الرفيق رشيد حموني يفسر تصويت حزب التقدم والاشتراكية ضد قانون الإضراب.

كلمة فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب

في الجلسة التشريعية العمومية ليوم الأربعاء 05 فبراير 2025 على الساعة العاشرة صباحاً

لتفسير تصويت الفريق برفض مشروع قانون تنظيمي رقم 97.15  بتحديد شُروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب في إطار قراءةٍ ثانية

 

السيد الرئيس؛ السيدات والسادة الوزراء؛ السيدات والسادة النواب؛

إنَّ فريقَنا للتقدم والاشتراكية يُصوِّتُ، اليوم، على غرار موقفه في القراءة الأولى، ضدَّ صيغة مشروع القانون التنظيمي رقم 97.15 بتحديد شُروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب؛

وذلك لأسباب عديدة سنذكُرُ بعضَها، ومن أبرزها محدوديةُ تجاوُبِ الحكومة مع توصيات المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، وفي مقدمتها “جعـــــلُ تأطير وضمانُ ممارســة حــق الإضــراب مشــروعاً مُجتمعيــا يتطلب توافقاتٍ بناءة ومتينة”.

إننا نصوت، مرة أخرى، برفض هذا المشروع، ليس لأننا ضد تأطير حقٍّ كَوني دستوري، حيث ينص الفصل 29 من الدستور على أنَّ “حق الإضراب مضمون. ويحدد قانون تنظيمي شروط وكيفيات ممارسته”؛

ولقد برهَنَ فريقُ التقدم والاشتراكية على حسِّ الإيجابية وروح المسؤولية، من خلال إسهامه الفعلي في وضع هذا النص التشريعي ذي الأبعاد المجتمعية، على سِكَّة المناقشة البرلمانية، بعد سنواتٍ من التقاذُف والأخذ والرد؛

كما تحمَّل فريقُنا مسؤوليته الكاملة في السعي نحو تجويده، من خلال المشاركة الجادة بتعديلاتٍ جوهرية، من منطلقاتٍ حقوقية وديموقراطية؛

ثم إننا نصوت اليوم ضد الصيغة الحالية للمشروع، ليس لأنها لا تتضمن أيَّ إيجابيات، بل لأنَّ تطوير النص الأصلي خلال مسار المصادقة البرلمانية لم يصل إلى درجة ما كنا نطمحُ إليه مِنْ تتَجَنُّبٍ لكل المقتضيات والإجراءات التكبيلية التي تجعل من ممارسة حق الإضراب أمراً مُتَعَسِّراً؛

نعم، بالنظر إلى مكانة القانون التنظيمي للإضراب، ذي الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والديموقراطية والحقوقية، كنا نطمحُ إلى يَحصُلَ حولهُ إجماعٌ للقوى السياسية وللحركة النقابية؛

كما كنا نتطلع إلى أن تُقبَلَ، بدرجةٍ أكبر، تعديلاتنا الأساسية التي ارتكزت على توخّي التوازن بين مصالح الطبقة العاملة والمهنيين، وبين مصلحة المقاولة الوطنية، والمصلحة العليا للوطن؛

مع ذلك، لا يمكننا سوى أن نعبر عن الاعتزاز بعُمقِ المناقشةِ البرلمانية لهذا النص، بما جَسَّدَهُ من صورة حقيقية مطلوبة يتعين أن تكون عليها المؤسسة التشريعية؛

في نفس الوقت، ومن منطلق الموضوعية التي تميِّزُ مدرستنا السياسية، نهنِّئكم، السيد الوزير، على المجهود الكبير الذي بذلتموه والتفاعل الإيجابي الذي أبديتموه لتطوير النص نسبياًّ، منذ صيغته الأصلية وإلى حدود الصيغة الحالية؛

كما نحييكم على الحِسِّ السياسي والتواصلي الذي ميَّزَ تعامُلَكم خلال كل المراحل التي قطعتها مناقشةُ هذا المشروع. وهو الحِسُّ السياسي المفقود، للأسف، لدى معظم أعضاء الحكومة الحالية.

نعم، من الإيجابي أنَّ بلادنا ستتوفر على قانونٍ للإضراب، لطالما تمَّ انتظارُه منذ أزيد من ستة عقود. لكن من المؤسف حقاًّ أن النص الذي بين أيدينا لم تتوفر له الشروطُ الكافية واللازمة والمُقنِعَة، حتى يحظى بموافقتنا وموافقة الجميع، وذلك لدواعي ومبررات قوية ومعقولة لا يتَّسِعُ الوقتُ لسردها كلِّها؛

لكن حَسْبُنا أنَّ هذا المشروع سيحتكُّ قريباً بالواقع والممارسة العملية، وحين تتَكَشَّفُ ثغراته، ستكون للبرلمان عودةٌ من أجل الإصلاح والتجويد؛

فبالفعل، اليوم، تُصِرُّ الحكومة على عدمِ إدراجِ ديباجةٍ قوية تؤكد المرجعيات الحقوقية والدستورية لممارسة الإضراب؛

كما نسجل، في هذه الصيغة، استمرارَ ضُعفِ التوزازن بين حق الإضراب وحرية العمل؛ وثِقلَ وتعدد الغرامات؛

ونسجل، أيضاً، استمرار إثقال النص بالمساطر والإجراءات والآجال والجهات الواجب تبليغها، عوض الاقتصار على المبادئ الأساسية، بما يعقِّدُ الدعوة إلى الإضراب والمشاركة فيه؛

وفي نفس الوقت، تُصِرُّ الحكومةُ على إبقاء الحرمان التلقائي من الأجر بسبب الإضراب، عوض الاعتماد على بدائل أخرى اقترحناها استلهاماً من التجارب الدولية الفُضلى.  كما لم تعمل الحكومة على إقرار عدم تطبيق مبدأ “الأجر مُقابل العمل” إذا ما كان سبب الإضراب هو عدم أداء الأجر من قِبَلِ المشغِّل.

وفوق هذا وذاك، فإنَّ هذه اللحظة الهامة التي نُـــصوِّتُ فيها على مشروع القانون التنظيمي، لا يجب أن تُنسيَنَا أنَّ ممارسة الإضرابِ ليست غايةً في حدِّ ذاتها؛

حيثُ لا تُستعملُ غالباً هذه الوسيلة إلاَّ اضطراراً، في حالات انسداد آفاق حل نزاعاتِ الشغل، وفي حالات الاحتقان الاجتماعي، وفشل الحوار الاجتماعي، كما هو الحال اليوم في ظل هذه الحكومة التي تفاقمت معها البطالة، وارتفعت الأسعار، وأفلست المقاولات، وتنامَى الفساد، وتراجَعت الحقوق والحريات؛

ولا بد من تأكيدنا، في فريق التقدم والاشتراكية، على أنَّ عالَم الشُّغل مثلما يحتاجُ إلى قانونٍ لتأطير الإضراب، فهو محتاجٌ إلى الثقة بين الفاعلين، وإلى التعاقد الاجتماعي؛

كما يحتاج، أيضاً، إلى إصلاحٍ عميق لمدونة الشغل، وإلى إخراج قانون المنظمات النقابية، وإلى المأسسة الحقيقية للحوار الاجتماعي؛ وإلى تقوية جهاز تفتيش الشغل، وإلى آلياتٍ ناجعة لحل نزاعات الشغل.

وفي الأخير، ندعو الحكومة إلى المصادقة على اتفاقية منظمة العمل الدولية حول حرية التجمع وحماية حق التنظيم النقابي، كما أوصى بذلك المجلس الوطني لحقوق الإنسان؛

كما ندعو الحكومة إلى إلغاء الفصل 288 المشؤوم من القانون الجنائي، نظراً لِتعارُضِهِ التام مع ممارسة الحرية النقابية والحق في الإضراب.

وشكراً.