حكومة الكفاءات ام كفاءة الحكومة؟

بقلم عبد الصادقي بومدين

منذ بضع سنين انتشر في المغرب تعبير ” حكومة الكفاءات” كما انتشرت عدة مفاهيم تروج دون مساءلة ودون تمحيص وتدقيق.

ماذا يعنون بحكومة الكفاءات؟ في الغالب المعنى هو وجود كفاءات تقنية مختصة في مجالها . بهذا المعنى فوجود مهندسين وأطباء ومختصين في مجالات علمية وتقنية وتدبيرية في الحكومة يعني انها حكومة كفاءات.
في الواقع كل حكومة من المفروض ان تكون حكومة كفاءات. لكن ماذا نقصد بالكفاءة في هذا المجال ؟ المفهوم كما هو رائج المقصود به هو الكفاءة التقنية في الوقت الذي نتحدث فيه عن حكومة بما هي مؤسسة سياسية وليست ادارة او مكتب دراسات او معهد او جامعة.

من المفروض ان تتكون كل حكومة من كفاءات لكن بمعنى الكفاءة السياسية، و الكفاءة السياسية تعني التمكن من حمل مشروع سياسي وبرنامج والقدرة على تنفيذه والدفاع عنه والتمكن من الدستوروالقوانين واطلاع على السياسات العمومية في كل مجالات العمل الحكومي، والقدرة على التواصل الداخلي ( داخل الحكومة نفسها) ومع المجتمع السياسي ومع الشعب، ثم القدرة على اتخاذ القرار الذي يكون دوما سياسيا مهما كان طابعه التقني ويثير ردود فعل سياسية.

الوزير في قطاع محدد لا يتعامل فقط مع مجال اختصاصه التقني بل ايضا مع مكونات الوزارة من اطر وموظفين ونقابات وجمعيات، ويتعامل خارح الوزارة مع جهات وأطراف مختلفة… التواصل مع كل هذه الأطراف والمكونات يتطلب اولا وقبل كل شئ الكفاءة السياسية.

بجانب كل وزير مستشارون وخبراء وإدارة من المفروض انها تتوفر على كفاءات تقنية تهيء المقترحات والمشاريع والمبادرات لكن الوزير هو الذي يتخذ القرار بناء على تصور سياسي وادراك سياسي للمكن وغير الممكن ، ومدى الانسجام مع تصور وبرنامج الحكومة ،فالتقني معياره الأساس في اتخاذ القرار هو جدواه من زاوية الاختصاص، اما الوزير الذي يبوم بمهمة سياسية له معايير اخرى سياسية منها توقيت اتخاذ القرار ووقعه في المجتمع السياسي والمدني ومدى امكانية تنفيذه . ولاجل ذلك لابد من كفاءة سياسبة التي لا تكتسب بين عشية وضحاها كما يقال بل بالممارسة المستمرة والمتواصلة.
هل هذا يعني ان الكفاءة التقنية لا مكان لها في تشكيلة الحكومة؟ هنا مغالطة اخرى يحيل اليها مفهوم حكومة الكفاءات وهي الايحاء بان السياسي بدون كفاءة تقنية، والحال ان عددا كبيرا من السياسيين ،خاصة في الاحزاب الحقيقية والجادة، هم في نفس الوقت كفاءات تقنية وخبراء في مجال عملهم، أطباء ، مهندسون، خبراء اقتصاديون، مختصون في مجالات التقنية،وفي مجال التدبير الخ…

ليس لدينا في المغرب سياسيون محترفون مجال عملهم الحصري هو السياسة بل مواطنات ومواطنون لهم مجالات اختصاصهم وعملهم، يختارون العمل السياسي بجانب عملهم المهني الأصلي. فوضع تعارض بين الكفاءة التقنية وامراة او رجل سياسة يجانب الصواب ان لم يكن مغالطة هدفها سياسي وليس نجاعة الأداء .

في بلدان اخرى يستعملون عبارة الحكومة التقنية التي لا يكون لاعضائها اي انتماء سياسي، ويتم اللجوء لهذه الصيغة مؤقتا عندما تكون هناك أزمة او مشكل سياسي يمنع من تكوين حكومة سياسية.

لدينا اذن اما حكومة سياسية تتكون من كفاءات سياسية بجانبها خبراء ومستسارون مختصون في مجالات مختلفة ومكاتب دراسات احيانا لمساعدة الوزراء في الاستشارة وتهيئ ملفات وتقديم الخبرة والمعطيات التي ينبني عليها اتخاذ القرار الذي يكون سياسيا في نهاية المطاف، او حكومة تقنية تتكون من مختصين في مجالات مختلفة وحسب القطاعات الحكومية، وهذه الحكومة تكون أقرب الى حكومة تسيير الاعمال الجارية لضمان الحد الأدنى من التدبير الحكومي، ومثل هذه الحكومة لا تتخذ، في الغالب، قرارات سياسية كبرى ذات طابع استراتيجي او ترهن مستقبل البلاد وتتطلب محاسبة لا تكون الا سياسية ولأطراف سياسية معلومة. فلا يمكن محاسبة أشخاص تقنيين بدون انتماء لتنظيم مستمر وجوده في الزمن بغض النظر عن الأشخاص، فسياسة عمومية ما مفلسة او فاشلة يحاسب عليها التنظيم السياسي الذي قام بها وليس الشخص الذي نفذ ها، بهذا المعنى يصعب محاسبة وزير تقني كشخص بعد انتهاء مهامه التي هي اشبه بوظيفة منها بمهمة سياسية تكون ضمن تشكيلة سياسية( حزب او تحالف حزبي) ، وببرنامح وتصور واختيارات.

ما يتعين التساؤل بشأنه هو هل الحكومة، كهيئة ،كفؤة او غير كفؤة لتدبير الشأن العام؟
المطلوب اذن كفاءة الحكومة وليس حكومة الكفاءات.

بقلم عبد الصادقي بومدين