فاجعة بوركون مرة أخرى

0

بقلم محتات الرقاص –

العودة هنا إلى موضوع فاجعة بوركون يبررها هول المأساة أولا، وأيضا انتشار بعض الكتابات والتعليقات هنا وهناك تصر على الالتصاق بسطحية القول والإدراك، وتمارس بكثير من قلة الحياء التضليل وتحريف الوقائع وخلفياتها.
إن ما حدث في بوركون بالدار البيضاء يجب أن يسير التحقيق القضائي بشأنه إلى نهايته، وأن يتم تطبيق القانون بحزم وصرامة في حق كل من تثبت مسؤوليته، بل ويجب أن يفتح ما حدث كل الأعين على ضرورة إيجاد حلول جذرية لآليات القرار المحلي المرتبط بقضايا السكنى والتعمير حتى لا تتكرر مثل هذه المآسي.
البنايات التي انهارت في بوركون لم يتم تشييدها أمس أو أول أمس، وإنما تم ذلك منذ سنوات، والذي لا يخجل اليوم في تحميل مسؤولية المأساة إلى السلطة الحكومية المركزية المكلفة بالسكنى عليه أن يتذكر، على الأقل، من كان على رأسها  إلى عهد قريب، ومن تولى تدبيرها قبل ثلاثين سنة مثلا، علما أن الكل يعرف طبيعة التدخلات ومستويات الفعل والقرار على هذا الصعيد.
رجاء بلا جهالة أو عمى أو قلة «فهامة».
في الإطار ذاته، إن البنايات المنهارة تتواجد داخل النفوذ الترابي لجماعة معروفة في الدار البيضاء، ومعروف من يترأسها، وهنا منطقيا يجب أن يبحث التحقيق القضائي والإداري في طرق منح الرخص، وفي أساليب المراقبة والتتبع، فستكون المسؤوليات أوضح وأقرب إلى منطق الأشياء، تماما كما هو الأمر بالنسبة للسلطات المحلية الوصية في المقاطعة وفي مدينة الدار البيضاء ككل.
نعتبر أن شخصنة الأشياء والتركيز على أسماء منتخبين أو مسؤولين بعينهم مسألة ليست ذات أهمية كبيرة هنا، ولكنها بعض الكتابات الصادرة عن خفة يد أو عقل هي التي جرتنا لهذا التنبيه، لكننا في المقابل نعتقد أن ما حدث في بوركون يستدعي أولا الترحم على الضحايا، والوقوف إلى جانب الأسر المتضررة ومساندتهم لتجاوز المحنة، ثم بعد ذلك يجب أن يقودنا ما حدث إلى الانكباب على ما هو أعمق، أي منظومة العمل الجماعي المحلي ككل، تنظيما وقانونا وممارسة ووصاية وعلاقات وتدبيرا…
هذا هو المطلوب اليوم، خصوصا أن البلاد تستعد لانتخابات جماعية قريبة في ظل دستور جديد وتطلعات مجتمعية وشعبية كبيرة.
مشكلة الدار البيضاء ككل أنها ابتليت بمنتخبين يفتقر أغلبهم إلى التكوين والمهارة والمعرفة، وأساسا إلى المصداقية السياسية والنزاهة الأخلاقية…
مشكلة الدار البيضاء أن عددا من سماسرة الانتخابات فيها وتجار الحملات و»الشناقة» تحولوا فجأة إلى»ممثلين» للسكان، ومدبرين للشأن المحلي، وصاروا يغرفون من كل جانب ويملأون جيوبهم حتى باتوا هم أيضا من الأعيان و… الشخصيات…
مشكلة الدار البيضاء، وهي العاصمة الاقتصادية للمملكة، أن نخبها وأطرها وفعالياتها الاقتصادية والسياسية والجمعوية بقيت خارج المؤسسات المنتخبة، وتركت الساحة فارغة لأشباه المتعلمين والأميين كي  ينهبوا المدينة وثرواتها، ويفترسوا جسدها.
هؤلاء، هم من يمنحون رخص البناء والإصلاح، هم من يسهلون خرق القانون، هم من يسخرون المقدمين والشيوخ ، ويتواطأون مع مسؤولي أقسام التعمير في العمالات والولايات، وهم الذين تجب أيضا محاسبتهم اليوم والتحقيق معهم والبحث في مساراتهم وثرواتهم.
هؤلاء بحوزتهم اليوم كذلك تزكيات حزبية ويتحدثون ويتحالفون ويتواطؤون باسم هيئاتهم السياسية التي تمطرنا اليوم بكثير من الكلام الكبير بلا خجل…
الكل اليوم يعرف هؤلاء ويعرف انتماءاتهم الحزبية وتاريخهم الشخصي وغير الشخصي.
والأساس، أن الجميع يعرف كيف برز هؤلاء، وكيف جيء بهم إلى الدار البيضاء وفرضوا على أهلها فرضا، وفي كامل حلقات هذا العبث لم تكن الحكومة الحالية قد ظهرت للوجود على كل حال.
من يجب اليوم أن يحاسب على اختياراته الكارثية إذن وعلى … تحكمه؟
لنقرأ الأشياء بقليل من الجدية، ولنفكر في بلادنا ومستقبلها أولا وقبل كل شيء.
أما المتورطون في التواطؤ، وفي الترخيصات غير القانونية، ومن زكاهم حزبيا أو دعمهم أو «أنشأهم أول مرة»، فنقول لهم جميعا:
حشموا شويا.