كلمة الأمين العام، الأستاذ محمد نبيل بنعبد الله بمناسبة الزيارة الترحمية لقبر الفقيد علي يعته في الذكرى 27 لرحيله

الدار البيضاء، في يوم الأربعاء 28 غشت 2024

رفيقاتي، رفاقي،
ها نحن، ككُلِّ عامٍ، نقفُ وقفة الإجلال والإكبار، وقفةَ الذكرى والعِبَر، أمام الروحِ الطاهرة لرجلٍ فـــــذٍّ وزعيمٍ استثنائي، فقيدِ الوطنِ والشعب والحزب، الراحل علي يعته، الوطني الديموقراطيّ التقدميّ، تغمده الله بواسع رحمته.
سبعٌ وعشرون سنة مرت، مثل رمشة عين، على ذاك الفقدان الأليم، وها نحن نُخلِّـــدُ ذكرى ذلكَ الرحيلِ المفجع لقائدنا ونِبراسِ طريقِنا وأحد فُــــرسانِ فضائنا السياسي وصَفِّنا الوطني الديموقراطي ويَسَارِنا المغربي، على مدى عقود من الزمن.

ولا نقف اليوم، فقط، لاستذكار مسيرة سي علي، رمزُ الرعيل المؤسِّس، الحافلة بالتضحيات والعطاءات سياسيا وإعلاميا وبرلمانياًّ، بل أيضاً وأساساً لأجل مواصلة استلهام الدروس التي هي إرثٌ لا يَــفْــنى، ذلك أنه من لا ماضي له لا حاضر ولا مستقبل له. وهكذا يمكنُ الاستمرارُ في المسار بوفاءٍ وتجديد.
نعم، إنها سبعة وعشرون عاماً انقضت بعد رحيل السي علي، تغيرت فيها كثيرٌ من الأشياء ببلادنا لم يُكتَبُ لفقيدنا أن يعيش ليراها، وإنْ كان من المساهمين في وضعِ لَبِناتِها الأولى؛
لكن كثيراً من الأشياء لا تزالُ تستحق النضال والكفاح على نفس خطى ودربِ فقيدنا علي يعته.

ولذلك لن نَحيدَ عن هذا الطريق القَــــويم، سعياً نحو بناء المغربِ القوي والمزدهر الذي أفنت قاماتٌ وطنية عُـــمرها في الحلم به والعمل من أجله، وقِوامُهُ توطيد وحدتنا الترابية، والديموقراطية، والحريات، والنماء الاقتصادي، والعدالة الاجتماعية، والكرامة.

لأجل ذلك، ما أحوج الطبقة السياسية الوطنية عموماً، والصف الوطني الديموقراطي خصوصاً، واليسار المغربي على وجه التحديد، اليوم أكثر من أيِّ وقتٍ مضى، إلى رجالاتٍ من طينة الراحل علي يعتة، رجالاتٍ بَصَــــمُـــوا فعلاً فضاءَنَا العمومي، خلال القرن الماضي، بغيرتهم الوطنية، بالتزامهم، بصُمودهم، بأخلاقهم العالية وبِـنُكران الذات، بجرأتهم وشجاعتهم ومسؤوليتهم.
هكذا، كان سي علي، الذي أنجبته هذه التربة الأصيلة لهذا الوطن العظيم، كما أنجبت عديدين من معدنه في مشاربَ فكريةٍ وسياسية متعددة، وهي قادرةٌ على إنجاب أخرياتٍ وآخرين.

فما أحوجَـــنَا، اليوم، وبلادُنا أمامها حجمٌ هائلٌ من التحديات والرهانات، إلى تلك الخصال التي تحلى بها جيل التأسيس الأول.
إنها خصالٌ يصعبُ حصرُها في مُجردِ كلمات، لأنها كانت نمطَ حياة، وأسلوبَ تفكير، ومنظومة سلوك….. ثم إنها خصالٌ إنسانية سامية يتعين أن تكون ممتدة في الزمان، ولا يستقيمُ الادعاءُ بأنها جزءٌ من ماضٍ محدَّد نَحِنُّ إليه، أو أنها من جُملة ما هو خاضعٌ بطبيعته للتغيُّر بمرور الوقت.

نعم، رفيقاتي رفاقي، ما أحوجنا، اليوم، ليس في حزبنا فحسب، بل في كل الفضاء السياسي، أن نستلهم من تلك التجارب الرائعة لجيلٍ رائع في طليعته فقيدُنا سي علي، الذي كان قُدوةً في إقران القول السديد بالعمل المتفاني؛ وفي التفاؤل، وفي فتح الآفاق مهما اشتدت الصعابُ والمِحن والخيْبات؛ والذي كان نموذجاً في التفكير العقلاني المستندِ إلى الواقع وفق منهج صارمٍ في التحليل الجدلي؛ والذي كان مثالاً في النزاهة الفكرية والاستقامة الشخصية، وفي المصداقية؛ والذي كان بقدر وفائه لمبادئه وقيمه ولخطه الفكري والسياسي، بقدر تشبثه بالعمل الوحدوي كما بالتوافقات الكبرى.

فعلاً، ما أحوجنا إلى استحضار ما كان عليه فقيدُنا سي علي من شجاعةٍ في التعبير عن المواقف المسؤولة، ومن بُعد نظرٍ ووضوحٍ في الرؤية، ومن عدم تأثر بالحسابات الضيقة، حيثُ مصلحة الوطن والشعب هي الأولى والأخيرة في كل الأوقات والظروف، وهي فوق كل اعتباراتٍ انفعالية من شأنها أن تُفضي إلى الانتهازية أو المغامرة.

وما يبرر، بقوة، حاجة مغرب الحاضر والفضاء السياسي الراهن، إلى نساءٍ ورجالٍ يستنيرون بسيرة سي علي وأمثاله من الهامات الوطنية الفريدة، هو أن بلادنا اليوم فعلاً في أمسِّ الحاجة إلى الارتكاز على الإيجابيات والمكتسبات المحققة، لمُباشرة جيلٍ جديدٍ من الإصلاحات العميقة والحقيقية، بِــنَفَــــسٍ ديموقراطيٍّ جديد.

ولأن مغربنا يستحق هذا الانتقال نحو الأفضل تنمويا وديموقراطيا، ولأن التغيير لا بد له من نساء ورجال يحملون هَمَّهُ ويُؤدُّون كُلفَتَهُ ويصبرون على تبعاته، فإن هناك ضرورةً لإبراز طبقة سياسية وطنية لا تكتفي بالتكيّف الحيادي مع الواقع بقدر ما تسعى بصدقٍ، إراديا ونضاليا، نحو التقدم ونحو التغيير.

من كل ذلك تنبع الحاجة، اليوم، إلى استلهام مسيرة السي علي.
فلترقد روحك بسلام أيها القُدوةُ والمربِّي والقائد والمفكِّر والصحفي والزعيم والمؤسِّس…. وإنَّا على دربك سائرون.