في لقاء تقديم كتاب” اسماعيل العلوي: نبل السياسة.. مسيرة حياة” عن الرفيق اسماعيل العلوي رئيس مجلس الرئاسة لحزب التقدم والاشتراكية واحد قادته التاريخيين، لمس الجميع مدى التقدير الذي يحظى به الرفيق اسماعيل لدى النخبة المغربية بكل مكوناتها السياسية والنقابية والثقافية والجمعوية ولدى اطر الدولة… من اقصى اليمين الى اقصى اليسار والاسلاميين والمحافظين والتقدميين والحداثيين، كل الاطياف وكل التوجهات كانت حاضرة في لقاء التقديم / التكريم.
لماذا كل هذا التقدير وكل هذا الاحترام حتى من طرف من خاض ضدهم معارك سياسية وفكرية، حادة احيانا؟
الجواب في تقديري ان الرجل قامة سياسية وفكرية وثقافية وطنية قبل ان تكون يسارية وتقدمية، فقد نال عضوية أكاديمية المملكة المغربية ( وهو مقام علمي رفيع) بوصفة كفاءة علمية وثقافية وطنية قبل كل شئ.
والرجل، كما عرفته عن قرب شديد ، نموذج لتواضع الكبار وتواضع العالم، ينصت كثيرا ،يتفاعل بلطف شديد حتى عندما لا يوافق على فكرتك، يقدم اعتراضه بلباقة بالغة ويقدم الاسباب والتحليل ( هنا يغرقك في معطيات وافكار ومعلومات.. فهو قارئ شره ويتابع ويقرأ احدث الاصدارات الفكرية والفلسفية والدراسات التاريخية في مجالات مختلفة قد لا تخطر لك على بال…)
تلمس النبل في الكلام والتعامل، تلمس تواضعا لا تتوقعه ممن في مقامه الفكري والسياسي…
وللرفيق اسماعيل ميزة تلخص مدى احترامه للآخر ولنفسه وهي التزامه الدقيييق جدا بمواعيد اللقاءات التي يستدعى اليها او مواعيد لقاء شخصي، وغالبا ما يكون اول الحاضرين في اي لقاء، وقد يعتبر اللقاء او الاجتماع ملغيا اذا تاخر المدعوون… هذا يعرفه كل من تعامل معه في إطار سياسي او نقابي او جمعوي (فهو فاعل جمعوي كبير ايضا ويتراس جمعية وطنية ” الجمعية المغربية لتنمية الارياف” وجمعية تنموية وثقافية بسلا) وقد قال تميم بنغموش احد الأطر التي تعمل معه بجمعية سلا المستقبل انه يخجلهم باحترامه الدقيق للوقت… هذه ايضا ميزة انسانية نادرة…
هو صارم فيما يخص قناعاته الفكرية والسياسية ويعبر عنها بكل وضوح وصراحة وجرأة كبيرة (دون حسابات كثيرة كما يفعل السياسيون عادة، فهو في عمله السياسي وحتى في أعلى هرم المسؤولية اقرب الى المثقف، الذي يقول كلمته ويمضي، منه الى سياسي يحصر انشغاله بالمكسب السياسي المباشر)،لكنه في نفس الوقت لا تلمس فيه اي تعصب لرايه او تسفيه راي الآخر،فهو يعمل بمبدأ الامام الشافعي ” رأيي صائب ويحتمل الخطأ ورايك خاطئ يحتمل الصواب”، وهذا مبدأ ثمين ( سمي لاحقا بنسبية الحقيقية) يعمل به من هو مقتنع تماما بفكرته وقناعاته ومقتنع ايضا بنسبية الحقيقية، وحتى عندما شرح اسباب عدم كتابته لمذكراته قال انه يخشى ان تخونه الذاكرة ويقدم وقائع بقراءة ذاتية…
اسماعيل العلوي مثقف عضوي بكل المعاني التي تحدث عنها المفكر والقائد الشيوعي الايطالي انطونيو غرامشي، مارس الفكر الذي اقتنع به في الميدان في ظروف صعبة سياسيا، فهو احد القادة التاريخيين للحزب الشيوعي المغربي ثم حزب التحرر والاشتراكية فحزب التقدم والاشتراكية.
ويجسد اسماعيل العلوي مفهوما آخر في الادبيات الماركسية وهو مفهوم الانتحار الطبقي. فهو ينتمي لعائلة ميسورة وعريقة في مدينة سلا وترتبط اصولها بالعائلة العلوية التي ينحدر منها ملك المغرب، وبيت ابيه كان يزوره محمد الخامس، ووالده من الاعيان الكبار، رغم ذلك اختار وهو طالب ان ينتمي للحزب الشيوعي المغربي الممنوع في بداية الستينات مما شكل صدمة قوية لوالده وللعائلة عموما لدرجة ان والده بكى عندما علم ان ابنه شيوعي!!! لقد انتحر طبقيا واتخذ مسارا في الحياة مناقض تماما لما كان متوقعا.
اسماعيل العلوي ايضا رجل توافق ونظر بعيد، لم يلجأ ابدا للخطاب الشعبوي او ما يريد الجمهور سماعه، هو يمقت مثل هذا الخطاب ذي التاثير العابر، ويتبنى في المقابل خطاب العقل والمعقول مهما كان رد فعل ” الجمهور”.
كل هذه الخصال التي نادرا ما تتجمع في شخص واحد جعلت اسماعيل العلوي شخصا محبوبا ومحترما جدا في كل الاوساط، وهذا ما عبر عنه بوضوح تام نوعية الحضور في لقاء تقديم كتاب ” نبل السياسة.. مسيرة حياة” الذي إنجزه الاعلامي الكبير الاستاذ محمد الضو السراج باحترافية وكفاءة كبيرة.
وقد قال الاستاذ التوراني احد المساهمين في تقديم الكتاب انه كان يفضل ان يعنون الكتاب ب: نبل السياسي وليس نبل السياسة..
لان اسماعيل العلوي سياسي نبيل وانسان نبيل.