتفاوت توزيع التساقطات في الزمان والمجال، ومحدودية الموارد المائية، ومساهمة التغيرات المناخية في الرفع من حدة الظواهر القصوى من جفاف وفيضانات ووقعهما السلبي على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، والارتفاع المتزايد للطلب على الماء بالإضافة إلى التلوث وضعف تثمين الموارد المائية وعدم المحافظة عليها. وتقدر الموارد المائية الطبيعية ببلادنا حسب آخر الدراسات المنجزة من طرف الوزارة المكلفة بالماء  بحوالي 22 مليار م3 أي ما يعادل 700 م3 للفرد في السنة. وتتميز الموارد المائية خصوصا المياه السطحية بالتفاوت في المجال، وتتمركز أهمها في الأحواض الشمالية الغربية، حيث تتوفر أحواض اللوكوس وسبو وأم الربيع التي تغطي قرابة 15 في المائة من مساحة البلد على 70 في المائة من الموارد المائية. إضافة إلى ذلك فإنّ الواردات المائية غير المنتظمة في الزمان تتغيّر من سنة إلى أخرى، فقد تم تسجيل أعلاها  ب 50 مليار م3  في السنة المائية 1962/1963 وأصغر قيمة بـ 5 مليار في السنة المائية 1992/1993.

هل تشتغلون وفق استراتيجية واضحة المعالم أم بشكل اعتباطي؟

أفيلال: طبعا من أجل تعزيز المكتسبات وتلبية الحاجيات الضرورية من المياه ومواكبة الأوراش الكبرى والتطور الاقتصادي والاجتماعي للبلاد، تمت بلورة الاستراتيجية الوطنية للماء والتي تم تقديمها أمام أنظار صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله يوم 14 أبريل من سنة 2009 بفاس. وفي إطار تفعيل مضامين هذه الإستراتيجية، تم إعداد المخطط الوطني للماء على ضوء نتائج وخلاصات المخططات التوجيهية للتهيئة المندمجة للموارد المائية لمختلف الأحواض المائية بالمملكة، والدراسات المتعلقة بالإستراتيجية الوطنية للماء وكذا وثائق المخططات والاستراتيجيات القطاعية خاصة مخطط المغرب الأخضر. ويرتكز برنامج العمل للمخطط الوطني للماء على ثلاثة محاور أساسية التحكم في الطلب على الماء في مجال التزويد بالماء الصالح للشرب وفي المجال الفلاحي عبر تحسين مردودية شبكات نقل وتوزيع المياه والتحول إلى نظام السقي الموضعي (50 ألف هكتار في السنة)، وكذلك تثمين الموارد المائية المعبئة خاصة تسريع تهيئة المدارات الفلاحية المرتبطة بالسدود. كما يهم هذا المخطط تدبير وتنمية العرض عبر مجموعة من التدابير والإجراءات تشمل مواصلة تعبئة المياه السطحية عن طريق إنجاز السدود الكبرى، وإنجاز مشروع تحويل المياه من الشمال إلى الجنوب وكذلك اللجوء إلى الموارد المائية غير الاعتيادية كتحلية مياه البحر وإعادة استعمال المياه العادمة بعد تنقيتها. إلى جانب ذلك هناك حماية الموارد المائية من التلوث والاستنزاف والمحافظة على المجال الطبيعي والتأقلم مع التغيرات المناخية.

تراجع المخزون المائية لابد أن يدفعكم إلى الرفع من مستوى العرض المائي. ماهي حصيلة العمل في هذا الجانب؟

أفيلال: الرفع من العرض من الماء أحد ركائز المخطط الوطني للماء الذي يهدف أساسا إلى تعبئة الموارد المائية التقليدية الإضافية أو غير التقليدية وذلك لمواجهة الناقص الحاصل ومواكبة التطور الاقتصادي والاجتماعي للبلاد في أفق سنة 2030. ويتمحور هذا العرض حول مواصلة تعبئة المياه السطحية عن طريق إنجاز السدود الكبرى، ودعم التنمية المحلية للمياه السطحية بمواصلة إنجاز السدود المتوسطة والصغرى، واللجوء إلى الموارد المائية غير التقليدية كتحلية مياه البحر وإعادة استعمال المياه العادمة بعد المعالجة. كما يشمل تحويل المياه من أحواض شمال الغربي إلى أحواض الوسط الغربي من أجل تقليص الخصاص المحتمل بهذه الأخيرة وذلك في إطار التضامن بين الجهات.

قبل أن ننتقل إلى الحديث عن الموارد المائية غير التقليدية، نود أن نسلط الضوء على واقع تعبئة المياه التقليدية، ونقصد هنا السدود على وجه الخصوص

أفيلال: من أجل تعزيز المكتسبات وتلبية الحاجيات الضرورية من الماء ومواكبة الأوراش الكبرى والتطور الاقتصادي والاجتماعي، تواصل الوزارة سياسة السدود التي تلعب دورا مهما في الوقاية من الفيضانات والتزويد بالماء الصالح للشرب وتوليد الطاقة الكهرومائية والسقي. ويستحوذ المجال الفلاحي السقوي على حصة كبيرة تناهز85  في المائة من المياه المعبئة بواسطة السدود،  تستعمل لسقي أكثر من 1.5 مليون هكتارا، علما أن الدولة جهزت ثلثي هذه المساحة. وتساهم الفلاحة السقوية بمعدل 45 في من القيمة المضافة الفلاحية، وبـ75 في المائية من صادرات القطاع الفلاحي. كما تساهم في إحداث 40 في المائة من فرص الشغل في المجال القروي و25 في المائية على المستوى الوطني. ونسجل في هذا السياق ارتفاع عدد السدود الكبرى المنجزة مع متم سنة 2015 إلى 140 سدا بسعة تخزين إجمالية تناهز 17.60 مليار م3، فيما تتواصل أشغال إنجاز 10 سدود كبرى. وأشير في هذا السياق إلى الشروع في إنجاز أشغال سدين كبيرين برسم سنة 2015، وهما سد اكدز بإقليم زاكورة وسيمكن من تزويد المراكز التابعة لإقليم زاكورة بالماء الصالح للشرب، بسعة تخزين تصل 316 مليون م3 وبتكلفة 794 مليون درهم. وهناك أيضا سد تودغة بإقليم تينغير لتزويد تينغير والمراكز المجاورة بالماء الصالح للشرب وسقي الأراضي الفلاحية بالسافلة والحماية من الفيضانات، بسعة تخزين 33 مليون م3 وبتكلفة 320 مليون درهم. غير أنه أؤكد بأن سياسة السدود أدت بطبيعة الحال دورها، لكنها لم تعد وحدها كافية لضمان الموارد المائية، ولا يمكن أن نستمر في هذه السياسة إلى ما لانهاية لأننا سوف لن نجد مواقع جيولوجية لبناء هذه المنشئات، وأيضا الموارد السطحية القابلة للتعبئة، لأننا سنصل إلى مرحلة الإشباع.

ماذا عن السدود الصغرى ومشاريع تجميع مياه الأمطار؟

أفيلال: تبنت الوزارة مقاربة جديدة لتخطيط وانجاز السدود الصغرى تعتمد على إدماج كل الفاعلين المعنيين بالمشروع في إطار تعاقدي وشراكة توضح توزيع المسؤوليات بين مختلف المتدخلين وعلى أساس برمجة تمتد لثلاث سنوات على الأقل.وقد خصصت الوزارة خلال الفترة 2012-2015 غلاف مالي قدره مليار و411 درهما لإنهاء أشغال 28 سدا صغيرا، ومواصلة أشغال إنجاز 32 سدا صغيرا. أما العمليات المنجزة خلال نفس الفترة في مجال تعبئة الموارد المائية بواسطة تجميع مياه الأمطار فهمت إنجاز أشغال بناء مطفيات، وخزانات أرضية للمياه وبحيرات تلية وكذا تهييئ منابع مياه بكل من عمالات وأقاليم أكادير إداوتنان، تزنيت، سيدي إفني، شيشاوة، الصويرة، بولمان، تاونات، تاوريرت، جرادة، فڭيڭ، تطوان. وقد بلغت التكلفة المالية لهذه المشاريع20  مليون درهم. غير أنه بالنسبة لنا اليوم فقد قطعنا مع الثقافة السائدة، حيث كان يتم بناء السدود دون معرفة الهدف منها ولا أتحدث هنا عن السدود التي لها دور في الحماية من الفيضانات. فهناك العديد من السدود التي بنيت بدون هدف، إذ أنه لدينا اليوم 224 سدا صغيرا وجزء كبير منها يطاله التلف والضياع، واليوم قطعنا مع هذا المنطق من خلال شراكة مع عدد من الفاعلين.

كيف تدبرون مخزون المغرب من المياه الجوفية؟

أفيلال: تضطلع المياه الجوفية بدور هام في التطور الاجتماعي والاقتصادي للبلاد وهي تشكل مخزونا استراتيجيا يجب تدبيره بصفة مستدامة. ولبلوغها الهدف فإن الإجراءات المقترحة على المدى المتوسط والطويل للحفاظ وحماية المياه الجوفية تسعى إلى إرساء تدبير مستدام وإدخال نمط جديد للحكامة الجيدة لتشجيع المشاركة والإشراك وتحميل مختلف الفاعلين المسؤوليات. وذلك من خلال ثلاث ركائز تتمثل في إرساء تدبير مستدام تشاركي في إطار تعاقدي، من خلال عقود الفرشات المائية، والتغذية الاصطناعية للفرشات المائية ذات العجز، والمحافظة على جودة الماء. وتم خلال الفترة بين 2012 و2015 إنجاز 117 ثقبا استكشافيا بعدة أقاليم بالمملكة بقدرة إنتاجية تصل إلى 132 لتر في الثانية، وإنجاز عدة آبار للتزويد بالماء الصالح للشرب لفائدة القوات المسلحة الملكية بمناطق واد الذهب والساقية الحمراء ودرعة بقدرة إنتاجية تصل إلى 13 لتر في الثانية، مع إنجاز دراسة تحلية المياه الجوفية الأجاجة بحوض المعيدر بالرشيدية، وإنجاز دراسة تقييم حجم المياه الجوفية المستعملة بالفرشات المائية على الصعيد الوطني. أما المشاريع التي توجد في طور الإنجاز فتهم إنجاز 40 ثقبا استكشافيا بالأحواض المائية لسوس-ماسة–درعة وتانسيفت وكير-زيز-غريس–المعيدر، و10 أثقاب استكشافية على طول الجدار الأمني بمناطق وادي الذهب، وثقب استكشافي عميق بإقليم أوسرد، 4 آبار بحوض درعة السفلى. غير أنني سأكون صريحة وأؤكد بأن هناك استنزاف مفرط للمياه الجوفية في بعض المناطق، إذ أننا نسطو سنويا على مليار متر مكعب من مخزون مياه الأجيال المقبلة.

هل هذا يعني أن المغرب يتوفر على مصادر مياه متنوعة، ولا يعتمد أساسا على الموارد التقليدية، وقد تحدثت قبل قليل عن تحلية المياه؟

أفيلال: أول ما اشتغلنا عليه منذ تعييني على رأس وزارة الماء هو الإجابة على سؤال كيف ننوع موارد المغرب المائية، وكيف نحافظ ونحمي الموارد التقليدية من الاستنزاف. فالمغرب وإلى حدود الثمانينات نهج سياسة السدود التي ولله الحمد حققت الأمن المائي للمغاربة. ومنذ بداية التسعينيات توجه المغرب إلى وجهات أخرى خصوصا أن الجغرافية ستفرض علينا الإشباع على مستوى السدود، خاصة أن الكلفة المالية في ارتفاع مستمر. وهنا كان التوجه نحو تحلية مياه البحر التي طور المغرب فيها تجربة كبيرة خصوصا إذا ما استغلت الإمكانات التي توفرها الطاقات البديلة في تحلية مياه البحر. وأوضح هنا أن الوزارة تلجأ إلى عملية تحلية مياه البحر نظرا لعدم توفر الموارد المائية الطبيعية في بعض الأقاليم الجنوبية. وتقدر الطاقة الإنتاجية الحالية بـ40 ألف و800 لتر في اليوم، أي ما يعادل 10 مليون م3 في السنة، تستفيد منها مدن العيون بوجدور طانطان و أخفنير. أما خلال الخمس سنوات القادمة، سنتمكن من توفير 100 ألف لتر في اليوم في أكادير، و26 ألف لتر في العيون، و17 ألف لتر في الحسيمة و8600 لتر في سيدي إفني. كا سنوفر من خلال تحلية المياه 7000 لتر في بوجدور، و1600 لتر في طرفاية. أما بخصوص معالجة المياه، فيعتبر إعادة استعمال المياه العادمة المعالجة أحد محاور المخطط الوطني للماء الذي يهدف أساسا إلى استعمال هذه الموارد غير التقليدية في أغراض سقي المساحات الخضراء وفي المجال الصناعي وكذا المجال الفلاحي . تقدر كمية المياه التي يعاد استعمالها حاليا ب 38 مليون م3 في السنة، . وتشمل الاستعمالات سقي المساحات الخضراء وملاعب الكولف بـ69.3 في المائة، والري بنسبة 13 في المائية. كما تستعمل في المجال الصناعي، خاصة غسل ونقل المعادن بالمكتب الشريف للفوسفاط بمدينة خريبكة بنسبة 16 في المائة، وإعادة تطعيم الفرشات المائية بالمياه المعالجة لمحطة بيوكرة 1.1 في المائة. ويوجد في طور الإنجاز مشروع إعادة استخدام المياه العادمة المعالجة لمدينة عين عودة في سقي المساحات الخضراء بالكولف الملكي دار السلام. وسيمكن هذا المشروع من سقي 95 هكتار من ملاعب الكولف والمساحات الخضراء بالكولف الملكي دار السلام، بـ1.3 مليون م3 في السنة، من المياه العادمة المعالجة.

لكن مياه البحر تبقى رغم تصفيتها تحمل مذاقا غير مستساغ، أليس كذلك؟

أفيلال: الماء المحلى مخبريا له نفس الجودة مع تغيير طفيف على مستوى المذاق وهو ما يمكن تداركه من المزج. بالنسبة للمجال المرتبط بمعالجة المياه فلابد أن أشير إلى أننا سجلنا تأخرا في مجال المياه المستعملة، فالدولة استثمرت الملايير في شبكة الصرف الصحي لكن وللأسف يتم ربط الشبكة مباشرة بالبحر ولا تستغل هذه المياه اقتصاديا من جهة ويتم تلويث البحر من جهة أخرى. والوزارة عملت خلال السنتين الأخيرتين على الاستثمار وتشجيع وتوفير الموارد لعملية إعادة تدوير المياه المستعملة من خلال المعالجة الثلاثية. فبعض الدول تصل إلى المعالجة الرباعية من خلال تعبئته، لكن هذا الأمر مكلف. ونحن في المغرب نتوفر على 500 مليون متر مكعب من المياه المستعملة التي يمكن معالجتها واستغلالها في سقي الفضاءات الخضراء والفلاحة والصناعة.

هناك من يتهم الفلاحة المغربية بأنها فلاحة مبذرة للماء ومستنزفة للمخزون المائي. ماذا قدمتم على مستوى تنظيم استهلاك الماء؟

أفيلال: من صعب اتهام القطاع الفلاحي بأنه قطاع مبذر للماء، لأنه هو قطاع يضمن الأمن الغذائي للمغاربة، ولا يمكن أن نقول للفلاحة توقفي عن استهلاك الماء، على اعتبار أن هناك علاقة مركبة بين الأمن المائي والأمن الغذائي. المغرب راكم بعض الأعراف في نظم السقي، فالفلاح المغربي ومنذ القدم يسقي بطريقة فيها الكثير من تبديد الماء، والمخطط الأخضر انتبه إلى هذه القضية. فوزارة الفلاحة أطلقت العديد من المبادرات على رأسها المخطط الوطني للاقتصاد في مياه السقي، وبرنامج مواكبة الفلاح من خلال الانتقال به من نظام السقي التقليدي لنظام السقي بالتنقيط بتمويل يصل إلى مائة في المائة. غير أنه لازال هناك تحفظ عند بعض الفلاحين الصغار، وهذا يحتاج لبعض الوقت لأن الأمر مرتبط ببنية ثقافية تحتاج المواكبة والتصحيح.

المغرب دخل للجهوية، كيف ستضمن وزارتكم منطق وفلسفة الجهوية في تدبير قطاع الماء، خصوصا أن المغرب يعرف فوارق كبيرة جدا على مستوى الرصيد المائي لكل جهة؟

أفيلال: سؤالكم جد مهم، ويمكنني ان أؤكد لكم أن أول قطاع اشتغل على الجهوية المائية حتى قبل الحديث عن الجهوية الموسعة هو قطاع الماء. فقطاع الماء مارس الجهوية من خلال قرار اتخذ في 1998 ومفاده أن المركز لا يمكنه تدبير الموارد المائية على صعيد الأحواض. فتم إحداث أول وكالة للحوض المائي أم الربيع، وبعدها تم إحداث وكالات أخرى، وهذه الوكالات هي آليات مؤسساتية وضعتها الدولة لتدبير الملك العام المائي على الصعيد الجهوي المائي، إذ تتوفر على صلاحيات كبيرة في إنتاج وتدبير الموارد المحلية بغض النظر عما ينتجه المركز. اليوم نتوفر على تسع وكالات لها ما يكفي من الصلاحيات المؤسساتية لتمارس الاختصاص على الماء وفق ما يتيحه القانون. نعم نسجل أن هناك تفاوت في إمكانيات الوكالات وقد قمنا بمبادرات لتدارك النقص سواء على مستوى الموارد المالية أو العنصر البشري.

في الآونة الأخيرة برز إشكال الفيضانات، وقد طرح المجلس الأعلى للحسابات مؤخرا أسئلة جوهرية حول مدى توفر استراتيجية لمواجهة الكوارث الطبيعية. على مستوى وزارة الماء، كيف تشتغلون؟

أفيلال: في إطار الحماية والوقاية من الفيضانات، تواصل الوزارة برنامج العمل المسطر بتعاون وشراكة مع باقي الأطراف المعنية من أجل تحسين مستوى حماية السكان والممتلكات. وخلال الفترة 2012- 2015 بلغ حجم الاستثمارات الموجهة لمشاريع الحماية والوقاية من الفيضانات ما يناهز مليار و220 مليون درهم. كما ساهمت الوزارة بـ50 مليون درهم من أصل 75 مليون درهم في مشروع حماية مدينة الدار البيضاء من فيضانات واد بوسكورة و بـ67,5 مليون درهم من أصل 150 مليون درهم في مشروع تهيئة وادي مارتيل للحماية من الفيضانات. وتتلخص هذه العمليات إنجاز أشغال حماية 28 مدينة من الفيضانات،   ومواصلة الأشغال بـ32 مشروعا. وفي هذا السياق تقوم الوزارة بتحيين المخطط الوطني للحماية من الفيضانات الذي يهدف إلى إعادة جرد المناطق المهددة بخطر الفيضانات وتحديد التدابير المثلى لحمايتها، وذلك  للحفاظ على الأرواح البشرية وعلى التجهيزات الأساسية.  وعلى إثر الفيضانات المهولة التي شهدت المناطق الجنوبية في نهاية سنة 2014 بأحواض سوس ماسة ودرعة والمتسمة بحمولات استثنائية كبيرة، قامت الوزارة وبالتنسيق مع المصالح الأخرى المعنية بإنجاز أزيد من 60 عملية تدخل ذات طابع استعجالي بوسائلها الخاصة. كما تم اعتماد برنامج استعجالي إضافي، متشاور بشأنه مع كل الفاعلين المحليين للحماية من الفيضانات بالأقاليم الجنوبية، يتمثل في إنجاز سدود كبرى وصغرى، بالإضافة إلى تهيئة وتحويل مجاري الأودية، بكلفة تزيد على 2 مليار درهم، (جزء من البرنامج تم الشروع في إنجازه فعليا). وستواصل الوزارة تدخلاتها في هذا الإطار برسم سنة 2016.

المغرب سيحتضن قمة المناخ “كوب 22” في مدينة مراكش. ماذا سنجني من تنظيم هذا المؤتمر؟ وماذا يعني تنظيم هذا المؤتمر بالنسبة لوزارة الماء؟

أفيلال: سنذهب للمؤتمر للدفاع عن قضايانا المناخية، والأهم في الأمر أن نصل لتفعيل اتفاق باريس. الدول المسببة لما تعرفه الأرض من اختلالات مناخية تهدد الجميع، ولابد أن تتحمل مسؤوليتها. المغرب ليس بلدا منتجا لتلوث لكنه بلد يتصدر الدفاع عن قضايا العدالة المناخية خصوصا على مستوى إفريقيا ونحن نتوجه ونحتضن المؤتمر وصوب أعيننا بالدرجة الاولى الدفاع عن حقوق إفريقيا المناخية. وطبعا فالدفاع عن ذلك يوجد بجانبه تكرس ريادتنا وانخراطنا في القضايا الكونية التي تمس المشترك الإنساني.

خلال مدة انتداب هذه الحكومة، أثارت الكثير من القوانين المقدمة أمام البرلمان جدلا كبيرا خصوصا على مستوى المرجعيات الفكرية والسياسية للأحزاب المشكلة الحكومة، وقد كان آخر هذه القوانين هو قانون تشغيل العمال المنزليين، حيث اتهم التقدم والاشتراكية بأنه لم يقف في البداية في وجه تمرير قانون يشغل القاصرين. ما ردك؟

أفيلال: لابد هنا أن أذكر أن المشروع الذي قدم في عهد وزير التشغيل جمال أغماني كان يتحدث عن 15 سنة، فأين كان هؤلاء المدافعون؟ لا بد أن أذكر أن حزب التقدم والاشتراكية دافع داخل الأغلبية عن وجهة نظره لكن المشروع الذي قدم أؤكد بأنه قدم بطعم المرارة فما لا يأخذ كله لا يترك كله، و الحمد لله أن الأمر تم تداركه وتم تعديل السن. بيد أن القضية ليست قضية نصوص فقط، بل الأمر يتطلب تعبئة مجتمعية .

تُتهمون بأنكم حزب النخب والإدارات. أين أنتم في الشارع؟

أفيلال: لا يمكن أن نصف حزب التقدم والاشتراكية بأنه حزب غير جماهيري. صحيح نعترف بأننا لم نستغل كل طاقاتنا ولم نستغل المكانة السياسية للحزب، ونعترف أيضا بأن امتدادنا في الشارع أقل من تاريخنا ومن مناضلينا. لكن ما لا يمكن إنكاره هو أن الحزب أصبح يوسع وجوده بوثيرة أكبر. فالحزب متجذر في بعض المناطق، أتوقع أن نحصل على نتائج أكبر في الانتخابات القادمة بالنظر إلى حصيلة وزرائنا في الحكومة الحالية.

وما تعليقك على ما راج مؤخرا من منع وزارة الداخلية لفعاليات حزبية من تنظيم أنشطة في الفضاءات العمومية؟

أفيلال: بالنسبة لحزب التقدم والاشتراكية فقد نظمنا عددا من التجمعات الحزبية ولم يطلها أي منع. أعتقد أن الأحزاب السياسية هي مؤسسات ولها دور دستوري جد مهم في تأطير المواطنين، ولا يمكن أن نتصور ممارسة ديمقراطية دون تخويل الأحزاب السياسية إمكانيات الالتقاء بالمواطنين والتواصل معهم. بالنسبة لي كمناضلة في صفوف التقدم والاشتراكية فلم ألمس أي منع، وقد كنا نجتمع أحيانا ساحات عمومية.

هل ترين أحزاب الكتلة والبيجيدي في الحكومة القادمة؟

هذا حلم لي شخصيا أن أرى القوى التقدمية تسير الشأن العام إلى جانب حزب العدالة والتنمية.