بقلم محتات الرقاص –
استقطبت تونس عددا كبيرا من الشخصيات السياسية والاقتصادية الإقليمية والدولية، وذلك في إطار مؤتمر دولييقام تحت شعار:”استثمر في تونس، الديمقراطية الناشئة”، وعرضت خلاله بلاد”ثورة الياسمين”حوالي عشرين مشروعا نموذجيا في قطاعات التكنولوجيات الحديثة والطاقات البديلة والصناعة والسياحة والتجارة على ممثلي ثلاثين دولة وعشرين مؤسسة وهيئة مالية واقتصادية دولية و27 من مؤسسات وصناديق الاستثمار وبنوك دولية، وكل هذا بغاية أن تتمكن تونس الجديدة من إنجاح إقلاعها الاقتصادي والتنموي، وإضفاء منفعة ملموسة مرتبطة بحياة شعبها وتقدمه على ما عاشته من تغيير سياسي ومؤسساتي.
لم يحن الوقت بعد لتقييم مدى نجاح هذه المبادرة، ومستوى ما ستدره على البلاد من برامج تنموية وصناعية، ولكن الخطوة تستحق الاهتمام، ذلك أن تونس تحاول اليوم أن تخرج من منغلقات السجال السياسي الذي لا ينتهي بين الأطراف نحو تأسيس انطلاقة اقتصادية وتنموية ملموسة من شأنها أن تعيد للبلاد استقرارها المجتمعي وحيويتها الاقتصادية، أي أن البلاد تسعى لاستثمار ثورة شعبها ضد الاستبداد والديكتاتورية من أجل استقطاب رؤوس الأموال والاستثمارات والمساعدات الدولية للنهوض بالاقتصاد وأوضاع الشعب.
في هذه الخطوة التونسية، وبغض النظر عن نجاحها أو عدمه، هناك ما يمكن لبلادنا أن تستفيده، ذلك أن تميز النموذج الديمقراطي المغربي، وما تنعم به المملكة من استقرار أمني ومجتمعي وانفتاح ودينامية على الصعيد السياسي والديمقراطي، بإمكانه أن يمثل ورقة رابحة في سياسة استقطاب المساندة الاقتصادية والتنموية الدولية والإقليمية، لكن وجب الإقرار أن هذا الشرط السياسي والديمقراطي لم يتم استثماره بالشكل الكافي، وتسير شعلته نحو الأفول بسبب تضييع كثير من الوقت.
وفي السياق نفسه، فإن الزخم الذي افرزه إقرار دستور جديد في 2011 وكامل الدينامية السياسية الجديدة التي تكرست في البلاد، كانا يجب أن يساعدا في تسريع وتيرة انجاز الإصلاحات الهيكلية والتشريعات اللازمة، لكن الإيقاع عانى من كثير بطء وتلكؤ وتردد، ونجحت أطراف حزبية وإعلامية ولوبيات وغيرها في جر المشهد السياسي بكامله إلى مناقشات عقيمة وتوترات لم تكن أساسية.
اليوم عندما نذكر بهذا، فلكي ننبه إلى أن تضييع الوقت ليس في صالح بلادنا، فعندما تستقر الأوضاع الأمنية والسياسية وتستعيد الآلة الاقتصادية والتنموية حيويتها في بلدان الجوار المغاربي بالخصوص، فسيكون حينها على المغرب مواجهة تحديات المنافسة من جديد، ولن يبقى هو النموذج المتميز الوحيد في المنطقة.
من المؤكد أن استقرار العلاقات المغربية مع بلد مثل تونس وتطورها يعدان في غاية الأهمية، سياسيا واستراتيجيا، كما أن مشاركة رئيس الحكومة في مؤتمر تونس، والزيارة التاريخية التي كان قام بها جلالة الملك، هما قضيتان عميقتا الدلالة، ولكن في نفس الوقت من الضروري الانكباب اليوم في المغرب على تسريع وتيرة الإصلاحات الأساسية واستثمار عامل الوقت، وبالتالي جعل تفرد نموذجنا الديمقراطي والسياسي يخدم أهدافنا الاقتصادية والتنموية، ويساهم في تحسين أوضاع شعبنا ومستوى عيشه.