قارب حزب التقدم والاشتراكية، موضوع السياسة الفلاحية بالمغرب، انطلاقا، من تضوره للنموذج التنموي الجديد القائم على خمس مرتكزات أسياسية، في مقدمتها وضع الإنسان في صلب أي عملية تنموية، وتحقيق نمو سريع ومضطرد ومستدام، وتحسين الحكامة ومناخ الأعمال وربط المسؤولية بالمحاسبة، وإدماج العوامل اللامادية، ثم تطوير الديمقراطية على اعتبار استحالة تحقيق التنمية دون ديمقراطية.
وفي هذا السياق،، وخلال الندوة التي نظمها حزب التقدم والاشتراكية أول أمس بالقنيطرة، حول موضوع ” أية سياسة فلاحية من أجل تنمية اقتصادية مندمجة؟” قال عبد السلام الصديقي، عضو الديوان السياسي للحزب، “إن الديمقراطية لا تستقيم مع تفقير الجماهير، وأن الديمقراطية مرتبطة بالتقدم المجتمعي وبالعدالة الاجتماعية”.
وذكر الصديقي أن حزب التقدم والاشتراكية تطرق لموضوع السياسية الفلاحية منذ سبعينيات القرن الماضي، وتحديدا في وثيقة الإصلاح الزراعي التي بلور من خلالها تصوره للمسألة الزراعية سنة 1980، وطور ذلك فيما بعد في أطروحات مؤتمراته الوطنية ،مشيرا إلى أن موضوع هذه الندوة يندرج في إطار منتديات النقاش الموضوعاتي حول موضوع “أي نموذج تنموي للمغرب” والتي أطلقها حزب التقدم والاشتراكية عشية الخطاب الملكي الذي ألقاه جلالة الملك بمناسبة افتتاح السنة التشريعية الحالية.
وأوضح القيادي في حزب التقدم والاشتراكية، أن هذه الندوة تأتي بعد مضي عشر سنوات على انطلاق العمل بمخطط المغرب الأخضر، حيث يسود الاعتقاد ، رسميا وشعبيا، بأن الوقت قد حان لإعادة تقييم هذا المخطط وحصيلته، كما ونوعا ،خاصة من حيث حجم الاستثمارات والمساهمة في الناتج الخام، والتأثير في توازن الميزان التجاري والتوازنات المالية وكذا على صعيد تحقيق العدالة الاجتماعية والمجالية، وعلى مستوى ضمان الأمن الغذائي.
وفي سياق متصل، دعا إسماعيل العلوي رئيس مجلس رئاسة حزب التقدم والاشتراكية، إلى ضرورة إعادة النظر في كل ما يهم الأرياف والبوادي المغربي، وإعادة العمل بتلك الأساليب التي كانت تشتغل بها مراكز الاستثمار الفلاحي، والتي كانت تقوم بعملية التحسيس والإرشاد ومصاحبة الفلاحين، مشيرا أن ذلك من شأنه أن يساهم في بروز طبقة وسطى في المجال الفلاحي، كما من شأنه أن يساهم في تحسين الأوضاع الاقتصادية وفي بلورة مشروع تنموي جديد.
ويقترح إسماعيل العلوي لتدارك الإخفاقات التي عرفتها السياسة الفلاحية بالمغرب، توزيع الأراضي على الفلاحين الصغار وتجميعهم في إطار تعاونيات ديمقراطية، على أن تضمن الدولة دعم تلك التعاونيات في إطار الإرشاد والتأطير والدعم المالي، مع الحرص على محاربة الأمية وسط الفلاحين من أجل ضمان استدامة هذه التعاونيات.
كما دعا العلوي، في الوقت ذاته، إلى تقييم مخطط المغرب الأخضر للوقوف عند ما تحقق منه، وما لم يتحقق،و معرفة أثره على الفلاحة وعلى الاقتصاد الوطني بشكل عام، مؤكدا على أن مقاربة حزب التقدم والاشتراكية، في تقييمه لمختلف السياسات العمومية، تقوم على جعل الإنسان محور أي عملية تقييمية تهم الحياة الاقتصادية والاجتماعية.
وتساءل المتحدث عن مدى استجابة مخطط المغرب الأخضر لانتظارات 13 مليون نسمة من ساكنة الأرياف والبوادي المغربية؟ وهل استطاع أن يطور بشكل ملحوظ من حياة هؤلاء السكان؟، مشيرا في هذا السياق، إلى أن 1.5 مليون فلاح صغير ومتوسط فقط يمتلكون حيازات فلاحية، وأن عدد كبير من هذه الشريحة لا تملك هذه الحيازات، وتعيش إما على تربية المواشي على هامش الطرقات أو تهاجر إلى المدن.
وأفاد إسماعيل العلوي، أن مخطط المغرب الأخضر راهن منذ بدايته، وبشكل كبير، على الفلاحة العصرية، على حساب الفلاحة “التقليدية” التي تهم عدد كبير من السكان، عكس الدعامة الأولى التي لا تهم إلا فئة قليلة ورصدت لها إمكانات كبيرة جدا، ولها علاقة بالأسواق التي تصدر لها منتوجاتها، وهي تدر أموال طائلة، وفي الوقت ذاته هي معفية من الضريبة. وقال العلوي في هذا الصدد “علينا أن نضع المخطط الأخضر على رجليه، وليس على رأسه، وأن يعطي العناية لمن هو في حاجة إلى دعم، وليس أن تترك الدعامة الأولى تستحوذ 10 مرات أكثر مما هو مخصص للدعامة الثانية”.
وأبدى رئيس مجلس رئاسة حزب التقدم والاشتراكية، مجموعة من الملاحظات، التي اعتبرها بديهية، من قبيل أن الأرياف والقرى المغربية تحتضن ما بين 13 و14 مليون نسمة، تستغل ما يناهز 9 ملايين هكتار من المساحة الصالحة للزراعة، مشيرا إلى أن سكان الأرياف ونظرا لتعطشهم للأرض، استخرجوا حوالي 4 ملايين هكتار على حساب الغطاء النباتي من غابات وأحراش ومراعي، وذلك نتيجة الأزمة التي تعيشها ساكنة الأرياف نتيجة ضيق مساحة الأراضي الصالحة للزراعة.
وأوضح إسماعيل العلوي أن الأزمة التي تعيشها الأرياف والقرى المغربية منذ سبعينيات القرن الماضي، ولازالت مستمرة إلى اليوم، تجعل من الأرياف والقرى بؤرة توتر يمكن أن تنفجر في أية لحظة، ودون سابق إنذار، وأن الشرارة اندلاعها يمكن أن تأتي إما عند توالي سنوات الجفاف أو لاستفحال مشكل من المشاكل التي تعاني منها الأرياف والقرى المغربية، سواء تلك المحظوظة أو غير المحظوظة.
وخلص المتحدث أيضا، إلى أن الأرياف والبوادي تضم فائض من السكان يتراوح ما بين 6 و 7 مليون نسمة، تنتظر كلها الفرصة من أجل الهجرة إلى المدن التي هي غير مستعدة لاستيعاب هذا العدد الضخم من السكان، مشيرا إلى أن المسؤولية، في هذا الباب، هي مسؤولية الحكومة برمتها، وأيضا مسؤولية وزارة إعداد التراب الوطني وسياسة المدينة والتعمير والسكنى، والتي أطلقت في وقت سابق، ما سمي بالمراكز الناشئة أو المدن الجديدة، على أمل أنها ستعالج الإشكال، لكن الواقع، يضيف العلوي هو أن تلك المدن الصاعدة لم تخفف العبئ على المدن الكبرى، لأنها غير مجهزة بكل ما يتطلع إليه المواطن.
واعتبر العلوي أن الكلفة الإجمالية لبرنامج مدن بدون الصفيح والذي انطلق سنة 2004 والتي تجاوزت 32 مليار درهم، هي كلفة باهظة، لكنها لم تستطع حل المشكل والاستجابة إلى ضغط الهجرة القروية إلى المدن.
من جانبه، طرح الاقتصادي أحمد بلحامض، إشكالية الأمن الغذائي بالمغرب، والفرق بينه وبين مفهوم الاكتفاء الذاتي، متسائلا عما حققه مخطط المغرب الأخضر في نسبة تغطية الحاجيات الغذائية للمغرب؟، ومشيرا إلى أن الحق في الغذاء هو حق من حقوق الإنسان وفي ما تنص عليه المادة 25 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
كما تطرق أحمد بحامض إلى الإمكانات الطبيعية التي يتوفر عليها المغرب، من قبيل حوالي 14 مليون نسمة من ساكنة البوادي الذين يساهمون في الناتج الداخلي الخام بنسبة 14 في المائة، مشيرا في المقابل إلى أن 60 في المائة من ساكنة هذه الأرياف تعاني الأمية ، وأن 12 في المائة من الأراضي فقط صالحة للزراعة، بالإضافة إلى أن المغرب يتوفر على حوالي 21 مليار متر مكعب، لا يعبئ منها سوى 65 في المائة ، ناهيك عن الإشكالات التي تطرحها البنية العقارية التقليدية والتي لا تساعد على تطوير الفلاحة ببلادنا.
وبخصوص السياسات العمومية في المجال الفلاحي، ذكر أحمد بلحامض أن المغرب منذ البداية اتجه نحو تشجيع السقي الذي لا يهم سوى 10 في المائة من المساحة الصالحة للزراعة، مقابل إهمال أكثر من 80 في المائة، من هذه المساحة، وبالتالي، يضيف المتحدث، لجأت الدولة إلى ذلك اعتقادا منها أن ستحل كل مشاكل القطاع الفلاحي.
وأفاد أحمد بلحامض أنه على الرغم من التحسن الذي حققه المغرب في مجال الفلاحة الغذائية، كالسكر والفواكه والخضروات واللحوم والحليب، اتجهت كل الاستثمارات إلى الفلاحة السقوية، في المقابل تم إغفال الفلاحة البورية التي تعتمد على الأمطار.
وبحسب الاقتصادي أحمد بلحامض، فإن الخصاص الذي يعرف المغرب بين الحين والآخر في مجال الحبوب ومزروعات أخرى لها علاقة بالأمن الغذائي، هو ناتج عن كون المغرب أدار ظهره للإصلاح الزراعي الذي طرح في سبعينيات القرن الماضي، مشيرا إلى أن مخطط المغرب الأخضر لا يتحدث عن الأمن الغذائي، وحتى وإن تحدث عن ذلك في الدعامة الثانية، فإنه يتحدث بشكل محتشم وبأقل أهمية.
من جانبه، تطرق عبد العزيز أعويش مدير إقليمي للتشغيل سابقا، لعلاقة الشغل داخل القطاع الفلاحي، مشيرا إلى أن هذا المجال يشغل أزيد من 90 في المائة من اليد العاملة بشكل موسمي، ما يدل في نظره على هشاشة العلاقة الشغلية داخل القطاع الفلاحي.
وأوضح عبد العزيز أعويش، أن بنية القطاع الفلاحي هي بنية معقدة، داعيا إلى ضرورة إعمال مبدأ المفاوضات الجماعية في حل الإشكالات التي تطرأ على العلاقة الشغلية في هذا القطاع، كما دعا إلى ضرورة القيام بدراسة ميدانية للمساعدة على إيجاد حلول واقتراحات لتجاوز الثغرات التي شابت مدونة الشغل، في أفق وضع نصوص قانونية تواكب كل المتغيرات التي يعرفها القطاع، وتشجيع العمل المصرح به لدى الصناديق الاجتماعية، مع الانكباب على الجانب التحسيسي في المقاولة الفلاحية والاهتمام بالتشغيل عن طريق العقود والحرص على كتابتها.
يشار إلى أن مخطط المغرب الأخضر يقوم على محورين اثنين: المحور الأول يهم الفلاحة ذات القيمة المضافة المرتقبة، ورصد له استثمار إجمالي يقدر ب 121 مليار درهم خلال الفترة الممتدة مابين 2009-2018، أي ما يعادل 12 مليار درهم سنويا، و المحور الثاني يهم الفلاحة التضامنية، و التي ستستفيد من استثمار إجمالي يقدر ب 19 مليار درهم خلال نفس الفترة، أي 19 مليار درهم سنويا.
وتم اعتماد سياسة الاتفاقيات و عقد برامج مع مختلف المتدخلين في مختلف الأنشطة: و التي تهم السكر و الحوامض، و تربية الدجاج و الحبوب، و الحليب، وأشجار الزيتون و اللحوم الحمراء، مع اعتماد برامج جهوية تهم الجهات الستة عشر للبلاد.
وينص المخطط على دعم عمومي للاستثمارات في حدود 66 مليار درهم خلال الفترة 2009-2015، كما التزم النظام البنكي بوضع مجموعة من الآليات لمرافقة هذا البرنامج.
و لتأطير هذا المخطط تم إنشاء وكالة التنمية الفلاحية، التي عهد إليها تنسيق مختلف الإصلاحات ذات الطابع المؤسسي كإصلاح الغرف المهنية.
محمد حجيوي
تصوير – رضوان موسى