أثناء مداخلتها باسم فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب، خلال الجلسة العمومية المنعقدة يوم الثلاثاء 6 فبراير 2024، والمخصصة لمناقشة تقرير المجلس الأعلى للحسابات برسم 2023-2022.
النص الكامل للمداخلة:
السيد الرئيس المحترم؛
السيدات والسادة الوزراء؛
السيدات والسادة النواب؛
يُشرفني، في البداية، باسم فريق التقدم والاشتراكية، أن أعبِّر عن التنويه بالأدوار المتعددة للمجلس الأعلى للحسابات؛
كما نعتزُّ بتطوُّر مسارنا الوطني في التعاطي مع إشكالات التدبير العمومي، وتفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالـــمُساءلة، وتدعيم نموذجنا المغربي في مجال الرقابة على المال العام، وحماية مبادئ الحكامة الجيدة؛
وهي قضايا تتقاطع مع طموحنا نحو توطيد مسارنا الديموقراطي الوطني، وتأمين مستلزماتِ دولة الحق والقانون في كافة المجالات؛
لكن، لا زال ينتظرنا الكثير، من أجل الارتقاء بنجاعة وأخلاقيات وحكامة كافة الهيئات العمومية، لكي يكون لأدائها الأثرُ الإيجابي على مستوى عيش المواطنات والمواطنين، وعلى التنمية؛
وهي فرصة نجدِّد فيها تثمينَنا العالي لمضامين الرسالة السامية التي وَجَّهَــهَا جلالةُ الملك، حفظه الله، بمناسبة الذكرى الستِّين لقيام أول برلمان مُنتخَب في بلادنا؛
ونُؤكد على أهمية الهيئات المنتخبة، وعلى الأدوار الأساسية التي اضطلع بها البرلمان، في إطار التعددية السياسية، على مستوى الإصلاحات، إلى أن تــَــفَـــرَّدَ بممارسة سلطة التشريع في كَنَفِ الاختيار الديموقراطي الذي أقره دستور2011 ضمن الثوابت الجامعة للأمة المغربية؛
إنَّ المرحلة، فعلاً، تقتضي الرفع من جودة النخب وتخليق حياة المؤسسات المنتخبة؛
ولذلك فالأمر يستدعي إصلاحَ المشهد السياسي، تشريعاً وتنظيماً وممارسةً، وتنقيةَ المنظومة الانتخابية، وتطهير هذا الفضاء من الممارسات المُشينة والفاسدة؛
وعلى كافة أحزابنا الوطنية أن تكون عند هذا الموعد الهام. كما على الحكومة أن تشرع في هذا الإصلاح منذ الآن، دون انتظار حلول مناسبة الانتخابات؛
ونُؤكد على أن الاستناد الفعلي والقوي إلى هذه المقاربة هو الذي من شأنه الرُّقيّ بالتجربة الديموقراطية الوطنية، واستعادة الثقة والمصداقية في العمل السياسي والمؤسساتي، وإحداث المصالحة بين المواطنات والمواطنين مع تدبير الشأن العام، وتجويد أداء الهيئات المنتخبة، من خلال إفراز أفضل الطاقات والكفاءات الوطنية؛
في نفس الوقت، نؤكد على أن مكافحة الفساد، وما تستلزمه من منظومةٍ شاملة لتخليق الحياة العامة، هي قضية محورية تَهُمُّ كافة مناحي الحياة في بلادنا، علماً أنَّ الفساد يخترق العديد من الفضاءات والميادين، وليس حِــــكراً على المجال السياسي والمؤسسات المنتخبة، كما قد يُـــــوحِـــي بذلك تقرير المجلس الأعلى للحسابات؛
حيث يتعين وضعُ مسألة التخليق ضمن منظور إيجابي يقوم على الارتقاء بالديموقراطية والممارسات الفضلى، وليس ضمن منظور سلبي يَزرعُ مزيداً من التوجُّـــس ويُــــفقِدُ المواطنَ ما تبقى من منسوب الثقة في المؤسسات.
في هذا السياق، سيكون من المفيد لتجربتنا الديموقراطية الوطنية ولِـــــمنسوب الثقة في المؤسسات، تسليطُ الضوء، أيضاً، من طرف المجلس الأعلى للحسابات، على التجارب الناجحة، حتى تكون نموذجاً ومرجعاً إيجابياًّ لكافة المدبِّرين العموميين، وحتى نُعطيَ الصورة الحقيقية والمتوازنة عن تسيير الشأن العمومي.
لا شك في أنَّ السياق الذي نناقش فيها هذا العرض هو سياق صعب، بالنظر إلى وضعية اللايقين والتقلبات الدولية الحادة، وبالنظر إلى حالة الجفاف ببلادنا؛
لكننا نعتقد أن الصعوبات يجب أن تكون فرصةً لإجراءِ الإصلاحات الضرورية في كافة المجالات، لا سيما باستحضار الاستحقاقات والتحديات التي تنتظر بلادَنا؛
نعم، بإمكان بلادنا أن تنجح، بفضل مقوماتنا الوطنية الهائلة التي تؤهلنا دوماً لامتلاك صفات التفرُّد الإيجابي والصمود والطموح؛
والدليلُ هو طريقةُ تعامُلِ بلادِنا مع زلزال الحوز وتداعياته، بتوجيهاتٍ ملكية سامية وقوية؛
من جانبٍ آخر، فالاستقراء المتمعِّن لتقرير المجلس الأعلى للحسابات، يجعلنا نُدلي بالملاحظات المختَصَرَة التالية:
1. ضرورة اتخاذ الحكومة لـــما يلزم من إجراءاتٍ من شأنها تقويةُ الاقتصاد والوطني وحمايةُ القدرة الشرائية للمغاربة؛
وهي مناسبة، نؤكد فيها على الدور الاستثماري والاستراتيجي والموجِّه للدولة، وللقطاع العمومي، إلى جانبِ قطاعٍ خصوصي مُكَمِّل ومسؤول ومُواطِن، وذلك كله وفق قواعد الحكامة والنجاعة والمردودية؛
2. صمودُ اقتصادنا وماليتنا العمومية، يتعين على الحكومة تعزيزهُ، من خلال التوفيق الخلاَّق بين التوازنات المالية والتوازنات الاجتماعية، لا سيما وأنَّ بلادَنا أطلقت ورش تعميم الحماية الاجتماعية، مع ما يتطلبه ذلك من ضمانٍ للاستدامة والحكامة. كما يتطلبُ الوضع اليقظة الكبيرة إزاء الديون، وخاصة منها الخارجية؛
3. على الحكومة أن تبادر لإصلاح منظومة التقاعد، بما يَحفظُ حقوق متقاعدي اليوم والمستقبل، دون المساس بالقدرة الشرائية وبدخْل الأُجراء؛
4. بالنسبة لورش الحماية الاجتماعية: نسجل سلباً أن نسبة استخلاص الاشتراكات لا تزالُ ضعيفةً، مما يعني أن النظام قد يهدده خطر العجز، مما يفرض على الحكومة الحرص على توازن واستدامة نظام الـتأمين الإجباري عن المرض، بالموازاة مع تحسين وتوسيع الخدمات الصحية وضمان الإنصاف المجالي؛
5. فيما يتعلق بالاستثمار: على الحكومة تسريعُ اعتماد استراتيجية وطنية للاستثمار، وإخراجِ كافة أنظمة الدعم، وخاصة بالنسبة للمقاولات الصغرى والمتوسطة؛ مع التحسين الحقيقي لمناخ الأعمال؛
6. الحكومة ليس لها رؤية واضحة إلى حد الآن بخصوص إصلاح قطاع المؤسسات والمقاولات العمومية. وهو ما يتطلب ضرورة الإسراع باعتماد التوجُّهات الاستراتيجية للسياسة المساهماتية للدولة؛
7. لقد آنَ الأوانُ لكي تتحرك الحكومةُ من أجل التنفيذ الشامل للقانون الإطار حول الإصلاح الضريبي، في اتجاه الإنصاف، وتوسيع الوعاء، والتقييم الدوري للامتيازات الضريبية، وإصلاح الضريبة على الدخل في اتجاه تخفيف العبء عن الأُجراء؛
8. بالنظر إلى الجفاف البنيوي الذي نعاني منه، فإنه يتعين مراجعة حكامة والتقائية الأطراف المتدخلة، من أجل تدبير هذه المرحلة الصعبة، مع توسيع الانفتاح على الموارد المائية غير التقليدية، والتركيز على التدابير التي تتوجه إلى كبار مستعملي المياه، وخاصة مُراجعة توسيع سقي زراعاتٍ ليست من أولويات استهلاك المغاربة؛
9. بالنسبة للتحول الرقمي، فإنَّ الفجوة الرقمية تشــكل تحديا حقيقيا. مما يقتضي استراتيجية أكثر إحكاماً وقابلة للتطبيق، مع الحرص على توفير كل الشروط لحماية الحقوق والمعطيات الشخصية للمواطن؛
السيد الرئيس؛
هذه بعضٌ من ملاحظاتنا فقط، تفاعلاً مع ما سجله التقريرُ المجلس، والذي تظل توصياته محدودة التنفيذ الكُلّي، للأسف الشديد؛
وهي مناسبة، لكي نجدد تأكيدنا على أهمية المعايير في تحديد المهام الرقابية، والتي يتعين أن تُقاسَ بتقدير درجة المخاطر، وبمستوى الراهنية، وبحدَّة الرهانات المالية، توخِّياًّ لنجاعة أداء المحاكم المالية لرسالتها النبيلة؛
وشكراً.