ما جرى في البرلمان يوم الثلاثاء الماضي من انسحاب للمعارضة احتجاجا على احتقار الحكومة للبرلمان، يتعين ان لا يمر كحدث بسيط ضمن مختلفات الإعلام، بل يتعين ان يتوقف عنده كل ديمقراطي وكل تقدمي وكل وطني مدافع عن الديمقراطية وعن المؤسسات وعن حياة سياسية سليمة.
فقد رفض وزير التعليم العالي المثول امام مجلس النواب للرد على تدخلات النواب في قضية طارئة تتعلق بطلبة كلية الطب رغم تقديم طلب رسمي من طرف مكتب المجلس تلبية لطلبات من المعارضة والاغلبية معا.
ما معنى ان يتوصل مكتب المجلس برد غريب هو ان الحكومة غير مستعدة للتفاعل مع طلب المجلس لمناقشة قضية حارقة تهم مصير سنة دراسية لطلبة الطب ومصير آلاف الطلبة وآلاف العائلات، وتؤثر بشكل واضح على وضعية المستشفيات العمومية ومختلف المراكز الصحية من حيث سد الخصاص المتفاقم في الأطر الطبية، ومن ثمة على عشرات بل مئات الاف من المواطنين المرضى؟
ما معنى عدم الاستعداد والحال انه من المفروض ان تكون الحكومة عامة والقطاع الحكومي المعني خاصة منشغل بمشكلة يواجهها ولديه حلول يقدمها للمعنيين ولنائبات ونواب الأمة وللراي العام ؟
ليس لذلك سوى معنى واحد : احتقار واستهتار. احتقار لمؤسسة دستورية اساسية في الهرم المؤسساتي للمملكة ولدورها في مراقبة الحكومة الذي ينص عليه الدستور وبالتالي ازدراء للدستور نفسه، وهذا امر غير مقبول اطلاقا ويحتم رفضا قاطعا من طرف الجميع ايا كان الموقع لانه مس بالعمل السياسي في العمق واحتقار له ويتعين، والحالة هذه ، اتخاذ المتعين من اجراء في حق وزير لا يراعي لا حرمة الدستور ولا حرمة مؤسسة دستورية ولا انشغالات الطلبة وعائلاتهم..
ومن المثير للاستغراب في جلسة انسحاب المعارضة ان رئيس فريق من الاغلبية، ضمن دفاعه عن الوزير،قال انه اتصل بالوزير واخبره انه لم يكن على علم ببرنامج المجلس في هذه الجلسة ! هنا إشكال آخر لا يمكن وصفه سوى بالعبث ان صحت رواية رئيس الفريق. فمن اجل الدفاع عن وزير يتم توريط وزير آخر هو الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان وتحميله ضمنيا وزر هذا الانحراف عن العلاقات الطبيعية بين مؤسستي الحكومة والبرلمان. فالوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان دوره هو
التنسيق بين المؤسستين الدستوريتين، وهو المكلف باخبار الوزراء بجدول اعمال المجلس. وان صح ان وزير التعليم العالي لم يخبر فمعنى ذلك ان وزير العلاقات مع البرلمان تهاون واستهتر بمهمته الأساس، ويكون بذلك قد ارتكب ” خطأ مهنيا جسبما” ترتب عنه مس بالدستور وبمؤسسة دستورية! ويتعين تكييف المحاسبة حسب درجة الخطأ بالاستئناس بقانون الوظيفة العمومية!
ويبدو من خلال وقائع متكررة ان عبارة “رايكم لا يهمني” لم تكن زلة لسان بل اصبحت تشكل مقاربة للعمل السياسي لهذه الحكومة واصبح ” رايكم لا يهمنا” بصيغة الجمع.
هذه ” الاطروحة” الغريبة للعمل السياسي تشكل خطرا حقيقيا ، ينبغي الانتباه اليه، على المسار الديمقراطي لبلادنا. لقد تمكن المغرب من تجاوز أزمات كبرى بفضل منع الحزب الوحيد، والتعددية السياسية ووجود فضاءات يعبر فيها الشعب عن قضاياه ومطالبه منها الاحزاب السياسية والبرلمان الذي ، رغم كل عيوبه، فانه منبرا يتم فيه التعبير عن قضايا الشعب من طرف ممثليه الحقيقيين ( وليس المصطنعين والمصنوعين). لنتذكر الماضي القريب : وجود حياة سياسية وبرلمان وفضاءات التعبيرالمختلفة ، وتلاقي إرادة الملك والشعب ، جنب بلادنا المنزلقات التي كانت ممكنة خلال ما سمي ب”الربيع العربي”، وبفضل دستور جديد متقدم تم الجواب المتبصر لملك البلاد على الحراك الشعبي… هذا الدستورهو الذي يتعين احترامه والاجتهاد في تنفيذه وليس تجاهله او الدوس عليه.
احتقار البرلمان هو احتقار للدستور وللعمل السياسي ، و احتقار العمل السياسي وازدرائه يعمق ازمة الثقة والنفورمن العمل السياسي المنظم والمسؤول ويفتح الباب امام تعابير اخرى، فالمجتمع يفرز اشكالا جديدة للتعبير ان فقد الثقة في الفضاءات الموجودة والمنظمة.