لا أحبّكم، أنتم الذين تعرّضون رافعة التنمية في هذا الوطن — التعليم العالي — للخطر. أنتم الذين تستفيدون من أعطاب المنظومة، وتتركون الجامعة العمومية تنهار أمام أعينكم بلا حسيب ولا رقيب. أنتم الذين تعرفون، وتصمتون.
قال صديقي وزميلي الأستاذ محمد الخمسي، في إحدى مداخلاته التي لاقت صدى واسعاً:
“في ميدان التعليم، لا يُمحى الخطأ مع الزمن، بل يمتد أثره عبر الأجيال. أما في المهن الأخرى، فيظل الخطأ عابراً ومحدود الأثر. لكن حين يصبح الخطأ سياسةً، وحين تتحول الجامعة إلى ساحة تجارب، نكون أمام جريمة مكتملة الأركان بحق الوطن ومستقبله.” (انتهى الاقتباس).
اليوم، تمر الجامعة العمومية المغربية بأزمة بنيوية غير مسبوقة: أزمة رؤية، وأزمة تدبير، وأزمة ثقة.
أما الإصلاحات التي يُسوَّق لها على أنها فتح جديد، فما هي إلا خطوات مرتجلة لا تزيد الأزمة إلا تفاقماً.
النموذج البيداغوجي الجديد القائم على سبع وحدات مثلاً، خُفّض فيه الزمن البيداغوجي، وأُقحِمَت فيه مواد “المهارات الناعمة” و”المهارات القوية”، دون رؤية واضحة، أو كفاءات بشرية مؤهلة لتأطيرها.
من يدرّس هذه المواد؟ وبأي محتوى؟ وبأي كفاءة؟ لا إجابة.
إنه تقليد أجوف لنماذج أجنبية، منقولٌ بلا تمحيص، ومُسقَطٌ على واقع لا يحتمله، متجاهلاً حاجيات الجامعة المغربية وسياقها الخاص.
في المقابل، يستمر النزيف البشري داخل مؤسسات التعليم العالي بلا انقطاع.
مئات الأساتذة يُحالون على التقاعد سنوياً دون تعويض يُذكَر، في ظل غياب أي حديث جدي عن التوظيف، وسط توجه مريب نحو التعاقد، عبر ما يسمى “المؤطرين” أو “المنشطين البيداغوجيين”، في تكرار فج لما وقع في قطاع التعليم الاعدادي والثانوي.
أما مبادرات مثل “منحة PASS”، فهي ليست سوى قناع لتقليص المناصب المالية، وتبرئة ذمة الدولة من مسؤوليتها التاريخية في تمويل التعليم، وتكريس الهشاشة داخل الجامعة العمومية.
الأخطر من كل ذلك، أن هذه الاختلالات لا تبدو وليدة الصدفة، بل توحي بأنها جزء من خطة ممنهجة لإفراغ الجامعة من مضمونها، تمهيداً لإحلال التعليم الخاص محلها.
إنه ليس إصلاحاً، بل مشروع تفكيك متدرج، يُقحم المجتمع، قسراً، في منطق السوق وتشييء المعرفة.
وسط هذا الوضع الكارثي، يغيب صوت النقابة الوطنية للتعليم العالي، أو يكاد.
نقابة كان يُفترض أن تدافع وتواجه وتعبّر عن هموم الأستاذ والطالب والجامعة، لكنها اليوم اختارت الصمت أو التمترس خلف مواقف رمادية لا تسمن ولا تغني من جوع.
هذا الغياب غير مبرر، وهذا الصمت خيانة.
والتلكؤ عن الفعل تواطؤٌ لا يُغتفر.
ومن منطلق الانتماء لا المجاملة، أوجه حديثي إلى السيد وزير التعليم العالي، ابن الشعب والكفء الذي ترعرع في وسط جامعي ويعرف خباياه، ونحن ننتسب معاً إلى منطقة عُرفت دوماً بالمقاومة والوطنية والدفاع عن الحقوق.
إن المسؤولية التي يحملها على عاتقه جسيمة، وأملنا أن يكون في مستوى اللحظة، وأن لا يخيّب تطلعات الأساتذة والطلبة إلى جامعة عمومية قوية وعادلة.
التاريخ لا يرحم، ولا يمنح الفرص مرتين.
إننا اليوم أمام لحظة مفصلية تتطلب الجرأة لا المجاملة، والوضوح لا التردد.
لحظة تستدعي منا أن نرفع الصوت عالياً، أن نُعلن رفضنا لهذا العبث، وأن نُعيد للنقابة دورها الحقيقي، وللجامعة العمومية كرامتها ومكانتها.
لقد ولى زمن الانتظار.
إما أن نتحرك الآن، أو نتحمّل غداً تبعات الانهيار الكامل.
فالصمت خيانة، والتأخر عن الفعل تواطؤٌ مرفوض.
الأستاذ حاميد الخياري
عضو المكتب الوطني للنقابة الوطنية للتعليم العالي.
عضو المكتب الوطني لقطاع التعليم العالي لحزب التقدم والاشتراكية