أي مسؤولية للمنتظم الدولي في مواجهة العنف الصهيوني الممارس على المرأة الفلسطينية ؟
بقلم : سومية منصف حجي
في عالم تتراقص فيه الأضواء بين مرارة الواقع والأمل في غد أفضل تسوده العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان وتراعى فيه حقوق النساء، في مواجهة لكل أشكال العنف والتمييز، وفي سياق دولي يعيش على وقع الهجومات الشنيعة التي يشنها الكيان الصهيوني الغاشم على مرأى ومسمع من المنتظم الدولي الذي يكيل بمكيالين في تغاض تام عن مقتضيات القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان في مادته 27 على وجه الخصوص واتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية الأشخاص المدنيين في حالة حرب لسنة 1949 والإعلان العالمي بشأن حماية النساء والأطفال في حالات الطوارئ والمنازعات المسلحة، وطبعا اتفاقية القضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة لعام 1979 وخاصة المادة 27 – البرتوكول 1، وأيضا إعلان القضاء على العنف ضد المرأة لسنة 1993 والذي نبه للعنف الذي تتعرض له النساء في حالات النزاع المسلح، تساؤلنا اليوم، كل هذه القوانين والاتفاقيات وغيرها كثير، عن مدى الجدوى منها وعن مدى التزام الدول الموقعة عليها بمقتضياتها، حماية لنساء عزل تتواجدن فوق أرض أرادها الصهاينة أن تكون لهم دون وجه حق، فارضين قوتهم، مكيلين كل أشكال التعذيب الجسدي والنفسي لأصحابها، حارمين إياهم من مقومات العيش الكريم في مجال آمن يتميز بالاستقرار لهم ولأسرهم.
إن معاناة الشعب الفلسطيني وخاصة النساء منه هو تجسيد لمأساة مستمرة دامت لعقود طويلة، حيث تتعرض الفلسطينيات لشتى أنواع العنف النفسي والمعنوي والجسدي والاغتصاب والتعذيب في ظل الظروف القاسية التي يعيشها الفلسطينيون تحت وطأة الاحتلال حيث المرأة في قلب الصراع، تقاوم من أجل البقاء وحماية أسرتها في جو يسوده الخوف وعدم الأمان، جو سمته التهديد والترعيب والاعتداء والحرمان.
خلال هذه السنة التي تزايدت فيها الهجومات على الشعب الفلسطيني وعلى قطاع غزة على وجه التحديد، في بشاعة وهمجية غير مسبوقتين، تتعرض المرأة الفلسطينية للعنف، ليس فقط بسبب النزاع والاحتلال، ولكن أيضا بسبب الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تشهدها الأراضي المحتلة. فهي تعاني من ضغوطات متعددة بما في ذلك فقدان المعيل وانتشار الفقر المدقع وعدم وجود فرص عمل لها. كما أنها تعيش تحت وطأة نقص حاد في موارد الحياة الأساسية كالماء والغذاء وفقًا لتقارير منظمات دولية، وتواجه أيضا صعوبات في الحصول على الرعاية الصحية، وهو ما يعكس أوجه أزمة شاملة تتجاوز الأبعاد الإنسانية البسيطة.
حرمان المرأة الفلسطينية من الغذاء والمسكن الآمن يتم في خرق سافر للمادة السادسة من الإعلان بشأن حماية النساء والأطفال في حالة الطوارئ والمنازعات المسلحة الذي اعتمد بموجبه قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في دجنبر 1974 والتي نصت على ما يلي: “لا يجوز حرمان النساء والأطفال، من السكان المدنيين الذين يجدون أنفسهم في حالات الطوارئ والمنازعات المسلحة أثناء الكفاح في سبيل السلم وتقرير المصير والتحرر القومي والاستقلال أو الذين يعيشون في أقاليم محتلة، من المأوى أو الغذاء أو المعونة الطبية أو غير ذلك من الحقوق الثابتة، وفقا لأحكام الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وإعلان حقوق الطفل وغير ذلك من صكوك القانون الدولي”.
تتعرض المرأة الفلسطينية لواقع عنيف ومعقد يتجاوز بطبيعة الحال المفاهيم التقليدية للعنف الذي يمارس على المرأة في مناطق أخرى من العالم. فإلى جانب العنف الجسدي والنفسي الذي قد تتعرض له في سياقات حياتها اليومية، فهي تواجه أنواعا متعددة من العنف مرتبطة أساسا بالاحتلال حيث تنتهك حقوقها بشكل ممنهج وتواجه الاعتقالات التعسفية والتهجير والتجويع والتهديد والمس بكرامتها وإنسانيتها، وهذه لعمري أقصى درجات العنف.
يعد المنتظم الدولي مسؤولًا عن حماية حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم. ومع ذلك، يبرز هنا سؤال أساسي: لماذا لم تُتخذ خطوات ملموسة لوضع حد لمعاناة الشعب الفلسطيني؟ إن السكوت عن الانتهاكات الجسيمة، وإنصاف الضحايا، يُعدّ تقاعسًا عن مسؤولية حماية حقوق الإنسان وحقوق المرأة على وجه التحديد. إن موقف المنتظم الدولي من القضية الفلسطينية يبين واضحا ان التعامل مع انتهاكات حقوق الإنسان يتم بشكل انتقائي حسب المصالح السياسية والاقتصادية للدول العظمى، وهو ما يؤكد إخفاقه في احترام مقتضيات القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان وكل المعاهدات والاتفاقيات ذات الصلة وهو ما يستلزم تضافر الجهود لتصحيح موازين القوى وتحقيق السلم والسلام للفلسطينيين بما يضمن حماية المرأة الفلسطينية من كل أشكال العنف الذي تتعرض له.
إن احياء الأمم المتحدة للأيام الأممية البرتقالية لمكافحة جميع أشكال العنف ضد النساء، والتي تمتد من 25 نونبر إلى 10 دجنبر، هو مناسبة تذكرنا بأهمية توحيد الجهود لمواجهة هذه الظاهرة العالمية التي تعصف بحياة الملايين من النساء في شتى أنحاء العالم. ولكن في ظل واقعنا اليوم وما يتعرض له الشعب الفلسطيني، تبقى قضية النساء الفلسطينيات وما يمارس عليهن يوميا من أشكال العنف من أبرز التحديات التي تتطلب منا جميعًا أن نكون صوتًا قويًا للدفاع عن حقوقهن، في مواجهة عنف الاحتلال الذي يطالهن ويدمر حياتهن اليوم.
يجب أن تكون الأيام الأممية البرتقالية مناسبة لتعزيز الوعي حول مأساة النساء الفلسطينيات، والتأكيد على ضرورة دعم حقوقهن في سياق التحرر الوطني. المناسبة ليست مجرد احتفال رمزي بل هي دعوة للتغيير وللأمل. فلنجعل من هذه الأيام علامة فارقة في نضالنا من أجل حقوق المرأة وفي محاربة كل أشكال العنف الموجهة ضدها، ولتصدح أصواتنا بضرورة حماية النساء الفلسطينيات وتحريرهن من براثين الاحتلال لأن تحرير المرأة الفلسطينية هو جزء لا يتجزأ من النضال من أجل الحرية والكرامة الإنسانية لكل الشعوب وهو نصرة لحقوق المرأة أينما كانت ونضال حقيقي من أجل القطع مع كل اشكال العنف الموجهة ضدها.
سومية منصف حجي
عضو المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
رئيسة لجنة المساواة وحقوق النساء